محاولات "الفيدرالي" السابقة لإنقاذ النظام المالي لم تكن مثالية، لكنه يستحق الإشادة بقدر ما يُنتقد

انتقاد الاحتياطي الفيدرالي سهل لكنه غالباً ما يكون خاطئاً

رئيس "الاحتياطي الفيدرالي" جيروم باول، ومحافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي، خلال ندوة السياسة الاقتصادية للبنك المركزي الأميركي في كانساس سيتي، جاكسون هول، الولايات المتحدة - المصدر: بلومبرغ
رئيس "الاحتياطي الفيدرالي" جيروم باول، ومحافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي، خلال ندوة السياسة الاقتصادية للبنك المركزي الأميركي في كانساس سيتي، جاكسون هول، الولايات المتحدة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

استمعتُ طوال حياتي إلى الناس وهم يشكون بشأن "الاحتياطي الفيدرالي": ألان غرينسبان خفض أسعار الفائدة بشكل مفرط بعد انهيار فقاعة الإنترنت في عام 2000؛ بن برنانكي طبع الكثير من الأموال لإنقاذ البنوك خلال الأزمة المالية في عام 2008؛ وجانيت يلين أبقت أسعار الفائدة منخفضة للغاية لفترة طويلة في منتصف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين؛ وجيروم باول كان بطيئاً في إدراك التضخم القادم، والآن هو بطيء في رصد الركود.

مع ذلك، خلال تلك العقود الثلاثة تقريباً، أشرف "الاحتياطي الفيدرالي" على فترة تاريخية من استقرار الأسعار وانخفاض معدلات البطالة، حيث تعطل هذا الاستقرار ثلاث مرات فقط بسبب قوى كانت خارج نطاق سيطرة البنك المركزي إلى حد كبير، وهي هوس المضاربة المزدوج على الأسهم عبر الإنترنت والعقارات، وجائحة "كورونا". في كل مرة، تدخل "الاحتياطي الفيدرالي" بجرأة، وتحت سيل من الانتقادات لدرء دوامة انكماشية ودعم سوق العمل.

أشعر بالقلق البالغ من التفكير في ما كان سيحدث لو لم يتدخل "الاحتياطي الفيدرالي" لإنقاذ النظام المالي في عام 2008، أو للحفاظ على تدفق الائتمان إلى الحكومات المحلية والولايات وأرباب الأعمال والأسر في عام 2020. محاولات الإنقاذ هذه لم تكن مثالية، ولكن يستحق "الاحتياطي الفيدرالي" على الأقل القدر نفسه من الثناء كما يستحق الانتقاد.

من خلال إدراك هذا التاريخ الثقيل والطويل، خاطب باول المراقبين المتشككين في "الاحتياطي الفيدرالي" يوم الجمعة الماضي في التجمع السنوي للبنك المركزي في جاكسون هول بولاية وايومنغ.

وفي حديثه المعتاد ذي الطابع الدبلوماسي، ولكنه ليس واضحاً بالكامل، ألمح باول إلى أن البنك المركزي سيبدأ قريباً في خفض أسعار الفائدة، حيث يركز بشكل أقل على مكافحة التضخم، وبشكل أكبر على دعم سوق العمل الضعيفة. كما أقر بأن "الاحتياطي الفيدرالي" لا يعرف كل شيء، وكأن الأمر يحتاج إلى قول ذلك- إلا أن هذه بادرة كريمة على الرغم من ذلك بالنظر إلى نجاح "الاحتياطي الفيدرالي" في كبح التضخم دون تدمير الاقتصاد، على الأقل حتى الآن.

أمور جديرة بالتذكير

لكنني كنت أتمنى لو أن باول ذهب أبعد من ذلك، وذكّر منتقدي "الاحتياطي الفيدرالي" ببعض الأمور، وهي:

لا أحد يملك نموذجاً موثوقاً للتنبؤ بالتضخم أو البطالة- وهما الجانبان الأساسيان من المهمة المزدوجة للبنك المركزي. "الاحتياطي الفيدرالي" لا يستطيع توقع ارتفاع الأسعار، أو فقدان الوظائف بشكل أفضل من أي شخص آخر، خصوصاً في ظل ضبابية جائحة عالمية، وهذا يعني أيضاً أنه لا يستطيع أخذ خطوة استباقية. أقصى ما يمكنه فعله هو التدخل عند الضرورة وبأسرع ما يمكن لإعادة الأمور إلى نصابها المستهدف. وهذا ما فعله.

الصعوبة تكمن في أن البيانات الفورية للتضخم والوظائف محدودة وغير دقيقة، لذا يجب على "الاحتياطي الفيدرالي" التريث حتى تجمع الوكالات الحكومية البيانات، وهو ما يتسبب في تأخير، الأمر الذي يؤدي إلى إرجاء تقييمه ورد فعله. وحتى عند ذلك، قد لا تكون الأرقام دقيقة، كما أظهر التعديل بالخفض في عدد الوظائف بمقدار 818 ألف وظيفة للأشهر الـ12 حتى مارس الماضي.

على الرغم من أن التوقيت بعيد عن المثالية، إلا أنه أفضل من أن يتخذ "الاحتياطي الفيدرالي" قراراته استناداً إلى تخمينات حول مسار التضخم والبطالة. يمارس المستثمرون هذه اللعبة باستمرار، وهم مخطئون على الأقل بقدر ما هم محقون- وقد يكون هذا تقييماً سخياً.

