قادت الأسهم اليابانية المكاسب في آسيا، ما عوض بعض الخسائر التي تكبدتها في موجة البيع العالمية أمس الإثنين، والتي قضت على مليارات الدولارات في الأسواق من نيويورك إلى لندن. كما تقدمت العقود الآجلة للأسهم الأميركية وانخفضت عوائد سندات الخزانة.
قفز المؤشران الرئيسيان للأسهم في اليابان بنسبة 11% تقريباً، بعد انخفاضهما بما يزيد عن 12% في اليوم السابق. وارتفع مؤشر "كوسبي" في كوريا الجنوبية بأكثر من 5%، في حين ارتفعت الأسهم في هونغ كونغ، والبر الرئيسي للصين أيضا. تُظهر الإشارات الإيجابية الأولية أن المتداولين بدأوا يلتقطون أنفاسهم بعد يوم مثير سجل فيه "مقياس الخوف" في وول ستريت (VIX) مستوى قياسياً وفق البيانات التي تعود إلى عام 1990.
وقال تومو كينوشيتا، استراتيجي السوق العالمية في شركة "إنفيسكو" لإدارة الأصول في طوكيو: "مع انتعاش الأسهم اليابانية، من المرجح أن تنتعش بقية الأسواق الآسيوية معاً اليوم". وأضاف: "بما أن حجم انخفاض أسعار الأسهم اليابانية أمس كان أكبر بكثير من الانخفاض في أوروبا والولايات المتحدة، فإن المشاركين في السوق يدركون الآن أن حركة التصحيح أمس كانت مفرطة".
هاجس الركود الأميركي
كانت التكهنات بشأن الركود الذي يلوح في الأفق في الولايات المتحدة، وتراجع الهوس بالذكاء الاصطناعي، وارتفاع قيمة الين الذي أدى إلى تفكيك صفقات الشراء بالهامش، أدت إلى موجة بيع استمرت ثلاثة أيام في مختلف أسواق الأسهم العالمية. وقال إد يارديني، الخبير المخضرم في السوق، إن عمليات البيع تحمل بعض التشابه مع انهيار عام 1987، عندما تجنب الاقتصاد الأميركي الانكماش على الرغم من مخاوف المستثمرين في ذلك الوقت. ويرى المحللون في "جيه بي مورغان"، و"مورغان ستانلي" أن الأسهم ستظل تحت الضغط.
وانخفض الين بما يصل إلى 1.5% مقابل الدولار اليوم الثلاثاء، قبل أن يخفف من بعض تراجعاته. ولا تزال العملة تكتسب ما يقرب من 11% هذا الربع، وسط توقعات برفع أسعار الفائدة من قبل بنك اليابان. وتم تفعيل "القاطع الدائري" في تداولات لعقود الآجلة لمؤشر نيكاي 25 قبل افتتاح السوق، وهو آلية تُستخدم لوقف التداول مؤقتاً عندما يحدث تذبذب شديد في الأسعار، وذلك بعد أن عانت من أكبر انخفاض لها في يوم واحد من حيث قيمة الين أمس. وأدى الارتفاع المفاجئ في العقود الآجلة لمؤشري "كوسبي 200"، و"كوسداك 150" إلى تفعيل الآلية ذاتها في كوريا الجنوبية، صباح اليوم لوقف أوامر الشراء المرتبطة بالتداول عبر الخوارزميات لفترة وجيزة.
أزمة السوق اليابانية
ربما تفاقمت أزمة السوق اليابانية بسبب البيع القسري بالهامش. وارتفع مركز الشراء الهامشي لمستثمري التجزئة إلى أعلى مستوى له منذ 18 عاماً في أواخر يوليو، حتى مع تراجع مؤشر "نيكاي 225" من ذروته التاريخية. وغالباً ما يضطر المستثمرون الذين اشتروا الأسهم باستخدام الائتمان إلى إغلاق مراكزهم عندما تنخفض أسعار الأسهم أكثر من المتوقع، ما لم يكن لديهم ما يكفي من النقود الإضافية لتلبية تكاليف الضمانات.
دخلت المؤشرات اليابانية في حالة هبوط أمس بعد ارتفاع الين، والسياسة النقدية المتشددة من قبل بنك اليابان، وتدهور التوقعات الاقتصادية في الولايات المتحدة.
ارتفعت عوائد سندات الخزانة لكافة الآجال عند الافتتاح الآسيوي، مع ارتفاع العائد القياسي لأجل 10 سنوات بمقدار خمس نقاط أساس إلى 3.84%. وانخفض العائد إلى أدنى مستوى له عند 3.67% أمس قبل أن يتم دفعه للارتفاع مرة أخرى بسبب تقرير مديري المشتريات في قطاع الخدمات، الذي جاء أقوى من المتوقع.
وقال مات سيمبسون، كبير استراتيجيي السوق في شركة "سيتي إندكس" (City Index Inc): "تقرير مديري المشتريات الذي جاء أقوى من المتوقع أدى إلى إبطاء النزيف في وول ستريت، مما سمح لمؤشر نيكي بتتبع خطواته بحثاً عن العودة بعدما انخفض بنسبة 12% يوم الإثنين". وأضاف: "لذا، فإننا لا نرى خطراً على الارتفاع في حد ذاته، ولكننا نرى تصحيحاً صحياً بعد عمليات بيع غير صحية، تم تحفيزه من خلال اندفاع المستثمرين للخروج من السوق".
سوق العمل الأميركية
قالت رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو ماري دالي إن سوق العمل تتراجع، وأشارت إلى أن البنك المركزي الأميركي يجب أن يبدأ في خفض أسعار الفائدة خلال الفصول القادمة، لكنها لم تصل إلى حد استنتاج أن سوق العمل بدأ تضعف بشكل خطير.
وأضافت "دالي" أمس: "ستكون تعديلات السياسة النقدية ضرورية في الأرباع المقبلة". وتابعت: "لقد أكدنا الآن أن سوق العمل تتباطأ، ومن المهم للغاية ألا نسمح لها بالتباطؤ إلى حد يدفع إلى الانكماش".
وقال إد يارديني في مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ": "هذا يذكرنا حتى الآن بعام 1987". وأضاف: "لقد حدث انهيار في سوق الأوراق المالية -حدث كل ذلك في يوم واحد- وكان المعنى الضمني هو أننا كنا في حالة ركود أو على وشك الوقوع فيه. وهذا لم يحدث على الإطلاق. كان الأمر يتعلق في الواقع بالأمور الداخلية للسوق".
وفي أماكن أخرى في المنطقة الآسيوية، من المتوقع أن يبقي البنك المركزي الأسترالي اليوم سعر الفائدة عند 4.35% للاجتماع السادس على التوالي، كما يتوقع الاقتصاديون. وتستعد البلاد للبقاء بالقرب من دورة التيسير العالمية، حيث يظل التضخم المحلي -على الرغم من تباطؤه- مرتفعاً مما يتطلب من بنك الاحتياطي الفيدرالي الحفاظ على سعر الفائدة الرئيسي عند أعلى مستوى له منذ 12 عاماً.
وارتفع النفط من أدنى مستوى له منذ سبعة أشهر في وقت مبكر من تعاملات اليوم، حيث أدى توقف الإنتاج من أكبر حقل في ليبيا إلى إعادة تركيز الاهتمام على الشرق الأوسط.