تقدمت شركة "مايكروسوفت كورب" بعرض لشراء شركة "نوانس كوميونيكيشنز" (Nuance Communications Inc)، رائدة تقنيات التعرف على الصوت، في صفقة نقدية بالكامل بقيمة 19.6 مليار دولار، كخطوة لضمّ تكنولوجيا ذكاء صناعي تهدف إلى مساعدة الأطباء على توقُّع حاجات المرضى وتحديث السجلات الرقمية في المستشفيات.
وتقدمت عملاقة البرمجيات بعرض شراء لـ"نوانس" مقابل 56 دولاراً للسهم، بعلاوة 23% على سعر إغلاق يوم الجمعة، وفقاً لبيان أمس الاثنين، وهو ما أكّده تقرير سابق لـ"بلومبرغ"، لتكون تلك الصفقة أكبر عملية استحواذ لشركة "مايكروسوفت" منذ "لينكد إن كورب".
وقالت "مايكروسوفت" إن قيمة الصفقة قائمة على حاصل ضرب 56 دولاراً للسهم في نحو 350 سهماً مخففاً بالكامل لـ"نوانس"، بما في ذلك خيارات الأسهم المختلفة، وتتوقع أن يقلّل الاستحواذ الأرباح بأقلّ من 1% في العام المالي الذي يبدأ في 1 يوليو، ثم تبدأ الشركة إضافة ربح العام التالي.
وتقتنص "مايكروسوفت" الشركة المرتبطة بتكنولوجيا "سيري" (Siri) الصوتية لتطوير حلول تحرّر الأطباء من أخذ ملاحظات وتساعدهم على تحديد احتياجات الرعاية الصحية بشكل أفضل. وكانت "نوانس" تعمل مع مايكروسوفت منذ عامين على برمجيات الذكاء الصناعي التي تساعد الأطباء على تسجيل المناقشات مع المرضى وإدماجها في سجلات صحية إلكترونية، كما أدمجت منتجات شركة تكنولوجيا الحديث في تطبيق الدردشة الخاص بها "تيمز" (Teams) لحجز مواعيد الرعاية الصحية من بُعد.
وقال المحلل دان إيفز، قبل الإعلان عن الصفقة رسمياً، إن شراء "نوانس" سيكون بمثابة غنيمة للشركة الواقعة في ريدموند بواشنطن، وأضاف: "(نوانس) تمر بتحول استراتيجي غير مسبوق في السنوات القليلة الماضية تحت قيادة مديرها التنفيذي مارك بنجامين، ونعتقد أن الشركة تمثل أصلاً فريداً على جبهة الرعاية الصحية بالنسبة إلى (مايكروسوفت)".
وبقيادة بنجامين، ضيّقَت "نوانس" مجال تركيزها وفصلت الأعمال الثانوية مثل "سيرينس إنك"، وحدة الذكاء الصناعي في السيارات، التي انفصلت منذ عامين، كما باعت قسم التصوير لـ"كوفاكس" (Kofax) المملوكة لـ"توما برافو" (Thoma Bravo) مقابل 400 مليون دولار، وركزت أكثر على الشراكات مع مقدّمي خدمات الرعاية الصحية وأكبر شركات السجلات الطبية الإلكترونية.
شراكة سابقة
وبعد عامين من الشراكة قال المدير التنفيذي في "مايكروسوفت" ساتيا ناديلا، في مقابلة: "معاً نستطيع فعلياً تقليل مشكلات قطاع الرعاية الصحية وتحسين النتائج وتقليص التكاليف، وكل مقدمي خدمات الرعاية يريدون الخروج من أزمة الوباء بشريك موثوق به، وفي هذا المجال تستطيع (نوانس) و(مايكروسوفت) تقديم المساعدة المطلوبة لهذا القطاع".
وكانت "مايكروسوفت" تحاول تحقيق إنجازات في قطاع الرعاية الصحية، وباعت مزيداً من برمجيات السحابة للمستشفيات والأطباء، ومع تحسُّن برمجيات الذكاء الصناعي في تحليل اللغة وتوقع الحاجات الطبية، قد تتمكن "نوانس" و"مايكروسوفت" من تطوير تكنولوجيا تبحث عن كلمات معينة في سجلات الرعاية الصحية لتقديم مقترحات أفضل للأطباء لرعاية المرضى.
ومن المتوقع أن يعمق هذا الاستحواذ المنافسة بين "مايكروسوفت" و"أمازون دوت كوم إنك"، وتحاول عملاقة التجزئة في السنوات الماضية بيع خدمات الحوسبة السحابية وبرنامج الصوت "أليكسا" لشركات الرعاية الصحية، كما أن "أمازون"، و"ألفابيت"، الشركة الأم لـ"غوغل"، تستثمران بقوة في مجال الذكاء الصناعي.
ومنذ الجمعة الماضية قفزت أسهم "نوانس" بنسبة 3.4% العام الجاري، مما أعطى الشركة التي وضعت الأساس للتكنولوجيا المستخدمة في تطبيق "سيري" لدى "آبل"، قيمة سوقية بنحو 13 مليار دولار، ومع ذلك لا تزال ارتفاعاتها السوقية تتخلف عن صعود مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنسبة 9.9%، فيما أضافت مايكروسوفت 15%، ولم تتغير أسهم "مايكروسوفت" يوم الاثنين في نيويورك، أما "نوانس" فارتفعت بنسبة 17%.
