تحركت مؤشرات الأسهم الأميركية بالقرب من أعلى مستوياتها على الإطلاق، إذ ينتظر المتداولون نتائج أعمال "إنفيديا كورب" للحصول على أدلة حول ما إذا كانت نشوة الذكاء الاصطناعي التي غذت السوق الصاعدة لديها مجال أكبر للاستمرار.
قبل يوم واحد فقط من إعلان أرباح شركة صناعة الرقائق الكبرى، يستعد المستثمرون لمعرفة ما إذا كانت محبوبة الذكاء الاصطناعي ستحقق على الأقل تقديرات وول ستريت المتفائلة. ونظراً لتأثيرها الهائل على المؤشرات الأوسع، فقد وصف مكتب التداول التابع لـ"غولدمان ساكس" ذات مرة سهم "إنفيديا" بأنه "الأكثر تأثيراً في العالم". باعتبارها عضواً في مجموعة "العظماء السبعة" من الأسهم الكبرى، كانت الشركة مسؤولة عن أكثر من ثلث مكاسب مؤشر "ناسداك 100" (Nasdaq 100) هذا العام.
تقلبات مرتقبة
يتأهب المستثمرون لتقلبات كبيرة في سعر سهم "إنفيديا" مع إعلان الشركة، البالغة قيمتها 3.2 تريليون دولار والتي يقودها جنسن هوانغ، عن أرباحها يوم الأربعاء. ويتوقع سوق عقود الخيارات حدوث تحرك بنسبة 10% تقريباً في أي اتجاه (صعوداً أو هبوطاً) في اليوم التالي لإعلان نتائج الأعمال. ارتفع سعر السهم بأكثر من 150% هذا العام وبنسبة 1000% من أدنى مستوى له في السوق الهابطة في أكتوبر 2022.
قال أنتوني ساجليمبيني من "أميربرايس فاينانشال" (Ameriprise Financial): "قد يكون لنتائج أعمال (إنفيديا) تأثير أكبر على السوق بشكل عام من خطاب جيروم باول في جاكسون هول الأسبوع الماضي"، و"امض يا باول، لقد حان دور جنسن هوانغ لتحريك الأسواق".
يرى كريس سينيك من "وولف ريسرش" (Wolfe Research)، أن نتائج إنفيديا ستحدد نغمة الأسواق قبل تقرير الوظائف الأميركي الرئيسي المنتظر في 6 سبتمبر. وقال "ما زلنا متفائلين، لكن المخاطر تميل الآن نحو الاتجاه الهبوطي على المدى القريب جداً"، و"من منظور موسمي، ندخل فترة أضعف تتفاقم بشكل أكبر في سنوات الانتخابات".
ارتفع مؤشر "إس آند بي 500" (S&P 500) إلى مستوى 5625 نقطة. وارتفع مؤشر "ناسداك 100" بنسبة 0.3%. وصعد مؤشر يتتبع أسهم شركات تصنيع الرقائق 1.1%. وارتفع سعر سهم "إنفيديا" بنسبة 1.5%. وانخفض سهم شركة البرمجيات "سيلز فورس" (Salesforce)، التي تعلن أيضاً عن نتائج أعمالها يوم الأربعاء، بنسبة 0.4%. وانخفض سهم شركة "سوبر مايكرو كمبيوتر" بنسبة 2.6% بعد أن قالت شركة "هيندنبرغ ريسرش" إنها تبيع أسهم شركة تصنيع معدات الخوادم على المكشوف. انخفض مؤشر "راسل 2000" (Russell 2000) للأسهم الصغيرة بنسبة 0.7%.
وارتفعت عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات نقطة أساس واحدة إلى 3.83%. ولاقت عملية بيع سندات لمدة عامين بقيمة 69 مليار دولار أميركي إقبالاً كبيراً. انخفض سعر النفط بعد ورود إشارات فنية على أن الارتفاع الذي استمر ثلاثة أيام مدفوعاً بالتهديد بوقف الإمدادات الليبية كان مبالغاً فيه.
الاستثمار في الذكاء الاصطناعي
في ظل الأسئلة التي تدور حول سياسة الاحتياطي الفيدرالي النقدية، وحالة الاقتصاد، والسباق الرئاسي الأميركي، يبدو أن هناك شيئاً واحداً على الأقل واضحاً في وول ستريت هو أن الإنفاق على الذكاء الاصطناعي لا يزال أساسيا.
