وصلت مؤشرات الأسهم في وول ستريت إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، بعدما أدت الرهانات على أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيبدأ قريباً في خفض أسعار الفائدة، إلى زيادة الاندفاع نحو المناطق الأكثر مخاطرة في السوق.
قامت وول ستريت بتوسيع نمط تداول الأموال إلى الأسهم الصغيرة وخارج الشركات الكبرى "الأكثر أماناً"، وذلك منذ بيانات التضخم الضعيفة التي صدرت الأسبوع الماضي.
على مدى الجلسات الأربع الماضية، تغلب مؤشر "راسل 2000" للشركات الصغيرة على مؤشر "ناسداك 100" بنحو 12 نقطة مئوية، وهو أمر لم يسبق أن حصل منذ 2011.
تجاوزت نسخة متساوية الوزن من مؤشر "إس آند بي 500"، حيث تحمل أمثال شركة "إنفيديا" نفس ثقل شركة "دولار تري" (Dollar Tree)، مؤشر الأسهم الأميركية. هذه النسخة أقل حساسية للمكاسب التي تحققها الشركات الكبرى، مما يوفر لمحة عن الأمل في أن نطاق الارتفاع سيتسع.
قال أندرو برينر من "نات أليانس سيكيوريتيز" (NatAlliance Securities)، إن "العنوان العريض للعبة الآن هو التناوب"، مضيفاً أن هذا "يتوافق مع التصور المتزايد لمعدلات تخفيض أسعار الفائدة".
سلط برينر الضوء على حقيقة أنه في حوالي الساعة الرابعة صباحاً بتوقيت نيويورك، ارتفعت العقود الآجلة لـ"راسل 2000" بينما تراجعت العقود في مؤشر "ناسداك 100"، وهو ما "يعني حدوث تداولات تناوبية كبيرة جداً بين ليلة وضحاها، من قبل كبار المستثمرين وأصحاب الأموال من خارج الولايات المتحدة".
أسباب ارتفاع أسهم الشركات الصغيرة
بالنسبة لسوليتا مارسيلي، من "يو بي إس غلوبال ويلث مانجمنت" (UBS Global Wealth Management)، فإن تمكن الاحتياطي الفيدرالي من خفض أسعار الفائدة بشكل كبير في سياق الهبوط الناعم، يعني أنه ستكون هناك احتمالات أفضل لإعادة تسريع نمو أرباح القطاعات ذات الجودة المنخفضة، والدورية، في السوق.
أما خوسيه توريس من شركة "إنترأكتيف بروكرز" (Interactive Brokers) فأشار إلى سبب محتمل آخر للارتفاع في الشركات الأصغر حجماً، معتبراً أنها "تميل إلى أن تكون موجهة محلياً"، ويُنظر إليها على أنها ستستفيد "بشكل غير متناسب" إذا فاز دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية الأميركية.
ارتفع مؤشر "إس آند بي 500" إلى حوالي 5667 نقطة، مسجلاً رقمه القياسي الثامن والثلاثين هذا العام. وارتفع مؤشر "داو جونز" الصناعي بنسبة 2% تقريباً. كما صعد مؤشر "راسل 2000" بنسبة 3.5%، مسجلاً أكبر ارتفاع له لمدة خمسة أيام منذ أبريل 2020. ولم يتغير مؤشر "ناسداك 100" إلا قليلاً، في حين انخفضت عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات سبع نقاط أساس إلى 4.16%، أما الذهب فسجل مستوى قياسياً.
قيم المتداولون أيضاً أرباح كبرى المصارف التي صدرت. إذ ارتفعت أسهم "بنك أوف أميركا كورب" بعد أن قال إن صافي دخل الفائدة سيرتفع بحلول نهاية العام، في حين انخفضت أسهم بنك "مورغان ستانلي"، بعدما جاءت نتائج أعمال إدارة الثروات أقل من التقديرات. وحذرت شركة "تشارلز شواب" من أنها ستضطر إلى تقليص حجمها من أجل حماية أرباحها.
18 تريليون دولار
يتجه مؤشر "إس آند بي 500" نحو أطول سلسلة ارتفاعات له من دون انخفاض بنسبة 2%، وذلك منذ بداية الأزمة المالية العالمية في عام 2007. وقد أضاف الاتجاه الصعودي الحالي للمؤشر 18 تريليون دولار من القيمة السوقية، منذ أن وصل إلى أدنى مستوياته في أكتوبر 2022.
ارتكزت قوة سوق الأسهم على التفاؤل بأن الاقتصاد قد صمد أمام إجراءات بنك الاحتياطي الفيدرالي التشديدية. وفي هذا الصدد، كان تقرير مبيعات التجزئة الأفضل من المتوقع يوم الثلاثاء، بمثابة تطور "صحي"، وفق بريت كينويل من "إي تورو" (eToro). وأشار إلى أنه من الأفضل أن نرى بنك الاحتياطي الفيدرالي يخفض أسعار الفائدة بسبب انخفاض التضخم، بدلاً من رؤيته يندفع لدعم اقتصاد ضعيف.
وفي حين أن اتساع نطاق ارتفاع الأسهم الأميركية يعتبر علامة إيجابية، إلا أن ارتفاع الأسهم الصغيرة في مثل هذه الفترة القصيرة يظهر علامات على الإنهاك. في خمسة أيام فقط، قفز مؤشر "راسل 2000" بنسبة تزيد عن 10%، ليصل إلى أعلى مستويات التشبع الشرائي منذ ديسمبر.