ماذا يقول خبراء "بلومبرغ إنتيلجينس"؟
“نعتقد أن قيمة الصفقة معقولة بالنظر إلى ريادة (نوانس) في ذكاء المحادثة الصناعي، وإلى ما تستطيع "مايكروسوفت" تحقيقه من أصول البرمجيات الخاصة بها، كما لا نرى أي مشترين استراتيجيين آخرين بالنظر إلى حجم الصفقة".
- أنوراج رنا، محلل البرمجيات.
وتتوقع "مايكروسوفت" أن تُغلق الصفقة خلال العام التقويمي الجاري، وسينضم بنجامين إلى "مايكروسوفت"، ويحتفظ بمنصب المدير التنفيذي، ويرفع تقاريره إلى مدير السحابة في "مايكروسوفت" سكوت جوثري، ومن المقرر أن يعلن عن النتائج المالية لـ"نوانس" ضمن وحدة السحابة الذكية في "مايكروسوفت".
وحقّقَت "نوانس، التي تتضمن منتجاتها برنامج التعرف على الكلمات "دراغون"، صافيَ دخْلٍ بقيمة 91 مليون دولار من إيرادات بقيمة 1.48 مليار دولار في العام المالي المنتهي في 30 سبتمبر، بعدما خسرت 217 مليون دولار العام السابق.
ولدى "نوانس" بالفعل شراكات مع شركات السجلات الطبية الإلكترونية الكبيرة مثل "إبيك سيستمز كورب" (Epic Systems Corp)، و"سيرنر كورب" (Cerner Corp)، وتخطط "مايكروسوفت" للاحتفاظ بهذه الشراكات، حسبما قال ناديلا، وأوضح أن الهدف "ليس على الإطلاق" استبدال هذه الشراكات، بل أكد أنهم يريدون تعزيز الاستفادة من الشراكة مع "إبيك" و"سيرنر".
وقال بنجامين: "تخطّط (نيوانس) و(مايكروسوفت) أيضاً لطرح برنامج (دراغون أمبيانت إكسبيريانس)، المستخدم في تسهيل توثيق رعاية المرضى على الأطباء، في قطاعات أخرى حيث يمكن أن تكون أدوات الذكاء الصناعي لتحويل الكلمات إلى سجلات مفيدة".
وتزايد تركيز "مايكروسوفت" على قطاع الرعاية الصحية، ففي مايو كشفت صانعة البرمجيات عن حزمة برامج سحابية مخصصة للقطاع، وعينت مديرين تنفيذيين بخلفيات طبية، وتعاملوا من قبل مع أدوات الذكاء الصناعي وأبحاث تعلُّم الآلات المصممة لمجالات الاختبارات السريرية.
وقال بنجامين، في مقابلة: "كلما تعاونَّا معاً، أردكنا أننا نحلّ بعضاً من أكثر السيناريوهات تحدِّياً وتعقيداً، وتمكَّنَّا من تسريع وتيرة التقدم".
ومن قبيل الصدفة، يقع واحدا من مكاتب "مايكروسوفت" في بوسطن مباشرة بجانب مقرات "نوانس".
نشاط مستمر
وبقيمة سوقية تبلغ 1.93 تريليون دولار، الأعلى في العالم بعد "آبل"، لا تزال "مايكروسوفت" نشيطة على جبهة عقد الصفقات.
ونقلت "بلومبرغ نيوز" الشهر الماضي أن عملاقة البرمجيات تُجري مفاوضات للاستحواذ على "ديسكورد إنك" (Discord Inc)، لألعاب الفيديو والدردشة، بأكثر من 10 مليارات دولار، كما اشترت صانعة ألعاب الفيديو "زينيماكس ميديا إنك" (Zenimax Media Inc) مقابل 4.5 مليار دولار في صورة نقدية في صفقة استُكملت العام الماضي.
وقد تُصنَّف صفقة "نوانس" كثاني أكبر استحواذ لـ"مايكروسوفت"، بعد شرائها "لينكد إن" في 2016 في صفقة أسهم بقيمة تزيد على 26 مليار دولار، وفقاً لبيانات جمعتها بلومبرغ، وقالت الشركة التي لديها سيولة تزيد على 130 مليار دولار واستثمارات قصيرة الأجل منذ نهاية العام الماضي، إنها ستواصل برنامجها لإعادة شراء الأسهم، رغم إنفاق النقدية على "نوانس".
ودخلت "مايكروسوفت" مجال الذكاء الصناعي منذ عقود من خلال مشروعات بحثية، وركز مؤسسها بيل غيتس، مبكراً على إيجاد طرق لجعل الأشخاص قادرين على التكلم مع الحواسيب باستخدام اللغة الإنجليزية البسيطة.
وتكمل صفقة شراء "نوانس" مجهودات السنوات الماضية التي وظّفت فيها "مايكروسوفت" آلاف الموظفين في أعمال الذكاء الصناعي، وأطلقت أدوات يمكن للعملاء استخدامها لبناء تطبيقات تفهم وتترجم الحديث وتتعرف على الصور وتكشف الحالات غير التقليدية، وتنظر الشركة إلى الذكاء الصناعي باعتباره محرك مبيعات خدمات السحابة في المستقبل.