في أكبر صفقة من نوعها على الإطلاق، أعلنت الشركة الناشئة الأعلى قيمة في جنوب شرق آسيا "غراب القابضة" (Grab Holdings Inc) أنها ستُطرح للاكتتاب العام بالولايات المتحدة الأمريكية عبر الاندماج مع شركة الاستحواذ لأغراض خاصة "ألتيميتر غروث" (Altimeter Growth Corp).
ومن المتوقع أن تبلغ القيمة السوقية للشركة الناشئة التي تتخذ من سنغافورة مقراً لها حوالي 39.6 مليار دولار، بعد الدمج مع شركة "الشيك على بياض" (SPAC) "ألتيميتر كابيتال مانجمنت" (Altimeter Capital Management)، التابعة لـ"براد غيرستنر"، حسبما ذكرت الشركتان في بيان اليوم الثلاثاء.
وقامت "غراب" مؤخراً بجمع أكثر من 4 مليارات دولار من مستثمرين، بما في ذلك "بلاك روك" (BlackRock Inc) و"فيدلتي إنترناشونال" (Fidelity International) و"وتي. رو برايس غروب" (T. Rowe Price Group Inc) كجزء من أكبر طرح للأسهم في الولايات المتحدة من قِبل شركة في جنوب شرق آسيا.
الطريق طويل
ستجعل الصفقة عملاق خدمات طلب سيارات الأجرة وتوصيل الطعام، أول شركة تكنولوجيا من جنوب شرق آسيا تتخطي قيمتها مليار دولار، يجري طرحها للاكتتاب العام من خلال شركة استحواذ ذات أغراض خاصة، ما يمنحها الأموال اللازمة للتوسع. وتحاول شركة "غراب" الاستفادة من فورة الإدراج في البورصة عبر شركات "الشيك على بياض" التي تقودها الولايات المتحدة، رغم أن هذه الفورة تظهر علامات تباطؤ وسط التدقيق المتزايد من قبل الجهات التنظيمية.
وصرح براد غيرستنر، في مقابلة: "شركة "غراب" بالتأكيد إحدى أفضل شركات الإنترنت، والطريق أمامها طويل جداً ومفتوح إذا تم الاستمرار بتنفيذ الصفقة".
سيجري تداول أسهم الكيان المندمج في بورصة ناسداك في الأشهر المقبلة تحت رمز (GRAB). وستضخ شركة "ألتيميتر كابيتال"، التي أدارت الاكتتاب العام الأولي لشركة "ألتيميتر غروث" في شهر سبتمبر الماضي، 750 مليون دولار في الشركة المندمجة، أي ما يعادل حوالي خُمس الأموال الجديدة التي جرى جمعها.
ويعتبر أنطوني تان، الرئيس التنفيذي لشركة "غراب"، أن هذا التمويل، بالإضافة إلى فترة إغلاق مدتها ثلاث سنوات لأسهم الرعاة، يُشير إلى التزام "ألتيميتر" طويل الأجل تجاه "غراب". كما التزمت الأولى، والتي تدير أصولا بقيمة 15 مليار دولار ، بتوفير 500 مليون دولار ضمن استثمار طارئ ليكون مساوياً للمبلغ الإجمالي لعمليات الاسترداد من قِبل مساهمي "ألتيميتر غروث".
ولفت تان خلال مقابلة، أنه"بدايةً من صناديق الثروة السيادية، وصولاً إلى صناديق الاستثمار المشترك، يستثمر في "غراب" مستثمرون من الطراز العالمي. مضيفاً أن العالم يلحظ إمكانات دول جنوب شرق آسيا ومدى الحماس تجاه الاستثمار في هذه المنطقة.
سوق ألـ180 مليار دولار
تتوقع شركة "غراب"، الشركة الرائدة في أسواق جنوب شرق آسيا لما يسمى بالتطبيقات الفائقة لخدمات المستهلك، أن ينمو سوقها المستهدف إلى أكثر من 180 مليار دولار بحلول عام 2025، من 52 مليار دولار في 2020. وبلغ إجمالي حجم تعاملاتها التجارية العام الماضي 12.5 مليار دولار، أي أكثر من الضعف، مقارنة بعام 2018، رغم اشتداد الضغط من المنافس اللدود "غوجيك" (Gojek) وتقييد وباء فيروس كورونا لتنقلات الناس.
تمثل الصفقة منعطفاً بارزاً لشركة "غراب". ففي ظل ضغط من "سوفت بنك غروب" ومستثمرين آخرين، كانت الشركة تتفاوض على اندماج محتمل مع شركة "غوجيك" الإندونيسية لفترة طويلة من عام 2020. لكن المحادثات انهارت بنهاية المطاف في شهر ديسمبر، لتبدأ "غوجيك" بمحادثات مع شركة "توكوبيديا" (Tokopedia)، عملاق آخر في قطاع الإنترنت المحلي.
