يؤشر الوافدون الجدد إلى سوق الأسهم السعودية إلى جذب المزيد من الشركات خارج قطاعات رئيسية تهيمن على المشهد العام للسوق، ما يُعدُّ نتاجاً أولياً لجهود التنويع الاقتصادي في المملكة. ومع ذلك تبقى التحديات قائمة لتغذية السوق بشركات تمثيلها حالياً محدود أو غائب عن المشهد.
الطيران والتكنولوجيا والرعاية الصحية والترفيه والسياحة والرياضة من القطاعات التي يُرجح أنها ستكون الأوفر حظاً بالسوق السعودية خلال الفترة المقبلة. ويرى محللون استطلعت "الشرق" آراءهم أن التقدم في مسار تنويع الاقتصاد سيؤدي إلى زيادة الإدراجات في قطاعات جديدة.
مسار بدأ منذ عام 2018
بدأت المملكة تطوير القطاع المالي الذي يضم سوق الأسهم في عام 2018، ويعد حالياً من بين أكبر 10 أسواق على مستوى العالم، وانضم إلى مؤشرات عالمية مثل "MSCI" و"S&P Dow Jones" و"FTSE Russell". ساهم هذا العمل في زخم طروحات خاصة على مدار السنوات الثلاث الماضية، وإن كان بوتيرة متفاوتة. واستمر هذا الزخم خلال العام الجاري أيضاً، إذ شهد النصف الأول من السنة عمليات إدراج في السوق الرئيسية فاق عددها مستويات العام الماضي بأكمله، بعدما تم طرح 8 شركات هي: "رسن" و"سماسكو" و"مياهنا" و"سليمان الفقيه الطبية" و"المطاحن الحديثة"، و"أم بي سي"، و"أفالون فارما" و"تالكو".
نوعية جديدة من الطروحات
مشهد الشركات التي طُرحت خلال هذا العام، كان مميزاً عن الأعوام الماضية، فشركة "رسن" تعتبر أول شركة تكنولوجيا مالية تعمل في قطاع التأمين يتم إدراجها في السوق المالية السعودية، كما أن "سماسكو"، التي جرى طرحها أبريل الماضي، تعمل في مجال حلول القوى العاملة وهي ممثل لقطاع جديد بالسوق. وتخطط أيضاً العديد من الشركات من خارج القطاعات الرئيسية لإجراء طروحات جديدة، على غرار "العربية للعود" و"نايس وان" لمستحضرات التجميل، فضلاً عن "جاهز" التي تخطط للانتقال إلى السوق الرئيسية. كما تبحث شركات مثل "طيران ناس" طرحاً محتملاً لأسهمها.
وتخطط المملكة لإدراج 24 شركة هذا العام في السوقين الرئيسية والموازية "نمو"، وهو ما اقترب من التحقق فعلياً قبل نهاية العام، مع إدراج 14 شركة في "نمو".
رغم زخم الإدراجات، إلا أن هناك سمة رئيسية مرتبطة بالسوق الرئيسية، وهي قلة تنوع الشركات، وفقاً للعديد من الخبراء الذين تحدثت معهم "الشرق"، والذين أجمعوا أيضاً على أن هذا الواقع يمكن أن يشكل فرصة كبيرة بالنسبة للمملكة لتعزيز فعالية سوق المال.
تستأثر قطاعات معينة خصوصاً البنوك والتأمين والبتروكيماويات، على النسبة الأكبر من إجمالي عدد الشركات المدرجة البالغ 300. وعلى سبيل المقارنة، يضم قطاع الأدوية 3 شركات فقط بينها "أفالون فارما"، في حين يضم قطاع الإعلام والترفيه 4 شركات فقط. أما قطاع التأمين فيضم نحو 27 شركة، في حين أن قطاع المصارف يضم 10 بنوك.
لم يستغرب ريان ليماند الرئيس التنفيذي لشركة "نيو فيجيون لإدارة الثروات" هذه الهيمنة، إذ اعتبر أن هذا المشهد كان سمة تاريخية لدول الخليج، نظراً لأن "أسواق الأسهم غالباً ما تعكس طبيعة الاقتصاد".
وأضاف في مقابلة مع "الشرق" أن هذا المشهد يتغير، معتبراً أن "التنويع يحصل، ولكنه بحاجة إلى وقت، وهذا أمر طبيعي جداً".
