مع تسجيل أسعار النحاس ارتفاعات قياسية قبل أن تتهاوى مجدداً، برز سؤال جوهري في قطاع المعادن لعدة شهور، وهو ما الذي يعتزم مشغل شبكة الكهرباء الحكومية في الصين فعله؟
خفضت شركة الكهرباء "ستيت غريد كورب أوف تشاينا" (State Grid Corp of China)، وهي أكبر مشترٍ للنحاس في العالم، مشترياتها من أسلاك النحاس هذا العام، بينما رفعت مشترياتها من أسلاك الألمنيوم، وهو بديل أرخص. وبالرغم من أن هذه الخطوة تعد استجابة طبيعية لارتفاع أسعار النحاس، إلا أنها أثارت جدلاً حول ما إذا كان هناك شئ أكبر يحدث، وهل أحد أهم المشترين وأقلهم شفافية في صناعة المعادن بصدد تغيير سياسته بشكل قد يؤثر على السوق العالمية.
سوف يؤثر الاستبدال واسع النطاق للنحاس في شبكات الطاقة الصينية بشكل ملموس على الطلب العالمي، كما أن بعض المتداولين يتخذونه كسبب للمراهنة ضد الإجماع العام على النقص المتزايد للنحاس، وارتفاع أسعاره في الأعوام المقبلة. يُشار إلى أن الصين هي أكبر مستهلك للنحاس في العالم، حيث يُستخدم أكثر من ربع الإمدادات العالمية في كابلاتها الكهربائية.
ثقافة شائعة
مع ذلك، قال المتدا ولون والمسؤولون التنفيذيون في الصناعة إنه لم يتضح بعد ما إذا كان هناك أي دفعة كبيرة نحو هذا الاتجاه، فقد كان استبدال النحاس مرتفع الثمن على نطاق محدود أمراً متداولاً في السوق لفترة طويلة، ويجذب اهتمام أكبر كلما ارتفعت الأسعار. فيما أشار آخرون إلى أن التغير الذي شهدته السوق هذا العام كان مجرد استجابة مؤقتة لارتفاع الأسعار.
عن ذلك، قال تشينفاي وانغ، رئيس قسم الأسلاك والكابلات لدى مجموعة "سي آر يو غروب" (CRU Group) بشنغهاي، إن "هذا الأمر ليس جديداً في الصين، لكنه مستمر منذ أعوام دون إحراز مشغل الشبكة الحكومية أي تقدم كبير"، و"الأمر يزداد حدة كلما ارتفعت أسعار النحاس".
يعد النحاس المعدن المفضل لتوصيل الكهرباء منذ عهد توماس إديسون، غير أن الألمنيوم، الذي يعد الأقل توصيلاً للكهرباء لكنه أخف وزناً وأرخص، يُستخدم كبديل منذ فترة طويلة. وبما أن الألمنيوم أقل توصيلاً للكهرباء، ينبغي أن يكون كابل الألمنيوم أكبر من نظيره النحاسي لنقل المقدار نفسه من الكهرباء.
عادةً ما يُستخدم الألمنيوم في الأمور التي يكون فيها الوزن مهماً دون وجود قيود على المساحة، مثل كابلات الجهد الكهربائي العالي. فيما يشيع استخدام النحاس في المساحات المحدودة، مثل الكابلات تحت الأرض في مراكز المدن. ويشتهر الألمنيوم أيضاً بكونه أقل أماناً، وهذا تعزز في السبعينات من القرن الماضي عندما أدى ارتفاع أسعار النحاس إلى استخدام الألمنيوم بشكل واسع النطاق في الأسلاك المنزلية مما أثار أيضاً موجة حرائق كهربائية.
تراجع استهلاك النحاس
على الصعيد العالمي، أدى استبدال النحاس إلى خفض استهلاكه بما يتراوح بين 1% و1.5% سنوياً على مدى العقد الماضي، وفق عرض تقديمي حديث من جمعية النحاس الدولية (International Copper Association).
بينما تتمتع سوق النحاس العالمية بإمدادات جيدة في الوقت الراهن نظراً لضعف الشراء في الصين، هناك وجهة نظر واسعة النطاق بأن الصناعة تتجه نحو عجز كبير في الأعوام المقبلة، مما قد يدفع الأسعار للارتفاع بشكل كبير.
في الصين، يُطلب بشكل قانوني استخدام النحاس في بعض أنواع الأسلاك أو توليد الكهرباء، لذلك فإن المتداولين في حالة تأهب قصوى لأي علامة على تغير السياسة.
توفر شركة "ستيت غريد"، وهي أكبر شركة مرافق في العالم، الكهرباء لأكثر من 80% من الصين. ومع ذلك، فإنها تستخدم المناقصات العامة لإتمام بعض المشتريات، وحتى في هذه الحالة لا تكشف دائماً عما إذا كانت تشتري أسلاك ألمنيوم أو نحاس، مما يُصعب تتبع قرارات الشراء.
لكن العديد من المحللين والمسؤولين التنفيذيين في الصناعة قالوا إن "ستيت غريد" خفضت مشترياتها من النحاس والكابلات السلكية في الأشهر الأخيرة، بعد أن ارتفعت أسعار النحاس إلى مستوى قياسي جديد بسبب إقبال المستثمرين المتفائلين.
قال أحد الموردين الرئيسيين للشبكة إن مبيعات شركته من كابلات النحاس انخفضت بنحو 20% في الربع الثاني.
تأثير ارتفاع أسعار النحاس
كما أوضح وانغ، من "سي آر يو"، أن أسعار النحاس تسببت في تباطؤ مناقصات "ستيت غريد" لكابلات الكهرباء المعدنية المعزولة منذ أبريل، رغم استئناف بعض النشاط بعد تراجع الأسعار.
في الوقت نفسه، قفزت مبيعات كابلات الألمنيوم بشكل حاد. وارتفعت مناقصات "ستيت غريد" لكابلات الألمنيوم بنسبة 40% لتصل إلى 718 ألف طن في الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، وفق "سوق شنغهاي للمعادن".
كانت هناك مناقشات متزايدة حول استبدال النحاس بالألمنيوم. ففي الصين، كما هي الحال في معظم أنحاء العالم، يُستخدم الألمنيوم في كابلات الجهد الكهربائي العالي؛ على اعتبار أن وزنه الخفيف ميزة. لكنها لا تزال تستخدم حوالي 7.5 مليون طن من النحاس سنوياً في كابلات الكهرباء، مقارنة بـ3 ملايين طن من الألمنيوم، وفق بيانات عُرضت في مؤتمر صناعي نظمته الجمعية الصينية لصناعة المعادن غير الحديدية (China Nonferrous Metals Industry Association) بشنغهاي في 3 يوليو.
لحظة مناسبة
في إشارة إلى موارد الألمنيوم الوفيرة في البلاد والاعتماد الكبير على واردات النحاس والتنافسية الاقتصادية للألمنيوم على النحاس، قال جي هونغ لين، رئيس الجمعية الصينية لصناعة المعادن غير الحديدية، في المؤتمر في بداية هذا الشهر: "إنها لحظة مناسبة" لتعزيز جهود إحلال الألمنيوم محل النحاس، خاصة أن الألمنيوم يُستخدم أيضاً في شبكات الجهد المنخفض.
في الوقت نفسه، عزز أحد موردي الكابلات لشركة "ستيت غريد" مشترياته من الألمنيوم بنحو 50% في الشهرين الماضيين، وفق شخص مطلع على الأمر. ومع ذلك، فقد حذروا من أن ارتفاع الطلب على كابلات الألمنيوم يبدو أنه للاستخدام في مواقع البناء، وبالتالي المنشآت المؤقتة، وليس للاستخدام في شبكة الكهرباء.
لم ترد "ستيت غريد" على طلب للتعليق.
كما أن شركة "بريزميان" الإيطالية (Prysmian SpA)، أكبر مُصنع للكابلات في العالم، متشككة في احتمالية التحول العالمي الأوسع نحو الألمنيوم، ما لم تواجه الصناعة نقصاً حقيقياً في المعادن.
تعليقاً على الأمر، قالت ماريا كريستينا بيفولكو، رئيسة قسم الاستدامة في "بريزميان"، إن عملاء الشركة في مجالات الاستخدام سريعة النمو، مثل كابلات الجهد الفائق لتوصيل مشاريع الطاقة المتجددة الجديدة بالشبكات الإقليمية أو الكابلات المستخدمة في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، يفضلون النحاس نظراً لكونه أكثر كفاءة وموثوقية.
أفادت بيفولكو: "لم نشهد من قبل تحولاً مدفوعاً بنقص محتمل أو مخاوف بشأن سعر النحاس".
ومع ذلك، من الواضح أن ارتفاع أسعار النحاس الأخير يؤثر على بعض جوانب السوق. فقد قال ماكس لايتون، المحلل في "سيتي غروب"، في مقابلة أُجريت معه مؤخراً، إن "التدابير"، التي تتضمن الاستبدال بالألمنيوم، قلّصت بالفعل الطلب على النحاس بحوالي 400 ألف طن.
كتب محللو "سيتي غروب" في مذكرة حديثة أن "احتمالية تغير السياسة يتزايد في رأينا"، كما أن "الاستبدال واسع النطاق بالألمنيوم، إذا تحقق، يشكل خطراً لكبح ارتفاع أسعار سعر النحاس".