مع ارتفاع أسعار الذهب إلى مستويات غير مسبوقة، عادت شركات التعدين إلى البحث عن صفقات جديدة، بينما تحاول طمأنة المستثمرين بأنها تعلمت من أخطاء الماضي، خاصة تلك المرتبطة بالإفراط في الإنفاق.
شهدت الأشهر الأخيرة نشاطاً ملحوظاً في القطاع، حيث استحوذت شركة "غولد فيلدز" (Gold Fields) على "أوسيسكو مايننغ" (Osisko Mining) في صفقة قيمتها 1.6 مليار دولار، فيما قامت "أنغلوغولد أشانتي" (AngloGold Ashanti) بشراء "سنتامين" (Centamin) مقابل 2.5 مليار دولار. هذا النشاط أثار تكهنات حول وجود صفقات أكثر في الأفق، مع وجود إشارات على أن المزيد من الشركات تدرس اتخاذ خطوات مماثلة.
أصول أكثر جاذبية
ساعد ارتفاع سعر المعدن الأصفر وتراجع ضغوط تكلفة التنقيب والاستخراج في جعل الأصول أكثر جاذبية، خاصةً بالنسبة للشركات التي تسعى إلى استبدال المناجم المتقادمة. مع ذلك، تشير الشركات إلى أنها حذرة من تكرار الأخطاء التي ارتكبتها خلال فترات الازدهار السابقة، حيث أدت التوسعات الضخمة إلى تراكم ديون هائلة وغضب المساهمين.
خلال مؤتمر صناعي عُقد الأسبوع الماضي في كولورادو سبرينغز، حرص المديرون التنفيذيون على التأكيد على الانضباط المالي من خلال الحديث عن أهمية تقليص الديون، وضبط التكاليف، وتقديم عوائد مجزية للمستثمرين بدلاً من التطلع فقط لإتمام مزيد من صفقات الدمج والاستحواذ.
وفي مقابلة أُجريت معه في منتدى دنفر للذهب، صرح روس جيه بيتي، رئيس مجلس إدارة شركة "إكوينوكس غولد" (Equinox Gold): "تم إبرام بعض صفقات سيئة للغاية في الماضي، فقد اشترت الشركات أصولاً سيئة وعوقبت على ذلك".
تحديات الاستحواذ
بيتي كشف أن "إكوينوكس" نفسها استقطبت اهتماماً كبيراً، حيث تلقت عروض استحواذ منذ بدء الإنتاج بمشروع "غرينستون" (Greenstone) الجديد في كندا هذا العام. وأعرب عن قلقه بشأن النهج العدائي في عمليات الاستحواذ، محذراً من أن الشركة التي تُقدر قيمتها بـ2.6 مليار دولار "ليست للبيع بالتأكيد".
هناك جهود أخرى خلف الكواليس. فقد كشفت شركة "نيومونت" (Newmont)، أكبر منتج للذهب في العالم، في يوليو، أنها تلقت عشرات العروض لشراء أصولها في أميركا الشمالية وأفريقيا، بينما قالت "أوسيسكو" إن "غولد فيلدز" تنافست مع شركات أخرى للاستحواذ على الشركة.
ازداد الإقبال على الصفقات مع استمرار ارتفاع أسعار الذهب إلى مستويات قياسية، وعزز ذلك ترقب خفض أسعار الفائدة الأميركية (الذي تمّ الأربعاء بواقع 50 نقطة أساس)، وزيادة مشتريات البنوك المركزية للمعدن النفيس واعتباره ملاذاً آمناً. كما ساعدت السيطرة على الضغوط التضخمية العام الماضي على إبقاء التكاليف تحت السيطرة، ما مكّن الشركات من جني أرباح أكبر، وبالتالي ارتفاع أسعار أسهمها.
مع ذلك، فإن الصفقات السيئة التي أُبرمت في الماضي تظل تذكيراً بالمخاطر المحتملة للإفراط في الإنفاق. فبعد أن أنفقت الشركات مبالغ طائلة على التوسعات الكبيرة التي أثقلت كاهلها بالديون، أصيب المستثمرون بالذعر عندما انتهت موجة صعود أسعار الذهب قبل أكثر من عقد وأضرت بالميزانيات.
استراتيجيات جديدة
تحاول شركات التعدين إظهار أنها لن تقع في نفس الفخ مرة أخرى في محاولة لطمأنة المستثمرين.
تخطط شركة "إكوينوكس" لاستخدام أرباحها لتقليص الديون التي استدانتها لبناء منجم "غرينستون". كما تركز شركة "بي 2 غولد" (B2Gold) على "إعادة أكبر قدر ممكن من الأموال للمساهمين عبر زيادة التدفقات النقدية ودفع توزيعات أرباح جيدة"، حسبما قال الرئيس التنفيذي للشركة كلايف جونسون في مقابلة خلال منتدى هذا الأسبوع.
في نفس الوقت، أثارت بعض الصفقات الأخيرة انتقادات داخل الصناعة. فقد وصف الرئيس التنفيذي لشركة "باريك غولد" (Barrick Gold) مارك بريستو صفقة "غولد فيلدز" للاستحواذ على "أوسيسكو"، التي تضمنت علاوة بنحو 67% على سعر السهم في اليوم السابق لإعلان الصفقة، بأنها "مثيرة للقلق".
واعتبر بريستو أن "هذه علامات على الحماسة المفرطة في السوق"، مضيفاً أنه لن يدفع أي علاوات إضافية مقابل الاستحواذات. وعلى عكس منافسيه الكبار الآخرين، لم تعلن شركته عن أي صفقة كبيرة في الأعوام الأخيرة.
تُعتبر عمليات الاستحواذ وسيلة هامة للوصول إلى رواسب الذهب التي يصعب العثور عليها. في حين أن مناجم النحاس وخام الحديد قد تستمر لعقود أو حتى لقرن، فإن معظم مناجم الذهب لديها فترة حياة أقصر.
لكن واصف لطيف، مدير محفظة استثمارية بشركة "سارمايا بارتنرز" (Sarmaya Partners)، أفاد أنه "رغم أن الاندماج يُعد علامة جيدة وصحية للصناعة، لا يزال عليك أن ترى كيف يمكن للكيان الجديد تنفيذ أعماله". وأضاف أن "التاريخ يُظهر أن عمليات الدماج والاستحواذ ليست دائماً مربحة على المدى الطويل".
يفضل لطيف الاستثمار في الشركات التي تثبت قدرتها على التحكم في تكاليفها وتتمتع بمحفظة مشاريع قوية يمكنها تنفيذها ذاتياً.
وأوضح أن "شركات الطاقة مرت بتجربة مشابهة بعد انهيار الدورة الأخيرة لصعود أسعار السلع الأساسية، لكنها تعلمت الدرس. وقالت: "حسناً، فهمنا الأمر، لن نقوم بالحفر بمجرد العثور على فرصة'. ولا تزال بعض شركات تعدين الذهب تحاول استيعاب هذا الدرس".