ساهمت المخاوف بشأن عوائد تلك الاستثمارات مؤخراً في الضغوط البيعية التي ضربت أسهم التكنولوجيا، رغم أن هذا الانخفاض وجد قوى شرائية سريعا. قادت شركات أجهزة ورقائق الذكاء الاصطناعي ارتداد مؤشر "ناسداك 100" من أدنى مستوى له في أغسطس، وصعد سعر سهم "إنفيديا" بنحو 30%.
تحتل "إنفيديا" أكثر من 6% من القيمة السوقية لمؤشر "إس آند بي 500" من حيث الوزن، لذلك "فإنها عنصر محدد أكبر بشكل متزايد لاتجاه السوق وزخمه"، وفق تصريحات مات ستاكي من "نورث ويسترن ميوتوال ويلث مانجمنت" (Northwestern Mutual Wealth Management) لـ"يلومبرغ سرفيلنس". وقال إنه إذا فشلت شركة تصنيع الرقائق الكبرى في تحقيق التوقعات، أو حتى مجرد تلبية التوقعات، "فأعتقد أن الأمر أقرب إلى بيئة خالية من المخاطر، وليس بالضرورة وقوداً لتحويل الاتجاه".
ويرجح المحللون، في المتوسط، أن تتوقع شركة صناعة الرقائق نمواً في الإيرادات يزيد عن 70% خلال الربع الحالي. ويقدر البعض زيادة أكبر. ستكون نتائج وتوقعات "إنفيديا" أيضاً بمثابة مقياس للإنفاق على الذكاء الاصطناعي في معظم صناعة التكنولوجيا.
في حين أفادت تقارير بتأخير بعض إصدارات مجموعة شرائح إنفيديا الجديدة "بلاكويل" (Blackwell)، يعتقد معظم المحللين أن هناك طلباً كافياً على المنتجات الحالية لجعل هذه العقبات غير مهمة. ولم تعلق الشركة بعد على الأمر.
رأي "بلومبرغ إنتليجنس"
من المرجح أن تتفوق "إنفيديا" بقوة على توقعات الإجماع، وترفع توجيهاتها للربع الثالث، على أن تتجاوز المبيعات التقديرات بنسبة أقل من 10%. ومع ذلك، فإن المخاوف بشأن تأخير شرائح (بلاكويل) يمكن أن تؤثر على الاتجاه الصعودي للتوقعات للعام المالي 2025، مما يجعل تعليقات الإدارة -وخاصة التوقعات المطمئنة لعام 2025- حاسمة.
كونجان سبحاني من بلومبرغ إنتليجنس
قصة نمو
ورغم احتمال التعرض لتقلبات على المدى القريب في مجال التكنولوجيا، إلا أن قصة نمو الذكاء الاصطناعي لا تزال سليمة، وفق مارك هيفيلي من "يو بي إس غلوبال ويلث مانجمنت" (UBS Global Wealth Management).
"ستكون نتائج (إنفيديا) هذا الأسبوع بالإضافة إلى إطلاق أبل المرتقب لهاتف (أيفون) بمثابة محفزات رئيسية يجب مراقبتها". و"من دون اتخاذ أي آراء محددة، فإننا نحافظ على نظرتنا الإيجابية للمستفيدين من الذكاء الاصطناعي عالي الجودة في صناعات أشباه الموصلات والبرمجيات".
من الصعب أن نتذكر فترة في الماضي كانت السوق تركز بشكل كبير على أرباح إحدى الشركات، ولكن هذا هو موقفنا الآن بالنسبة لشركة "إنفيديا" وبدرجة أقل شركة "برودكوم"، وفق ريان غرابنسكي من "ستراتيجاس".
وقال: "نتائج أرباح كل منهما ستكون حافزاً كبيراً للسوق الأوسع في أي من الاتجاهين"، و"قد يؤدي تخلف نتائج (إنفيديا) عن التقديرات -التي تبلغ مساهمة ربحية الأسهم لديها 4.6% - يمكن أن تؤدي إلى تغيير التقديرات بشكل ملموس. وتساهم شركة (برودكوم)، التي ستعلن عن نتائج أعمالها الأسبوع المقبل، بنسبة 1.6%. مساهمة أقل جوهرية من حيث ربحية السهم، ولكنها لا تقل أهمية عن (حماس الذكاء الاصطناعي)".
تشذيب التوقعات
طوال تاريخها، كانت (إنفيديا) أقل بمتوسط 38%، وفقاً للبيانات التي جمعها استراتيجيو مجموعة "بيسبوك انفستمنت غروب" (Bespoke Investment Group).
وأوضحت "بيسبوك": "هدفنا هنا ليس الإشارة إلى أن (إنفيديا) محكوم عليها بالفشل، بل تشذيب التوقعات"، و" تكرار صعود "إنفيديا" بما يتجاوز 1000% أمر مستحيل تقريباً، كما أن التراجع الشديد في سعر سهم متقلب مثل هذا (أي إنفيديا)، أمر وارد الحدوث".
مع اقتراب انتهاء موسم نتائج الأعمال، تشير بلومبرغ إنتليجنس إلى تراجع ذكر مصطلح "الذكاء الاصطناعي" في نتائج أعمال الشركات بالفصل الثاني ربعاً تلو الآخر، ولكن هذا على الأرجح لأن شركتي "إنفيديا" و"سيلز فورس" لم تعلنا بعد عن أرباحهما.
قال استراتيجيو بلومبرغ إنتليجنس بقيادة جينا مارتن آدامز: "ارتفعت كلمة (الركود) بين إدارات شركات "إس آند بي 500" وفي أسئلة المحللين ربعاً تلو الآخر للمرة الأولى منذ الربع الثاني من 2022". و"مع ذلك، فإن موضوعات الاقتصاد الكلي احتلت مرتبة متأخرة أمام الذكاء الاصطناعي والمستهلك".
على الصعيد الاقتصادي، أظهرت البيانات أن ثقة المستهلك الأميركي ارتفعت إلى أعلى مستوى لها منذ ستة أشهر في أغسطس، إذ عوضت وجهات النظر الأكثر تفاؤلاً بشأن الاقتصاد والتضخم تراجع التفاؤل بشأن سوق العمل.
في حين أن مؤشر "إس آند بي 500" عاد الآن تقريبًا إلى أعلى مستوى له على الإطلاق في أعقاب رسالة باول المائلة للتيسير النقدي الأخيرة، إلا أن علاوات المخاطر الأساسية لا تزال أكبر إلى حد ما مما كانت عليه قبل بدء التصحيح في يوليو، ولا يزال سرد "الذكاء الاصطناعي" الذي كان مهيمناً في السابق لم يبدأ بعد التعافي الكامل، وفق جوناس غولترمان من "كابيتال إيكونوميكس".
الهبوط السلس
قال غولترمان: "شريطة أن يتمكن الاقتصاد الأميركي من الهبوط السلس، كما نواصل التوقع، واستمرار انتعاش الحماس حول الذكاء الاصطناعي بشكل أكبر، نتوقع أن يصل مؤشر (إس آند بي 500) إلى 6000 نقطة بحلول نهاية العام".
سحب عملاء "بنك أوف أميركا" أموالهم من الأسهم الأميركية للمرة الأولى منذ ثلاثة أسابيع، مما قلص تعرضهم لفئة الأصول التي استمرت في التحرك بالقرب من مستويات قياسية. وشوهدت عمليات البيع عبر سبع من المجموعات الصناعية الـ11، لكنه كان واضحاً في أسهم التكنولوجيا، التي سجلت أول تدفقات خارجة (للاستثمارات) منذ ثلاثة أسابيع.
رغم أن الارتفاع الأخير في أسعار سندات الخزانة ساعد في إعادة مقارنة القيمة النسبية للأسهم والسندات بالقرب من المتوسط طويل الأجل، إلا أن الأسهم لا تزال تعاني من جاذبية محدودة على العائدات، وفق آدامز من بلومبرغ إنتليجنس.
وأشار آدامز إلى أن علاوة مخاطر الأسهم في مؤشر "إس آند بي 500" -وهي الفارق بين عائد الأرباح على الأسهم والعائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات- عادت إلى المنطقة الإيجابية. ومع ذلك، أوضح أنه عند متوسطه على المدى الطويل، فإنه لا يزال منخفضاً جداً بحيث لا يدعم فكرة العوائد الآجلة القوية كما حدث في السوق الصاعدة في الفترة 2010-2019.
وأوضح الخبير الاستراتيجي: "نظراً للجمع بين عوائد السندات المرتفعة والأسهم بالقرب من أعلى مستوياتها على الإطلاق، فإن علاوة مخاطر الأسهم تشير فقط إلى عائدات متوسطة مستقبلية للأسهم - هو بعيد كل البعد عن العائدات السنوية التي تفوق 10% والتي ميزت حقبة ما بعد الأزمة المالية- ولكن لا تزال إيجابية".