يتشارك جو يرق رئيس قسم الأسواق العالمية في "سيدرا ماركتس" مع ليماند هذا الاعتقاد، معتبراً في مقابلة مع "الشرق"، أنه "خلال السنوات الثلاث الأخيرة أصبحت هناك إدراجات لشركات بقيمة 100 مليار دولار"، مشيراً إلى أن إصدارات العام الحالي أفضل من العام الماضي، وهذا ما يعني أن السوق تستقطب أموالاً طازجة جديدة. وأكبر دليل على ذلك أن عدد المستثمرين المؤهلين في السعودية صعد من 50 مستثمراً في 2017، إلى 3700 مستثمر في 2023، وفق يرق.
لم يذهب تيم كالين الباحث الزائر في "معهد دول الخليج العربية" في واشنطن بعيداً عن هذه الفكرة، إذ أشار إلى أن السوق التي تطورت في السنوات الأخيرة، "ستعكس بقية الاقتصاد". وأضاف أن قلة التنويع تأتي بسبب أن "بعض القطاعات لم يتم تطويرها، لذا لن تُمثل حتى يتم تطويرها".
فرصة كبيرة
كالين الذي شغل سابقاً منصب المدير المساعد السابق في قسم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، اعتبر في مقابلة مع "الشرق"، أن قلة التنويع تمثل "فرصة استراتيجية لتطوير قطاعات جديدة"، مشيراً إلى أن نجاح استراتيجية التنويع سيدفع الشركات "الناضجة نسبياً" إلى سوق الأوراق المالية.
من جهته، اعتبر ليماند الذي عمل أيضاً مع إحدى الهيئات الرقابية في الخليج، أن الأسواق المالية في السعودية قادرة على أن تتجاوز الأخطاء التي اقترفتها أسواق أخرى، والقيام بتطوير أداء السوق بطريقة أفضل، معتبراً أن التقدم في مسار التنويع سيؤدي إلى زيادة الإدراجات في قطاعات جديدة.
وبشأن الشركات التي يحتمل أن يتم إدراجها مستقبلاً، توقع يرق أن تطال قطاعات الطيران والتكنولوجيا والرعاية الصحية، فضلاً عن الترفيه والسياحة.
الشركات المتوسطة والقطاعات الجديدة
تتطلع هيئة سوق المال لزيادة نسبة المنشآت الصغيرة والمتوسطة وقت الإدراج إلى 45% من إجمالي الإدراجات. تُعرف السعودية المنشآت المتوسطة بأنها شركة لديها من 50 إلى 249 موظفاً أو تحقق إيرادات من 40 إلى 200 مليون ريال سنوياً.
وفي الربع الرابع من العام الماضي، بلغ عدد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في المملكة 1.3 مليون مؤسسة، 18723 منها مؤسسات متوسطة، وفق تقرير "منشآت".
الشركات المتوسطة والصغيرة، ليست الخيار الوحيد، إذ تعمل السعودية على فتح قطاعات جديدة أمام المستثمرين. في مقدمة هذه القطاعات، الرياضة، إذ أعلنت تخصيص أكثر من 14 نادياً رياضياً أمام المستثمرين الأجانب، وهو ما يتيح الفرصة في وقت لاحق إلى إدراجها.
جذب المستثمرين الأجانب
أحد أبرز الأهداف التي ترغب السوق السعودية في تحقيقها هي جذب المستثمرين الأجانب، خصوصاً لما لهذه الخطوة من آثار على الاقتصاد.
بلغت ملكية الأجانب في السوق الرئيسية العام الماضي نحو 401 مليار ريال، بارتفاع فاقت نسبته 15%، في حين وصلت ملكيتهم من إجمالي القيمة السوقية للأسهم المتداولة إلى 12.8% نهاية العام الماضي. وتستهدف المملكة رفع هذه النسبة إلى 17%، وفق محمد الرميح، المدير التنفيذي للسوق المالية السعودية في تقرير صادر عن الهيئة.
شكل الطرح الثانوي لشركة "أرامكو السعودية" رياحاً مساعدة في عملية جذب المستثمرين الأجانب، إذ تم تخصيص نحو 60% من هذه الأسهم لهم، في حين شهدت طلبات الاكتتاب من قبلهم تغطية الطرح بالكامل، فضلاً عن مشاركة نحو 100 مستثمر جديد في الطرح، وهو ما يمكن أن تكون دلالاته أعمق من قيمة الطرح نفسه وحجم الطلب عليه.
يشرح كالين أن الطرح الثانوي لـ"أرامكو" يمكن أن يكون استنزف السيولة من السوق والاقتصاد، وهو أمر لا يزال غير واضح قبل صدور البيانات الشهرية للبنك المركزي السعودي "ساما".
وأضاف أنه من غير الواضح بعد ما إذا كان هؤلاء المستثمرون يتبعون صناديق المؤشرات العالمية، وبالتالي استثمروا في الطرح، أو أنهم معجبون بتوزيعات الأرباح التي توزعها شركة النفط العملاقة، معتبراً أنه في جميع الأحوال فإن زيادة عددهم مهم لسوق الأسهم، إذ ترفع الفرص المتاحة للاستثمارات المستقبلية في قطاعات أخرى.
من جهته، رأى ليماند أن "حجم الإدراجات، أكثر أهمية من القيمة السوقية للسوق، لأنه يعكس حجم النشاط في السوق". مضيفاً أنه كلما زاد حجم الطروحات وعددها، فإن ذلك يعكس النشاط، و"هو ما يبحث عنه المستثمرون".
تحديات تخلق فرصاً للقطاعات الجديدة
لكن مسيرة تعزيز السوق المالية ليست معبدة بالورود، بل تشوبها تحديات عدة. في مقدمة هذه التحديات ضعف السيولة.
شهدت القيمة الإجمالية للأسهم المتداولة خلال السنوات الماضية تحركات حادة، فبعدما وصلت عام 2021 إلى أعلى مستوى منذ 2013، بدأت بالانخفاض الحاد بنسبة وصلت إلى 23.61% عام 2022، و21.95% العام الماضي، وفق بيانات الهيئة التي اطلعت عليها "الشرق".
ولكن خلال الربع الأول من السنة الجارية، عادت هذه القيمة إلى الارتفاع، لتسجل أعلى مستوى منذ 2013، ثم انخفضت في الربع الثاني إلى 447.47 مليار ريال سعودي. ولا يزال هذا المستوى أعلى من المستويات المسجلة في كل ربع من العام الماضي.
تقول محللة الأسواق المالية في "الشرق" ماري سالم، إن ضعف السيولة يؤدي إلى تغيير استراتيجية المستثمرين، ليتوجهوا بعيداً عن أسهم شركات القيمة مثل "الراجحي" أو "أرامكو"، إلى أسهم شركات النمو والاكتتابات التي تتميز بوجود فرص استثمارية أكبر، وعائدات أعلى.
وشددت على أن هذا التحدي يمثل فرصة بحد ذاته أمام الشركات الجديدة.
بالإضافة إلى السيولة، رأى ليماند أن هناك ضرورة لتسهيل عمليات دخول المستثمر الأجنبي وشراء الأسهم، ما من شأنه أن يسمح للسوق السعودية بالتواجد في العديد من المؤشرات العالمية، ويلزم مديري المحافظ بوضع أسواق المملكة ضمن محافظهم. كما رأى أن تطوير قطاع صناديق الاستثمار الجماعي والمحافظ سيساهم في أن تصبح السوق مؤسساتية أكثر، وهو ما يشجع اللاعبين العالميين للقدوم والتواجد في السوق.
"تحديد الفرص المتاحة وما الذي سينجح من الإصلاحات خلال السنوات المقبلة" من أبرز التحديات التي رآها كالين، معتبراً أن "القطاعات الجديدة قد تكون مثيرة للاهتمام، ولكن لا تزال هناك أسئلة حول مستقبل هذه القطاعات".
يؤكد كالين أن المملكة تغلبت على العديد من التحديات التي واجهت المستثمرين الأجانب، ولكنه أعرب عن اعتقاده بأن "الخطط المتعلقة باستراتيجية التنويع، وكيفية تمويلها، يمكن جعلها أكثر وضوحاً وشفافية".
ولم يرد متحدث من هيئة سوق المال السعودية على أسئلة "الشرق" بشأن كيفية تعاملها مع هذه التحديات.
خطوات التطوير
اتخذت المملكة على مدار السنوات الماضية العديد من المبادرات لتعزيز مكانة السوق. ويتوقع تيموكين إنجين، الذي يشغل منصب مدير عام في "إس آند بي غلوبال رايتينغ"، أن تواصل المملكة هذه العملية عبر القيام بمبادرات إضافية.
هذه المبادرات شملت السماح للمستثمرين الأجانب غير المقيمين بالاستثمار مباشرة في الأدوات المالية المدرجة وغير المدرجة، كما بدأت "فوتسي راسل" في تضمين إصدارات الصكوك السيادية السعودية بالعملة المحلية، في مؤشرها للسندات الحكومية للأسواق الناشئة "إي إم جي بي آي".
