انتعشت مؤشرات الأسهم الأميركية بقوة وتراجعت السندات بعد أن ساعدت البيانات الأخيرة لسوق العمل في الولايات المتحدة على تخفيف المخاوف بشأن التباطؤ الأكثر وضوحاً في أكبر اقتصاد بالعالم.
تقدمت جميع المجموعات الرئيسية في مؤشر "إس آند بي 500" (S&P 500)، ليسجل المؤشر أكبر صعود منذ نوفمبر 2022 بعدما أظهرت البيانات انخفاض طلبات إعانة البطالة الأولية في الولايات المتحدة بأكبر قدر في عام تقريباً. ومع تراجع القلق الاقتصادي، انخفضت سندات الخزانة بكافة آجالها، وتركزت عمليات البيع على آجال الاستحقاق الأقصر. أبقت السندات على خسائرها بعد مزاد ضعيف لبيع سندات حكومية مدتها 30 عاماً بقيمة 25 مليار دولار.
فوضى الأسواق
ضربت الفوضى الأسواق منذ أن أثارت البيانات الاقتصادية التي صدرت الأسبوع الماضي مخاوف من أن بنك الاحتياطي الفيدرالي ينتظر أكثر من اللازم قبل خفض أسعار الفائدة من أعلى مستوياتها منذ عقدين، مما يهدد احتمالات "الهبوط السلس". كانت هذه التوترات، بالإضافة إلى المراكز المنهكة، وأرباح شركات التكنولوجيا المخيبة للآمال، والاتجاهات الموسمية الضعيفة، من بين العوامل التي أدت إلى التقلبات.
قال كريس زكاريلي من "اندبندنت أدفايزور أليانس" (Independent Advisor Alliance): "هناك بعض الأخبار الجيدة متمثلة في تراجع طلبات إعانة البطالة عن المتوقع"، و"كان من الصعب تصديق أن الركود قد بدأ بالفعل. نحن نتوخى الحذر، لكننا نعتقد أن حالة الذعر التي بدأت في وقت سابق من الشهر كانت مبالغاً فيها".
من جهته، قال ستيف سوسنيك من "إنتر أكتف بروكرز" (Interactive Brokers) إن لديه سؤالاً مهماً للمشترين: "هل أنتم نفس الأشخاص الذين كانوا يطالبون بخفض طارئ لسعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس يوم الاثنين؟".
وأضاف: "هل يمكننا القول إن رقم اليوم هدأ مخاوف الركود التي تلوح في الأفق؟ بالتأكيد لا. هل يمكننا القول إن متداولي الأسهم ما زالوا يركزون على شراء بأسعار منخفضة واستهداف الصعود؟ بكل تأكيد نعم".
ارتفع مؤشر "إس آند بي 500" بنسبة 2.3%. وصعد مؤشر "ناسداك 100" الذي تغلب عليه أسهم شركات التكنولوجيا 3.1%. أضاف مؤشر "راسل 2000" للشركات الصغيرة 2.4%. قادت "إنفيديا كورب" ارتفاع أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى. ارتفعت أسهم "إيلي ليلي" وسط توقعات متفائلة مدفوعة بمبيعات أدوية إنقاص الوزن التي تنتجها.
صعدت عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات خمس نقاط أساس إلى 3.99%. وقلص متداولو عقود مقايضة أسعار الفائدة رهاناتهم على التيسير النقدي القوي من قبل الاحتياطي الفيدرالي في 2024. وارتفعت أسعار العملات المشفرة، مع عودة المستثمرين إلى الأصول الأكثر خطورة في الأسواق المالية.
تقلص مخاوف الركود
قال خوسيه توريس من "إنتر أكتف بروكرز": "الأسهم تتعافى من التحول القبيح الذي شهدته الأمس (إذ تخلت الأسهم عن مكاسبها وتحولت إلى الهبوط)، إذ تراجعت مخاوف الركود بعد صدور أرقام طلبات إعانة البطالة الراسخة هذا الصباح".
انخفضت طلبات إعانة البطالة الأولية 17 ألف طلب إلى 233 ألف طلب بالأسبوع المنتهي في 3 أغسطس، وفقاً لبيانات وزارة العمل الصادرة يوم الخميس. تجدر الإشارة إلى أن أي بيانات تؤشر إلى أن الاحتياطي الفيدرالي ليس متأخراً عن السوق فيما يتعلق بخفض أسعار الفائدة المحتمل في سبتمبر تعد بمثابة أخبار سيسعد بها المستثمرون، وفق بريت كينويل من "إي تورو" (eToro).
في حين تراجع المتداولون في سوق المقايضة عن توقعاتهم بشأن إجراء الاحتياطي الفيدرالي تخفيضات كبيرة في أسعار الفائدة في الولايات المتحدة هذا العام، إلا أنهم ما زالوا يرجحون تيسيراً نقدياً بحوالي 38 نقطة أساس لشهر سبتمبر. ومع ذلك، فإنهم يتوقعون إجمالي خفض للفائدة بـ103 نقاط أساس لعام 2024، مقارنة بحوالي 65 نقطة أساس قبل ما يزيد قليلاً عن أسبوع.
وتيرة خفض الفائدة
أمّا نيل دوتا من "رينيسانس ماكرو ريسيرش"، فيرى أن القضية الآن هي ما إذا كان الاحتياطي الفيدرالي سيخفف سياساته النقدية قريباً أم لا، وما إذا كان من المرجح أن يجري خفضاً كبيراً للفائدة في البداية (أي سبتمبر) أم لا.
وقال: "السوق صعدت اليوم بسبب طلبات إعانة البطالة! هذا غير معتاد. إذا حدثت بعض المفاجآت السلبية في البيانات الأسبوع المقبل، خمن ماذا سيحدث؟ سيؤدي ذلك إلى إعادة الحديث إلى فكرة أن الاحتياطي الفيدرالي متخلف قليلاً عن السوق".
في حين أن الاضطراب الأخير في سوق الأسهم أدى إلى فلترة السوق، إلا أن الأسهم الأميركية تظل معرضة لخطر انخفاضات أكثر حدة إذا استمر النمو في التباطؤ ولم يُظهر بنك الاحتياطي الفيدرالي "ضرورة ملحة" لتيسير السياسة النقدية، وفق دوبرافكو لاكوس بوغاس من "جيه بي مورغان".
مرت سندات الخزانة بعاصفة كاملة خلال الأسبوعين الماضيين، إذ من المرجح أن يظل المستثمرون يركزون على تراجع تجارة الفائدة، وبيانات سوق العمل والنمو، والتضخم، والمخاطر الجيوسياسية في الأسابيع المقبلة، وفق جينادي غولدبرغ من "تي دي سيكيوريتيز" (TD Securities).
وقال: "ستظل الأسواق قلقة بشأن مخاطر خفض الفائدة 50 نقطة أساس في سبتمبر والتخفيضات ما بين الاجتماعات، رغم أن التوقعات تراجعت بشكل كبير لكليهما عن مستوياتها المرتفعة الأخيرة. ولا يزال تسريع وتيرة تخفيضات أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي مصدر قلق أيضاً، ونتوقع أن يخفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة 25 نقطة أساس في كل اجتماع بدءً من سبتمبر حتى تصل أسعار الفائدة إلى الحياد عند 3% بحلول أواخر 2025".