شركات المأكولات المغلفة تواجه تحدي الانتقال من طعام يحوي مواد حافظة إلى أغذية طازجة

هل تتبنى شركات الأغذية المصنعة الطعام الصحي بديلاً؟

صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

بقلم: Deena Shanker

بعيداً عن المجاملة، لم تكن الأرباح الفصلية التي أعلنتها "بيبسيكو" (PepsiCo) قبل بضعة أسابيع، جيدة. لقد عمدت الشركة، وهي أكبر منتج للمأكولات الجاهزة المعدّة للتسويق في متاجر البقالة في الولايات المتحدة، إلى رفع أسعارها على مدى سنين، فتراجع إقبال المستهلكين على منتجاتها من مأكولات ومشروبات، ومن ذلك رقائق "ليز" و"دوريتوس" ومشروب "ماونتن ديو". 

كان الانخفاض واضحاً بشكل خاص في أميركا الشمالية، حيث تدنّت مبيعاتها من المشروبات والوجبات الخفيفة المالحة. وفيما ارتفعت قيمة المبيعات بقدر ضئيل، فإن حجم المبيعات في زمن التضخم يبقى هو الدليل الأدق على صحة الأعمال.

عزا رئيسها التنفيذي رامون لاغوارتا ذلك إلى متاعب المتسوقين الأميركيين، مشيراً إلى أنه سيعمل على استمالتهم من خلال الحسومات والإعلانات. وقال في مكالمة مناقشة النتائج في 11 يوليو: "واضح أن المستهلك يواجه تحديات أكبر، ويطالبنا بمزيد من القيمة في أنواع محددة من تقديماتنا".

لكن، ربما القيمة هذه الأيام لا تقتصر على السعر، بل تمتد إلى الجودة أيضاً. إذ يواجه نطاق واسع من قطاع صناعة المأكولات المغلفة ذات الحال من تراجع الإقبال على المأكولات الجاهزة غير الصحية.

نزعة المأكولات الصحية

عند النظر عن كثب، سنلاحظ أن هذا التراجع لا يطال كل المنتجات في متاجر البقالة. فبحسب شركة "سيركانا" (Circana) لدراسات السوق، سجلت أقسام الفاكهة والخضار الطازجة ارتفاعاً في المبيعات، وبما أن هذه المأكولات غالباً ما تكون أغلى، فإن الأمر ليس مجرد قضية أسعار.

 يُعزى بعض ذلك إلى زيادة في ميل الناس للطهي في منازلهم بدل تناول الطعام خارجها، وهو مؤشر أيضاً على رغبة الناس بتناول مأكولات صحية، وهم يدركون أن المأكولات الطازجة جزء لا يتجزأ من ذلك. ربما توقفت هذه النزعة مؤقتاً خلال فترة جائحة كورونا، حين أمضى الناس جل وقتهم عالقين في منازلهم يتناولون بسكويت "غولدفيش" (Goldfish) ومعكرونة "شيف بوياردي" (Chef Boyardee). لكنهم في غضون ذلك، تعلموا الطهي أيضاً، فيما بات بعضهم أشد اهتماماً بصحتهم.

قالت فاطمة كودي ستانفورد، اختصاصية أمراض السمنة في كلية الطب في جامعة هارفرد، إنه لا يمكن اعتبار مستخدمي عقار "أوزمبيك" (Ozempic) وأشباهه رأس حربة هذا التوجه، لكن نفور كثير منهم من المأكولات عالية الدهون والسكر، ربما أسهم بقدر ما في ذلك. 

لا ينبغي أن يكون ذلك مفاجئاً لشركات إنتاج المأكولات المغلفة. فقد توقع جيسون إنغيش من "غولدمان ساكس" ذلك قبل أكثر من عام، وأشار في تقرير إلى أنه يتوقع "تباطؤ استهلاك الفرد" للمأكولات المعالجة التي تُخزن لفترة طويلة على الرفوف.