وألغت هيئة السوق المالية في مايو 2023، حصتها من عمولات تداول الصكوك والسندات في "تداول"، لتشجيع أدوات الدين في السوق الثانوية. كما "شهدنا استثمارات مرئية في البنية التحتية للسوق على مدى السنوات الماضية"، وفق إنجين.
وفرضت هيئة سوق المال غرامات كبيرة على العديد من المستثمرين خلال الفترة الماضية، في إطار تحسين "البيئة الاستثمارية الجاذبة لجميع فئات المستثمرين"، وفق بيان صادر عن اللجنة آنذاك.
بالإضافة إلى ذلك، تخطط شركة "تداول" المشغلة للبورصة السعودية، لتعديل قواعد إدراج أدوات الدين، لتحفيز الإصدارات.
دور صندوق الاستثمارات
دور صندوق الاستثمارات العامة يعتبر من الأمور التي يمكن أن تعطي دفعة للسوق، خصوصاً الاتفاقية الأخيرة الموقعة مع "بلاك روك".
وصف كالين هذه الاتفاقية بأنها "جيدة للسوق السعودية"، نظراً إلى أن "بلاك روك" شركة مشهورة عالمياً، وبالتالي فإن مشاركتها في السوق السعودية "تجلب الخبرة والمصداقية".
من جهته، اعتبر يرق أن هذه الخطوة تستهدف "جذب زبدة مديري الأصول إلى المملكة"، مشدداً على أن سوق المملكة ستكون جاذبة للطروحات على المديين القصير والمتوسط، لافتاً إلى أن قرار المملكة بشأن إنشاء مقار إقليمية للشركات الأجنبية في المملكة، سيساعد أيضاً.
الصندوق عمل أيضاً على إدراج الدفعة الأولى من صناديق المؤشرات المتداولة في السوق السعودي في بورصتي شنزن، وشنغهاي الصينيتين. تهدف هذه الصناديق إلى تعزيز تدفق رأس المال والترابط بين الأسواق الدولية والسوق المالية السعودية.
وفي نوفمبر الماضي، تم إدراج أول صندوق للمؤشرات المتداولة يستهدف السوق المالية السعودية في شرق آسيا في بورصة هونغ كونغ، باستثمار أولي قيمته مليار دولار، ساهم الصندوق بنصفه.
شركات الصندوق
بالإضافة إلى ذلك، فإن صندوق الاستثمارات يقوم بدعم شركات، وتأسيس أخرى خصوصاً في قطاعات جديدة، بهدف تعزيز مساهمة هذه القطاعات في الناتج المحلي غير النفطي.
وعن إمكانية طرح شركات تابعة لصندوق الاستثمارات، أشار كالين إلى أن الصندوق السيادي يملك أصولاً يمكنه بيعها، ولكنه توقع أن يستغرق الأمر بعض الوقت لإجراء عملية بيع كبيرة أخرى، بعد الطرح الثانوي لشركة "أرامكو".
وبشأن الشركات الجديدة، لفت إلى أنه يجب أن "تكون ناضجة بما فيه الكفاية مع نماذج أعمال مقنعة"، قبل طرحها، مشيراً إلى أن المستثمرين سيرغبون بمعرفة قدرتهم على تحقيق العائد على استثماراتهم، مضيفاً: "لا أعتقد أن هناك معلومات كافية متاحة عن أي شركات غير مدرجة تابعة للصندوق، لمعرفة متى يمكن طرحها".
معدلات العوائد
تماماً كما أن قلة التنويع سمة رئيسية في السوق المالية السعودية، فإن معدلات العوائد المرتفعة أيضاً إحدى هذه السمات، ما يجعلها أكثر إغراءً للمستثمرين محلياً وخارجياً.
وخلال العام الجاري، بلغت طلبات المستثمرين على اكتتابات 4 شركات 176 مليار دولار. الارتفاع في حجم الطلبات يعود بشكل رئيسي إلى أداء الشركات السعودية الكبرى التي يتم طرح أسهمها. فوفق بيانات "بلومبرغ"، ارتفعت أسهم 17 شركة من أصل 61 تم طرحها في العامين الماضيين، فوق 30% وهو الحد الأقصى المسموح به في اليوم الأول من التداول، كما أن أكثر من نصف هذه الشركات أنهت جلسة التداول الأولى فوق سعر العرض، بمتوسط عائد إجمالي بلغ 32%.
هذه الأرقام تتجاوز بكثير متوسط عائدات الاكتتابات العامة في أوروبا في الفترة ذاتها، والتي بلغت 5.2%.