بدأ تان و غيرستنر، وكلاهما من خريجي كلية "هارفارد" للأعمال، الحديث عن صفقة نوعية في وقت مبكر من هذا العام، بعد أن كشف عنها أصدقاء مشتركون. وبعد حوالي 3 أشهر فقط، توصلوا إلى اتفاق بشأن الصفقة ذات القيمة القياسية.
ولا يُعتبر غيرستنر غريباً على منطقة جنوب شرق آسيا، فقد استثمر في شركة "سي" (Sea Ltd) الرائدة في مجال الألعاب والتجارة الإلكترونية ومقرها سنغافورة. وبرزت هذه الشركة المدعومة من مجموعة "تيسينت هولدينغز" (Tencent Holdings Ltd) كنجم لسوق الأسهم منذ طرحها للاكتتاب العام في بورصة نيويورك عام 2017. فمن بين الشركات التي تبلغ قيمتها 100 مليار دولار أو أكثر، يُعدُّ سهم شركة "سي" هو صاحب الأداء رقم واحد على مستوى آسيا منذ مطلع العام الماضي، ولا يأتي قبله سوى سهم شركة "تسلا" على مستوى العالم.
ويوضح غيرستنر، الذي كان يتابع شركة "غراب" منذ استحواذها عام 2018 على الأعمال الإقليمية لشركة "أوبر"، وهي شركة أخرى يدعمها: "كانت الولايات المتحدة والصين من الأسواق الاستثمارية الكبرى لمدة 20 عاماً، وقبل شركة "سي"، لم يكن سوق جنوب شرق آسيا موجوداً على شاشات رادار العديد من المستثمرين". متابعاً: "الآن لدينا نشاط تجاري ثانٍ بقيمة سوقية تبلغ 40 مليار دولار سيجري إدراجه في بورصة ناسداك، وهذه لحظة كبيرة للمستثمرين العالميين الذين يتابعون النهضة التي تحدث في سوق التكنولوجيا بجنوب شرق آسيا".
بداية الرحلة
أسس تان شركة "غراب" في موطنه ماليزيا كتطبيق لخدمة طلب سيارات الأجرة عام 2012 مع زميله في جامعة هارفارد هوي لينغ تان، وبدؤوا عملياتهم في العاصمة الماليزية كوالالمبور تحت مسمى "ماي تاكسي" (MyTeksi)، والتي تتيح للمستخدمين بحجز سيارات الأجرة عبر الإنترنت.
وتمّ لاحقاً نقل شركة "غراب" إلى سنغافورة، قبل أن يتوسع تطبيق المواصلات في بلدان أخرى تشمل إندونيسيا وفيتنام والفلبين وكمبوديا وميانمار. ومع جمع أكثر من 10 مليارات دولار من مستثمرين بقيادة "سوفت بنك" على مدى 8 جولات تمويل، أصبحت "غراب" أكبر مشغل لخدمة طلب سيارات الأجرة في جنوب شرق آسيا، قبل التوسع نحو مجالات توصيل الطعام والمدفوعات الرقمية والخدمات المالية في 8 دول بالمنطقة.
وعلى صعيد الأداء المالي، تفصح "غراب" أن أعمالها في مجال طلب سيارات الأجرة تحقق أرباحاً بجميع أسواقه ، في حين أن توصيل الطعام يعاني من خسائر في 5 من أصل 6 أسواق تعمل فيها. وتستحوذ الشركة على حوالي 72% من سوق طلب السيارات الأجرة في جنوب شرق آسيا، وعلى 50% من سوق توصيل الطعام، و23% من مدفوعات المحفظة الرقمية، بحسب أرقام العام الماضي. وأكد مصدر مطلع أنه جرى تقييم "غراب" سابقاً بنحو 16 مليار دولار.
من بين المؤسسات المشاركة بضخ التمويل في "غراب"، وفق ما يسمى بالاستثمار الخاص في الأسهم المدرجة بالبورصة (PIPE )، البنك الاستثماري المملوك للدولة السنغافورية "تماسيك هولدينغز" (Temasek Holdings Pte) و شركة "جانوس هندرسون غروب" (Janus Henderson Group Plc ) وشركة "نوفين" ( Nuveen LLC). وتمثل القيمة السوقية المتوقعة ل"غراب" أيضاً مبلغ الاستثمار الخاص في الأسهم المدرجة، وحصيلة صفقة الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة بقيمة 4.5 مليار دولار، بالإضافة إلى قرض لأجل محدد بمبلغ ملياري دولار، بحسب شركة "غراب".
قدم كل من "إيفركور" (Evercore Inc) وبنكي "جي بي مورغان" و"مورغان ستانلي" المشورة لشركة "غراب" بعملية إجراء الصفقة.