وقد أبلغني لاحقاً في رسالة إلكترونية إنه يتوقع استمرار نزعة تناول المأكولات الصحية التي وصفها بتوجه طويل الأجل بدأ قبل الجائحة، وإن تجار التجزئة لاحظوا ذلك، فعمدوا إلى توسيع أقسام المأكولات الصحية في متاجرهم و"تقليص" المساحات المخصصة لعرض المنتجات الأخرى مثل أكياس بسكويت "غولدفيش" وعلب المعكرونة باللحم الجاهزة.

تحوّل نحو المأكولات الطازجة

أظهر تقرير صادر عن رابطة صناعة الأغذية أن 44% من متاجر البقالة زادت المساحات المخصصة للمنتجات الطازجة، وقال 19% من أصحاب المتاجر إنهم قلصوا المساحات المعدة للمواد الغذائية طويلة الأجل. يؤشر هذا التغيير في تصميم المتاجر إلى استثمار طويل الأجل سواء من حيث المساحات أو تكلفة الطاقة أو العمالة الماهرة.

قال مارك بوم، نائب الرئيس الأعلى للعلاقات البينية في رابطة صناعة الأغذية: "ما يجري ليس نزعة تستمر سنة وتنقضي". وكانت شركة "مينتل" (Mintel) المتخصصة بأبحاث السوق قالت هي الأخرى في تقرير أصدرته في يونيو: "ثمة زيادة واضحة بتفضيل المستهلكين للمأكولات الصحية والطازجة والمغذية"، وشجعت تجار التجزئة على "الاستفادة" من هذا التحول من خلال تقديم تشكيلة أوسع من المنتجات. 

هنا لا نتكلم فقط عن زبائن متاجر مثل "هول فودز" (Whole Foods) المتخصصة ببيع المأكولات الصحية. فلننظر مثلاً إلى سلسلة متاجر "فود ليون" (Food Lion) منخفضة الأسعار، التي تتركز فروعها بشكل خاص في منطقة الجنوب الأوسط والإقليم الأطلسي الأوسط، فقد بنت أجنحة مبردة للمنتجات الطازجة في كثير من متاجرها، إذ أضافت 35 جناحاً في 2015 ثمّ مزيداً منها في 2018 وما تزال مستمرة في ذلك. كما لحقت سلسلة متاجر "دولار جنرال" (Dollar General) بالركب، وأعلنت في يناير أن عدد المتاجر التي تبيع فيها الفاكهة والخضار تجاوز 5000.

إذاً، هل يتعين على عملاقة مأكولات جاهزة مثل "بيبسيكو" أن تسعى هي الأخرى للانضمام إلى فئة المأكولات الطازجة؟ تقول جمعية العلامات التجارية الاستهلاكية، وهي الرابطة الأساسية لقطاع الإنتاج الغذائي، إن الشركات المنتمية إليها تبلي بلاءً حسناً، بغض النظر عن تراجع الكميات المبيعة. قالت سارة غالو، نائب رئيسة الجمعية لشؤون السياسة الإنتاجية إن الأعضاء "يقدمون خيارات وابتكارات من أجل تلبية طلبات المستهلكين".

محاولات دخول سوق المأكولات الطازجة

إن الطعام الطازج الذي ينبغي تناوله خلال أسبوع أو اثنين نشاط مختلف كلياً عن الأطعمة المصنعة المفعمة بالمواد الحافظة، وهي مثالية لأغراض التخزين. حين يكون أمد صلاحية الأغذية في مقدمة الأولويات، يتوجب على الموردين والمصنعين وشركات التوزيع إحداث تغييرات.

كما أن شركات الأغذية المعالجة الكبرى لن تحظى بنفس المساحات المضمونة في أقسام العرض الجديدة. قال جيف كليفلاند، مستشار صناعة المواد الغذائية في بنك الاستثمار “لينكولن إنترناشيونال”: "لم نر من أي اللاعبين أصحاب العلامات التجارية للأغذية دوراً كبيراً في هذا المجال لبعض من تلك الأسباب".

كانت هنالك محاولة واحدة في هذا المجال قبل أكثر من عقد، لكن نهايتها كانت مخيبة للآمال. في 2012، استحوذت شركة "كامبل سوب" (Campbell Soup) على شركة "بولتهاوس فارمز" (Bolthouse Farms) لصناعة المأكولات الطازجة، التي اشتهرت بتسويق الجزر صغير الحجم والعصائر المبردة، في صفقة قيمتها 1.55 مليار دولار.