ضرورة توخي الحذر
يقول مات مالي من شركة "ميلر تاباك" (Miller Tabak) إن المؤشر وصل إلى نوع من حالة ذروة الشراء التي أعقبتها انخفاضات على مدى العامين الماضيين. وأضاف: "وبالتالي، قد تكون هذه إشارة إلى أن قطاع الأسهم الصغيرة من المقرر أن يحصل على نوع من الراحة على المدى القصير". متابعاً: "على أقل تقدير، يجب على المستثمرين توخي الحذر بشأن مطاردة هذه الأسهم على المدى القريب".
وفي مثل هذه الحالة، سيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كان هناك انعكاس لحركة "التناوب" وفق مالي الذي اعتبر أن أسهم شركات التكنولوجيا تخرج من حالة التشبع الشرائي الخاصة بها، لذلك ليس هناك ما يضمن أنها ستتقدم، مع التراجع في أسهم الشركات الصغيرة.
بالنسبة إلى السيناريو النهائي، فأشار إلى أنه إذا انخفضت أسهم شركات التكنولوجيا والشركات الصغيرة في نفس الوقت، فقد يتسبب ذلك في "بعض المشاكل للسوق بشكل عام".
استعداد لجني الأرباح
تعتبر الحركة على مؤشر "راسل 2000" صعودية، ولكن يجب على المستثمرين أن يكونوا مستعدين لجني الأرباح والتعزيز المحتمل في الجلسات المقبلة، وفق دان وانتروبسكي من "جاني مونتغمري سكوت" (Janney Montgomery Scott).
وأشار إلى أن "الرسم البياني الشهري طويل المدى لمؤشر راسل يظهر صورة أفضل لإمكانياته"، معرباً عن اعتقاده بأن المؤشر يمكن أن يتداول مرة أخرى نحو أعلى مستوياته على الإطلاق، حيث يسلط الارتداد المتوسط في القوة النسبية الضوء على المزيد من النطاق الترددي للقطاع، مقابل أسهم شركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي التي كانت قيادية هذه السنة.
وانتروبسكي لفت إلى تحسن النطاق والمشاركة في السوق الأوسع منذ صدور مؤشر أسعار المستهلك الأسبوع الماضي، مع اقتراب خط الصعود/الهبوط التراكمي في بورصة نيويورك الآن من تحقيق مستويات عالية جديدة.
وتابع أن "المعركة بين الأسواق الأوسع والأسهم التي قادت هذه السنة، من المقرر أن تستمر على المدى القصير من وجهة نظرنا، حيث تظهر تباينات القوة النسبية بين هذه المجموعات إمكانية حدوث المزيد من التناوب في المستقبل". وأضاف أنه "لا يمكن تأكيد هذا التناوب كمسار سائد أو كاستثمار طويل الأجل في الوقت الحالي. لذلك نواصل التعامل معه حالياً باعتباره فرصة تداول (أي حركة ارتداد)".
تناوب مستدام؟
يقول كريغ جونسون، من "بايبر ساندلر" (Piper Sandler)، إنه من السابق لأوانه تحديد ما إذا كان من الممكن الحفاظ على التناوب المستدام. هناك حاجة إلى مزيد من الوقت والأدلة الفنية لتأكيد توسيع المشاركة المستدامة التي يمكن أن ترفع السوق إلى أعلى.
أما روبرت تيتر من شركة "سيلفر كرست أسيت مانجمنت" (Silvercrest Asset Management) فيقول إن "التوسع الحالي (والذي طال انتظاره) لمكاسب الأسهم أمر مرحب به، لكن التقييمات المرتفعة ستحد من المزيد من الارتفاع في السوق إلى أرقام فردية منخفضة بشكل عام للفترة المتبقية من العام".
كان الأداء النسبي لمؤشر "ناسداك" مقابل مؤشر "راسل 2000" في رحلة جامحة منذ عام 2020، حيث تفوق كل منهما على الآخر بأكثر من 40 نقطة مئوية خلال فترات مختلفة من الاحتفاظ على مدى سنة، منذ أزمة كورونا، وفق نيكولاس كولاس من "داتا تريك ريسرتش" (DataTrek Research). وقال إن الأداء المتفوق الدراماتيكي لأسهم الشركات الصغيرة لم يحدث إلا بعد انهيار أسهم التكنولوجيا، أو عندما أنشأ مستثمرو التجزئة فقاعة الشركات الصغيرة.
وتابع: "نعتقد أنه خلال العام المقبل، سيتفوق مؤشر ناسداك على مؤشر راسل بمتوسطه للفترة 2003-2019 البالغ نقطتين".
أما في ما يتعلق بما إذا كان أداء مؤشر "إس آند بي 500" سيتفوق على مؤشر "راسل 2000" خلال بقية السنة، فاعتبر كولاس أن "أداء كل منهما الآن سيكون جيداً على قدم المساواة، ولكن ليس في نفس الوقت بسبب انخفاض ارتباطهما".
وأضاف أنه "في الوقت الحالي، تتمتع الشركات الصغيرة بزخم أفضل لأن مديري الأموال لا يستطيعون البقاء على توصيات البيع كما تم دفعهم للقيام بذلك خلال الأشهر الـ18 الماضية"، متابعاً: "بمجرد الانتهاء من إعداد التوصيات، ينبغي أن يكون مؤشر إس آند بي قادراً على اللحاق بالركب".