بالرغم من أني أعمل في مجال الأخبار الاقتصادية منذ سنوات طويلة.. كان عندي دائماً تردد فيما يتعلَّق بعملية الاستثمار، فلم أركب موجة الاستثمار العقاري أو الأسهم، حتى كنت شاهدة على انهيارات في أسواق الأسهم على مرِّ السنوات، ورأيت كيف يمكن أن تؤثِّر على الناس، وجنى عمرهم.
ولكنَّ العملات الافتراضية ترتفع الى مستويات قياسية ولا تتوقَّف، وبعضها يسجِّل مستويات قياسية جديدة كل يوم خاصة منذ بداية هذه السنة.
وقبل الدخول في هذه التفاصيل، هناك سؤال يطرح نفسه في هذا الصدد ألا وهو.. هل الاستثمار في هذه الأدوات سهل؟، قبل أن نفكر فيما اذا كان مجدياً أم لا..
دخول عالم الاستثمار
عندما بدأ اهتمام الناس في المنطقة بأسواق الأسهم، كانت خطوات فتح حساب خاص بالأسهم كثيرة ومعقدة، ومع تخوّف الناس من الدخول في مواضيع لا يفهمونها لم أتخذ هذه الخطوة، يعني، اذهبي إلى سوق الأسهم، وأصدري بطاقة مستثمر ثم عيِّني أحد سماسرة الأسواق، أو شركة تمثلني في السوق، وتقوم بإجراء المعاملات باسمي مقابل نسبة معينة، ومهما كانت هذه النسبة ضئيلة، فهذا يعني وجود شريك في الأرباح (أو الخسائر).
وهنا يأتيك التحدي عبر اختيار الأوراق المالية التي يحق لي الاستثمار فيها، على كلِّ حال؛ يبدو أنَّ الوقت تأخَّر لكي أفكِّر في الاستثمار في سوق الأسهم...
ولكن يبدو أنَّني بدأت أرى أداة رقمية غير ملموسة ومجدية للاستثمار هي الـ"بتكوين"، وهي جديدة... حسناً، ليست جديدة ... ولكنَّها سهلة.
فقد ظهرت للمرة الأولى عندما نشرت أطروحة بعنوان "بتكوين – نظام النقد الإلكتروني من نظير الى نظير" وكان ذلك في أعقاب الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وتمَّت إتاحة الـ"بتكوين" للجمهور للمرة الأولى لتبدأ عملية التعدين، وتسجيل المعاملات، والتحقق منها عبر البلوكتشين.
لكنَّها تعرَّضت للرفض مراراً من البنوك الأمريكية الكبرى بسبب تقلُّباتها العنيفة، وأصلها الذي لا يزال مجهولاً إلى الآن، وفي عام 2011 بدأت عملات رقمية مختلفة ومتنوعة بالظهور مستخدمة التكنولوجيا نفسها، ويبدو أنَّ السوق التقليدية استسلمت مؤخَّراً لهذه الأدوات خاصة بعد الطفرة الأخيرة في سعر "بتكوين".
رواج "بتكوين"
لاقت "بتكوين"، رواجاً كبيراً بين المؤسسات منذ بداية الجائحة العام الماضي، حين قررت "تسلا" أن تقبل بها كوسيلة للدفع، وأدرجتها "باي بال" أيضاً ضمن شبكة تجارها، كما بدأت عدَّة بنوك استثمارية ضخمة تتحدَّث عن تقديم أدوات استثمارية في العملات والأصول الرقمية، مما يقرب العملاء من الاستثمار في الأدوات الناشئة.
وقبل التهور والدخول في خطوة استثمارية، قد لا أكون مدركة حجمها، خاصة كونها سهلة جداً، فكل ما عليَّ فعله اليوم هو تحميل محفظة الكترونية، واستخدام أحد الأنظمة المتوفرة لأتمكَّن من الربط مع حسابي المصرفي، وأبدأ بشراء العملات الرقمية التي تعجبني.
يجب أن أتذكَّر قصة برنارد باروخ الذي حقَّق الملايين في سوق الأسهم الأمريكية منذ عام 1924، وتوقَّع انهيار "وول ستريت" في بداية 1927، وقام بالتخارج من استثماراته قبل ذروة مؤشر داو جونز في 1929، وقبل انهيار الثلاثاء الأسود في أكتوبر من 1929، وكان باروخ يؤمن أنَّه عندما تصبح الاستثمارات شعبوية، فإنَّها تصبح على شفا الانهيار ...فهل أصبحت العملات الرقمية هي حديث المكاتب والصالونات وهل هي الفقاعة المقبلة؟ ربما؟
وتعريف الفقاعة، هو أنَّها تنشأ عندما لا يدرك" المستثمرون أنَّ الارتفاع في أسعار الأصول غير مرتبط بأساسيات هذه الأصول، فكيف اذا كانت الأصول رقمية، كيف ستكون الضمانات؟"
في المقابل يتفاخر المستثمر الكبير في صناديق التحوُّط الكمية، جورج سوروس، بأنَّه يهرع للشراء عندما يرى فقاعة تنشأ في السوق، وهو طبعاً معروف بعوائده الأسطورية التي حقَّقها من خلال الاستثمار في الفقاعات... فأسأل مجدداً، هل حان الوقت لأدخل سوق العملات الرقمية؟
مستويات قياسية
ارتفعت "بتكوين" لتسجِّل قمة تاريخية جديدة، وأعلى مستوى على الإطلاق في ارتفاع عمودي ليتضاعف سعرها 3 مرات، وتتخطَّى مستوى 62 ألف دولار، كما ارتفعت عدَّة عملات رقمية مثل: Ethereum, XRP and Litecoin، علماً أنَّ بعض المحللين يتخوَّف من أنَّ الحكومات حول العالم قد تبدأ في تضييق الخناق على استخدام الـ"بتكوين"، والعملات الرقمية الأخرى بسبب عدم وضوح الأصل.
من جهتي، يبدو أنَّني سألتزم بقاعدة الـ10 آلاف ساعة التي تحدَّث عنها مالكوم جلادويل في كتابه Outliers، ومفادها أنك بحاجة لـ10 آلاف ساعة من التدريب المتواصل، لتتمكَّن من إتقان مهارات مميزة، مثل العزف على الكمان، أو لتصبح بجودة بيل جيتس في استخدام الكمبيوتر.
ما يميز الناس بعضهم عن بعض هو مدى التدريب والتمرين حتى يتمكَّن من إتقان المادة، وعلى الرغم من الانتقادات الواسعة لهذه النظرية، لكنَّني سأتمسك بها، وأراقب كيف يتعامل شخص خبرته في العملات الرقمية تتعدى 10 آلاف ساعة، وكيف يستثمر فيها قبل أن أقرر... ويقول المثل الشعبي القديم : "أَعْطِ الخبز للخبَّاز، ولو أكل نصفه".