كان يفترض أن تمنح هذه الخطة شركة صناعة الحساء المعلّب التقليدية موطئ قدم في سوق المأكولات الطازجة المغلفة "سريعة النمو" التي تقدر قيمتها بنحو 12 مليار دولار، حسبما قالت في حينها. لكن بعد مضي سبع سنوات وتكبد خسائر بالملايين، باعت "كامبل" الشركة مقابل سعر أقل بكثير ممّا دفعت.

وصفت نشرة "فود دايف" (Food Dive) المتخصصة بأخبار قطاع المنتجات الغذائية تلك الصفقة بأنها كانت "زواجاً فاشلاً"، وقالت إن الشركة العملاقة "سرعان ما أدركت العثرات التي تعترض علامة تجارية تعتمد على المحاصيل الطازجة المرهونة بتقلبات الطبيعة". من هذه العثرات إدارة المحاصيل وتنظيم سحب المنتجات التي تتلف من السوق. اختصاراً، ما بدا بادئ الأمر كخطوة رائدة من جانب "كامبل"، تحوّل في النهاية إلى عبرة لمن يعتبر.

لكن يمكن لشركات المأكولات المغلفة أن تتبنى نهجاً أبطأ وأكثر حذراً. في الصيف الماضي باشرت "كرافت هاينز" (Kraft Heinz)، التي سجلت هي الأخرى تراجعاً في حجم المبيعات، بإضافة الأناناس والكلمنتين والتفاح والعنب الطازج إلى بعض صواني اللحوم الباردة والجبن التي تقدمها تحت ماركة "لانشابلز" (Lunchables) بالشراكة مع شركة "فريش ديل مونتي بروديوس" (Fresh Del Monte Produce).

قد لا يبدو ذلك تحولاً جذرياً، لكنه كذلك في الواقع، إذ أن مدة صلاحية الصواني الجديدة 10 أيام فقط، مقابل مدة صلاحية المنتجات العادية من "لانشابلز" التي تمتد من 90 إلى 110 أيام، أمّا سعرها فأكثر بدولار واحد أو دولارين. تبدو التجربة ناجحة، وقال المتحدث باسم الشركة إنهم يأملون بتوسيع هذه التجربة التي بدأت بعدد قليل من متاجر البقالة لتمتد إلى المستوى الوطني بحلول الخريف.

الترويج لتقاليد طهي جديدة

فيما كانت "بيبسي" تبحث عن سبل لإنعاش أعمالها، ربما كان الحل أمامها مباشرة. قبل الإعلان عن الأرباح، أرسلت لي الشركة بعض عينات منتجاتها الدولية وبينها منتج "ألفال" (Alvalle) وهو علبة حساء غازباتشو إسباني مبرد يحتوي على مكونات من "أطعمة حقيقية"، كالبندورة والفلفل الأحمر والخيار والبصل وزيت الزيتون البكر وخلّ النبيذ والملح والثوم وعصير الليمون.

كما أن هذا المنتج قليل السعرات الحرارية وغني بالألياف وطازج وليس معالجاً بإفراط. والأهم أن طعمه لذيذ جداً لدرجة أنه لو قُدّم لي في مطعم، فلن أكتشف أنه حساء جاهز. فلا عجب أن يكون أحد المديرين التنفيذيين لدى "بيبسي" في جنوب غرب أوروبا قد وصفه قبل بضع سنوات بأنه "جوهرة تاجنا". لكن هذا الحساء الموجود في بعض الدول الأوروبية، غير متوفر في الولايات المتحدة، وقال متحدث باسم الشركة: "حالياً، هو يتواجد بشكل رئيسي في أسواق تعتبر حساء غازباتشو جزءاً من مطابخها التقليدية". 

لكن لا شك أن الشركة التي جعلت دوريتوس مكوناً في أطباق العشاء، قادرة على تحويل غازباتشو وغيره من المأكولات الطازجة إلى جزء من تقليد الطهي في الولايات المتحدة، بالأخص إن كانت احتمالات النمو المستقبلية تعتمد على ذلك. 

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك