ادعاءات البنك المركزي الأوروبي بشأن الوحدة مضللة

كريستين لاغارد، رئيس البنك المركزي الأوروبي - المصدر: بلومبرغ
كريستين لاغارد، رئيس البنك المركزي الأوروبي - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

في وقت سابق من هذا الشهر، أعلن البنك المركزي الأوروبي أنه سيشتري المزيد من السندات لوقف ارتفاع تكاليف الاقتراض. كان البنك قلقاً من أن اقتصاد منطقة اليورو في وضع سيئ لدرجة أنه لا يستطيع تحمل دفع عائدات السندات الأوروبية التي ارتفعت أعلى من نظيراتها في الولايات المتحدة.

في 22 مارس، اليوم الذي يمثل الذكرى السنوية الأولى لبرنامج مشتريات الطوارئ الوبائية والذي توسع إلى 1.85 تريليون يورو (2.2 تريليون دولار)، ذكرت مدونة منسوبة إلى رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد أن البنك سيزيد "بشكل كبير" من شراء السندات لوقف التشدد غير المبرر في الظروف المالية. وقالت لاغارد إن مجلس الإدارة أجمع بشكل كامل على هذه الخطوة.

كما هو الحال مع العديد من ادعاءات البنك المركزي الأوروبي، فإن هذا ادعاء مضلل بشكل محزن. ففي الواقع، هناك ضغط متزايد داخل البنك المركزي الأوروبي لتقليص مشترياته من السندات. ومن المرجح أن ترتفع عوائد السندات الأوروبية، في وقت أقرب وأسرع مما يرغب البنك المركزي الأوروبي.

كانت تعليقات لاغارد صحيحة، لأن مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي في الواقع يعتقد أن عليه القيام بأمر ما، أو ربما بشكل أكثر دقة، يجب أن يُرى على أنه يفعل شيئاً ما. حتى الأعضاء الأكثر تشدداً، من الدول الدائنة في الكتلة الشمالية، وافقوا على هذا الأمر. وسواء كان ذلك بسبب ارتفاع العائدات أو بسبب الإدارة السياسية الخرقاء في أوروبا للوباء، فإنها نقطة خلاف. لكن هنا توقف الاتفاق.

ضرر الفائدة السلبية

لا يوجد اتفاق بين أعضاء مجلس البنك المركزي الأوروبي بشأن عدد السندات التي سيشتريها البنك المركزي الأوروبي، ولا إلى متى سيستمر في الشراء. لقد سئمت الدول الدائنة بشكل متزايد من إنقاذ جيرانها الأكثر إسرافاً من خلال معدلات فائدة منخفضة بشدة وكذلك من نظام مدفوعات أوروبي معروف باسم "تارغيت2". جدير بالذكر أن معدل الفائدة على الودائع في منطقة اليورو سلبي (ناقص 0.5%). كما أن العائد على السندات الألمانية لأجل سنتين ولأجل 10 سنوات سلبي أيضاً وهو ناقص 0.7% وناقص 0.28% على التوالي.

تعد ألمانيا مثالاً لمن يعاني الضرر الناجم عن المعدلات السلبية للفائدة؛ إذ لديها نسبة شيخوخة سكانية متصاعدة. ولكي نكون صريحين، لا يمكنهم تحمُّل تكاليف التقاعد. ولهذا وكما يشير الاقتصادي المستقل أندرو هانت، فإن أسعار الفائدة المنخفضة تؤدي إلى زيادة المدخرات. وبافتراض أن كل الأمور متساوية، فإن المزيد من المدخرات تعني إنفاقاً واستثماراً أقل ونمواً اقتصادياً أقل. وفي غياب انتعاش النمو الذي يقوده الطلب الخارجي، فإن هناك علاقة إيجابية بين نمو البلد ومستوى المعدلات الحقيقية: فمع انخفاض المعدلات، ينخفض ​​النمو والعكس صحيح.

كان الضرر الذي لحق بمدخرات ألمانيا شديداً. وكانت نسبة الأصول ذات العوائد السلبية في ميزانيات البنوك الألمانية ترتفع بلا رحمة. وفي أسوأ الأحوال، فإن أكثر من ثلث هذه الأصول تدر أقل من لا شيء، بحسب هانت. وقد أُجبرت الأسر على تحمل المزيد من المخاطر لتحقيق العوائد. لكن للأسف، لم ترق مساعيهم للنجاح. ويحسب هانت أنه منذ 2005 فقدت الاستثمارات الخارجية للمستثمرين في البلاد أكثر من تريليون يورو.

ورغم أن المدخرين الألمان والمؤسسات المالية في حاجة ماسة إلى تحقيق عوائد أعلى، إلا أن البنك المركزي الأوروبي كان أكثر اهتماماً بربط منطقة اليورو معاً، من خلال إبقاء تكاليف الاقتراض في البلدان المدينة منخفضة قدر الإمكان. وهنا يأتي دور نظام "تارغيت2" الذي تستخدمه البنوك المركزية والبنوك التجارية في الاتحاد الأوروبي لمعالجة مدفوعات اليورو عبر الحدود.

الانكشافات على نظام "تارغيت2"

يصف البنك المركزي الأوروبي "تارغيت2" بأنه مجرد نظام تسوية. وهذا ليس صحيحاً. ففي التسوية العادية، يتم تصفية كلا الجانبين، ولا ينبغي أن يوجد انكشاف متبقٍ على أي منهما. وهذا لا ينطبق على "تارغيت2"، ولهذا السبب يستمر مستوى الانكشاف عليه في الارتفاع. وفي المقابل، فإن "فيدواير" (Fedwire)، نظام التسوية المصرفية الأمريكية، يظهر مستقراً كل يوم.

يُعد "تارغيت2" في الواقع وسيلة لإجبار البلدان الدائنة في منطقة اليورو على الإقراض بأسعار غير اقتصادية للبلدان المدينة عبر بنوكها المركزية. وهذا يعد نقلاً للثروة. ويمكن استخلاص فكرة عن حجم هذا النقل من الأرصدة الصافية الواردة في "تارغيت 2" في آخر إحصاء؛ حيث تدين البلدان المقترضة للدائنين حوالي 1.3 تريليون يورو، وهو مبلغ نما بسرعة خلال الوباء حيث اشترى البنك المركزي الأوروبي المزيد من السندات. وفي الحقيقة، من المحتمل أن تكون الانكشافات أعلى بكثير، لأن هذه الأرقام لا تخبرنا، على سبيل المثال، من يدين بماذا ولمن. ولن يفصح البنك المركزي الأوروبي عن هذه الأرقام. ومن الجدير بالذكر أن إجمالي الانكشافات في "تارغيت2" قد نما بمقدار نصف تريليون يورو في الأشهر الـ12 الماضية.

هناك أيضاً أمثلة أكثر وضوحاً على تحوّل الثروة من الدائنين إلى المدينين. إذ ينبغي للبنك المركزي الأوروبي شراء السندات بما يتناسب مع رأس المال المدفوع للبلدان في البنك المركزي الأوروبي، ما يقلل التحويلات المالية. ولكن في الواقع، يتم شراء السندات بما يتناسب فقط مع الناتج المحلي الإجمالي للبلد. ولا ينبغي أن نندهش من تراجع هذه التقييدات مؤخراً. ويقول البنك المركزي الأوروبي إن مثل هذه النسب ستستمر مع مرور الوقت. فلا عجب من أن الدول الدائنة متحمسة بشدة.

يعيدنا هذا إلى آخر إعلان عن شراء سندات البنك المركزي الأوروبي. فكما ذكرتُ أعلاه، يحتاج شمال أوروبا إلى معدلات فائدة أعلى لا أقل. وقد أصبح السياسيون في المنطقة أكثر وعياً بهذا الأمر وأكثر صراحةً. ورغم أداء المنطقة المؤسف في طرح لقاحات كوفيد، فإنها ستتعافى. ومع تعافيها وارتفاع التضخم، سيزداد الضغط الذي تمارسه الدول الدائنة على البنك المركزي الأوروبي لتقليص شرائه الكبير للسندات بشكل حاد. وفي نفس الاتجاه ستسير العائدات.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة