ارتبكت حركة الأسهم في السوق الأمريكية يوم الجمعة، فلقد تراجعت أسهم كل من شركتي الترفيه الأمريكيتين الكبيرتين، "فياكوم سي بي اس" (ViacomCBS Inc) و"ديسكفري" (Discovery Inc) بنسبة 27%، في أكبر انخفاض لهما على الإطلاق، وهو ما تسبب بمحو 35 مليار دولار من قيمة الشركتين الرائدتين. كما تأثرت أيضاً الشركات الصينية التقنية العملاقة المدرجة في الولايات المتحدة، ومنها "بايدو"، ومجموعة "تينسنت ميوزيك إنترتينمنت"، فيما شهدت الأسهم الأصغر تحركات عنيفة، حيث خسرت أسهم شركة التعليم الصينية عبر الإنترنت "جي إس إكس" 42%.
وعلى وقع هذه التراجعات الحادة، اجتاحت الشائعات الجامحة السوق، فيما جاهد المتداولون لمعرفة ما كان يجري. فهل تمت تصفية صندوق كبير بعد وقوعه في ورطة؟ أم هل كانت هذه بداية تصحيح أوسع في السوق؟ إليكم ما نعرفه عما حدث:
ما الذي تسبب في السقوط؟
تقول تقارير إن بنوكاً استثمارية، ومنها "غولدمان ساكس" و"مورغان ستانلي"، باعت سلسلة ضخمة من الأسهم فيما يعرف باسم "الصفقات الضخمة"، وهي شائعة نسبياً في الأسواق. وعادة، يتم التفاوض على هذا النوع من الصفقات بشكل خاص ويتم التعامل عليها عند إغلاق الأسواق.
ولكن الأمر غير الطبيعي الذي حدث يوم الجمعة يتمثل في حجم هذه الصفقات؛ إذ تجاوزت قيمة بعضها مليار دولار، وفقاً لحسابات بلومبرغ؛ والمثير أنها جاءت أثناء ساعات التداول العادية.
لماذا قلق المتداولون بشدة؟
تثير الصفقات الضخمة، وخاصة تلك التي تُقدّر قيمة الأسهم بأقل من سعر التداول الجاري مثلما حدث مع البعض يوم الجمعة، قلق المستثمرين دائماً، خصوصاً عندما لا يكون البائع واضحاً. وببساطة، يعني الخوف أن هناك شخصا آخر ما في مكان ما يعرف أمراً سيئاً أنت لا تعرفه.
ولهذا السبب أيضاً تراجعت الأسهم من أقران "بايدو" مثل مجموعة "علي بابا" الصينية العملاقة، بشكل حاد في الفترة الصباحية الجنونية؛ حيث حاول المتداولون الخروج من كل الأمور الجارية. وتعافت "علي بابا" في وقت لاحق بعد إدراك "وول ستريت" أن الفوضى كانت مدفوعة بمبيعات محددة وليس بمبيعات على مستوى القطاع.
من وراء الصفقات؟
كانت بلومبرغ قد نشرت أن "آركيغوس كابيتال مانيجمنت" (Archegos Capital Management)، وهي المكتب العائلي للمتداول "بيل هوانغ"، كانت وراء هذا البيع غير المسبوق.
لدى "هوانغ" مسيرة طويلة ومثيرة للجدل. فبعد حصوله على دعم من الأسطوري جوليان روبرتسون، أحد رعايا صندوق التحوط "تايغر مانيجمينت" (Tiger Management)، ارتقى هوانغ، الملقّب بـ"شبل النمر"، بنفسه وبنى صندوقه، "تايغر آسيا مانيجمنت"، جزئياً بأموال من رئيسه السابق في نيويورك. حقق صندوق "هوانغ" التحوطي، الذي يركز على آسيا بتكلفة تبلغ عدة مليارات من الدولارات، عوائد ممتازة قبل أن يقر "هوانغ" في عام 2012 بأنه مذنب بعمليات تداول داخلية على بعض أسهم البنوك الصينية، وليوافق بعدها على تسويات جنائية ومدنية بلغت أكثر من 60 مليون دولار، تبعها إغلاق الصندوق.
لكن هذا لا يعني أنه توقف عن الاستثمار. فبدلاً من ذلك، ركز "هوانغ" على إدارة أمواله الخاصة من شركة العائلة، "آركيغوس"، والتي نمت لتصبح أكبر حجماً من عدد من صناديق التحوط المعروفة. وفي العادة، لا تمتلك مثل هذه المؤسسات التي تدير أموال العائلات الثرية مستثمرين خارجيين، مما يعني أنها تملك الحرية لتحمل مخاطر أكبر، وغالباً لا تخضع لتدقيق كبير من قبل الجهات التنظيمية.
وفي هذه الحالة، نشرت بلومبرغ أن "آركيغوس" استخدمت عقود المشتقات من خلال الوسطاء، والمعروفة بعقود المقايضة، لكي تحصل على رافعة مالية إضافية كبيرة. وهذا يعني أن الشركة لم تكن مضطرة للإفصاح عن ممتلكاتها في الإفصاحات التنظيمية، لأن حيازتها للأسهم تظهر في قوائم المركز المالي للبنوك.
ما الخطأ الذي حدث لهوانغ؟
أُجبر "هوانغ" من قبل بنوكه على بيع ما قيمته أكثر من 20 مليار دولار من الأسهم بعد أن جاء أداء بعض مراكزه المالية ضد توقعاته، حسبما أفادت مصادر مطلعة بشكل مباشر على التداولات لبلومبرغ، طالبة عدم الكشف عن هويتها لسرية المعلومات.
وعندما فشلت الرهانات، طالب السماسرة الرئيسيون "هوانغ" بتقديم المزيد من الضمانات، قبل ممارسة حقهم في تصفية مراكزه المالية لاسترداد أموالهم. وضم السماسرة الرئيسيون البنوك الاستثمارية التي تقرض صناديق التحوط والمكاتب العائلية الأوراق المالية والمبالغ النقدية، وتقوم بالتداولات بالنيابة عنهم أيضاً. ومع بدء تصفية المراكز المالية من قبل البنوك، انطلقت سريعاً موجة بيع من قبل آخرين من أجل تجنب الخسائر في الأسهم التي قد تشهد قيمتها المزيد من الانخفاض.
ولم يصدر أي تعليق علني عن هوانغ أو "غولدمان" أو "مورغان ستانلي".
ما هي الأسهم التي تأثرت؟
تحملت تسعة أسهم العبء الأكبر من البيع وهي؛ شركتا الترفيه الأمريكية "فياكوم سي بي إس"، و"ديسكفري"؛ وشركات الإنترنت والترفيه الصينية "تينسينت ميوزيك"، و"بايدو"، و"جي اس اكس"، و"آي كيواي إنك"، و"فيب شوب هولدينغز" وشركة التجارة الإلكترونية البريطانية، "فارفيتش ليميتيد".
وكانت بعض تلك الأسهم تحت ضغط قبل هذه الصفقات الضخمة، فلقد صمدت شركة "جي اس اكس"، المتخصصة في التعليم بعد الدوام الدراسي، أمام عمليات بيع على المكشوف من قبل بائعين زعموا أن أغلب المستخدمين لم يكونوا أشخاصاً بل برامج تداول آلية. وتراجعت أسهم الشركة في أكتوبر جراء تخفيض تصنيفها من قبل مجموعة "كريدي سويس"، بسبب مواجهتها للمنافسة المتزايدة، بحسب وصف شركة الوساطة المالية.
كما خفض بنك "ويلز فارغو" تقييم كل من "فياكوم سي بي اس" و"ديسكفري" يوم الجمعة، حيث أصبحت وول ستريت أكثر حذراً بشأن قدرتهما على التوسع في سوق البث التلفزيوني الصعب.
ماذا يحدث الآن؟
يمر المتداولون في جميع أنحاء العالم بحالة تأهب قصوى، حيث ينتظرون معرفة ما إذا كان سيتم المزيد من الصفقات الضخمة وما إذا كان البيع الصادم من قبل مكتب عائلة "هوانغ" سيكون له تداعيات على النظام المالي الأوسع. وتجاهلت الأسهم في آسيا المتاعب التي واجهتها الشركة، لترتفع بدلاً من ذلك، على خلفية إغلاق وول ستريت القياسي. كما يجري التساؤل حول سبب إقراض العديد من البنوك الكبرى الكثير من المال لمكتب العائلة، والذي يملك مؤسسه ماضياً متقلباً.
وحذّرت المجموعة المالية اليابانية "نومورا هولدينغز" يوم الإثنين من خسارة محتملة "كبيرة" لعميل أمريكي لم تذكر اسمه، قيل حينها إنه "آركيغوس". وفيما رفضت المجموعة الإدلاء بمزيد من التعليق، قالت مجموعة "كريدي سويس" أيضاً إنها قد تواجه خسائر بعد تخلف صندوق تحوط، مقره الولايات المتحدة، عن تسديد طلبات الهامش.
وهناك أيضاً تساؤلات حول ما إذا كانت ستتعرض صناديق التحوط الأخرى مستقبلاً إلى المزيد من المؤرقات. وهناك العديد منها منكشفة على سلة الأسهم نفسها التي انكشف عليها مكتب عائلة "هوانغ". وفيما يشق الاقتصاد الأمريكي طريقه نحو الانتعاش، بدأ بعض رؤوس الأموال المضاربة الخروج من المراكز التي استثمرتها في الأسهم الصينية.
إلا أن بعض المحللين يرون فرصة للربح، ففي رسالة إلى العملاء، أشارت "سيتي غروب" إلى أن الاختلال غير المتوقع يعني فرصة شراء أسهم أمثال "بايدو"، و"تينسينت ميوزيك"، وفيب شوب".