ومع ذلك، ليس من الضروري أن يتخذ "الاحتياطي الفيدرالي" إجراءات دائماً ليؤثر في الأسواق. فالأسواق غالباً ما تستجيب للتطورات الاقتصادية الكلية بتوقع ما قد يفعله "الاحتياطي الفيدرالي"، ما يمكن أن يكون له تأثير الإجراءات الفعلية نفسها التي يتخذها البنك المركزي.

على سبيل المثال، بدأت موجة التضخم الأخيرة في ربيع عام 2021، ولم يبادر "الاحتياطي الفيدرالي" إلى رفع أسعار الفائدة إلا بعد عام. لكن أسعار الفائدة قصيرة الأجل لم تنتظر "الفيدرالي". بدءاً من خريف 2021، ارتفع العائد على سندات الخزانة لأجل عامين إلى 1.9% من مستوى قريب للصفر، قبل أن يتحرك "الفيدرالي".

الأمر نفسه يحدث الآن. في إطار توقع خفض أسعار الفائدة، انخفض عائد سندات الخزانة لأجل عامين بنسبة 1% ليصل إلى 3.9% منذ مايو. هذا يعادل تخفيضين في أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس دون أن يُضطر "الفيدرالي" إلى تحريك ساكن. سيتعين عليه في النهاية خفض الفائدة على الأموال الفيدرالية إذا كان يريد أن يبقى العائد لأجل عامين عند مستواه الحالي، لكن التوقيت يصبح أقل أهمية عندما تقوم السوق ببعض الإجراءات. 

خلط حول دور "الاحتياطي الفيدرالي"

يبدو أن هناك خلطاً حول دور "الاحتياطي الفيدرالي". فهو ليس مسؤولاً عن الاقتصاد. وبينما يحاول محاربة التضخم دون دفع الاقتصاد نحو الركود، قد لا يكون ذلك ممكناً دائماً. الاقتصاد البطيء يكون مهماً فقط بقدر ما يتسبب في ارتفاع معدلات البطالة، رغم أنه من الممكن أن ترتفع معدلات البطالة، ولكن تبقى دون مستويات غير مقبولة. قد نشهد مثل هذا السيناريو الآن.

"الاحتياطي الفيدرالي" ليس مسؤولاً أيضاً عن سوق الأسهم. نعم، قد يؤدي انهيار السوق إلى تحرك التضخم والبطالة في اتجاهات غير مرغوبة، كما حدث في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ولكن حتى أكثر المستثمرين احترافية لا يمكنهم التنبؤ بالسوق الهابطة. وفي جميع الأحوال، آخر ما يريده المستثمرون هو أن يخبرهم "الاحتياطي الفيدرالي" بأن رهاناتهم على الأسهم مبالغ فيها. إذا كان المستثمرون يعتقدون أن "الاحتياطي الفيدرالي" سينقذهم من سوق أسهم متراجعة دون تأثير ملموس على التضخم أو الوظائف، فهم مخطئون.

في الوضع الحالي، فإن المقياس المفضل لـ"الاحتياطي الفيدرالي" للتضخم-وهو نفقات الاستهلاك الشخصي باستثناء الغذاء والطاقة-انخفض إلى 2.6% على أساس سنوي حتى يونيو، ويتجه نحو هدف البنك المركزي البالغ 2%. كما أن سوق سندات الخزانة تتوقع أن يستمر التضخم عند حوالي 2% على مدى السنوات الخمس المقبلة. إذا استمر هذا الاتجاه، فمن المرجح أن يخفض "الاحتياطي الفيدرالي" معدل الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى نطاق يتراوح بين 0.5% إلى 1% بعد احتساب التضخم، وذلك من معدل حقيقي أقرب إلى 2.5% إلى 3% الآن.

أسعار الفائدة قصيرة الأجل تكاد تكون هناك بالفعل. مع عائد سندات الخزانة لأجل عامين عند 3.9%، فإن المعدل الحقيقي البالغ 1.3% أعلى قليلاً فقط. يبدو أن ذلك معقول نظراً لأن التضخم لم يصل بعد إلى هدف "الاحتياطي الفيدرالي"، وأن البطالة لا تزال منخفضة بالمقاييس التاريخية. في هذا السياق، لا يبدو أن "الاحتياطي الفيدرالي" بحاجة إلى خفض أسعار الفائدة بشكل عاجل.

لا تفهمني خطأ، يمكنني أن أجادل "الاحتياطي الفيدرالي" كأي شخص آخر. ربما كنت سأعطي البنوك مجالاً أقل لتحميل أنفسها بالمشتقات المالية في السنوات التي سبقت الأزمة المالية. ربما كنت سأرفع أسعار الفائدة فوق الصفر في وقت أقرب خلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين رغم التضخم المنخفض المستمر. ولكن قد يكون هذا الحديث نابعاً من رؤية متأخرة.

في كثير من الأحيان، أتساءل إذا كنا قد اعتدنا على وجود أحد أكثر البنوك المركزية تعقيداً في العالم-وجميع الفوائد التي تأتي معه-لدرجة أننا نعتبر الاستقرار النسبي للولايات المتحدة أمراً مسلّماً به. تعامل "الاحتياطي الفيدرالي" مع فترة ما بعد الجائحة، والثلاثة عقود التي سبقتها، بشكل جيد كما يمكن أن يُتوقع منه بشكل معقول. ينبغي له أن يأخذ الوقت الكافي، إذا شعر أنه ضروري، ليكون أكثر ثقة بأن معركة التضخم قد حُسمت.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة