يدخل منتجو النحاس، المتخمون بالسيولة نتيجة تضاعف الأسعار، مرحلة جديدة تتمثَّل في زيادة الضغط المالي من جانب الدول المضيفة لهم.
و تُظهر الأخبار القادمة هذا الأسبوع من ثلاث من أكبر الدول المنتجة للنحاس أنَّ السلطات تبحث عن تحصيل حصة أكبر من المكاسب المفاجئة. وعلى الرغم من أنَّ هذه الخطوة ليست بالأمر غير المعتاد في فترات ارتفاع الأسعار، إلا أنَّ هناك حافزاً إضافياً هذه المرة يتمثَّل في إيجاد طرق لتمويل التعافي من الجائحة، في حين يُساعد الحديث عن دورة فائقة أيضاً في تصعيد الخطاب السياسي.
ووافق مجلس النواب التشيلي يوم الأربعاء الماضي على إتاوة مقترحة على النحاس في خطوة تقول الصناعة، إنَّها تخاطر بإحباط الاستثمار. وفي اليوم نفسه، ذكرت "بلومبرغ" أنَّ المرشح الأوفر حظاً في السباق الرئاسي في البيرو سوف يدفع باتجاه اتخاذ موقف أكثر صرامة ضد شركات التعدين لضمان بقاء المزيد من الإيرادات الناتجة عن الثروة المعدنية الهائلة في خزائن الدولة. وقبل ساعات، نُقل عن رئيس شركة استثمارات التعدين المملوكة للدولة في زامبيا قوله، إنَّه يريد حصة أكبر من عائدات عمليات النحاس.
صورة وردية
وكتب كولين هاميلتون، المدير الإداري لأبحاث السلع في شركة "بي إم أو كابيتال ماركتس" (BMO Capital Markets)، في مذكرة للعملاء: "يمكننا بالتأكيد توقُّع رؤية المزيد من الأمثلة المشابهة خلال الأشهر المقبلة".
وفي حين تراجعت العقود الآجلة للنحاس من أعلى مستوياتها فيما يقرب من عقد من الزمن الشهر الماضي، إلا أنَّها ما تزال مرتفعة بنسبة 90٪ تقريباً عن العام الماضي بعد أن انتعشت المصانع الصينية بسرعة من الجائحة، وعانى المنتجون من الاضطرابات. أما الآن، فإنَّ احتمالية الانتعاش العالمي بمساعدة اللقاحات، وموجة من تعهدات إزالة الكربون، ترسم صورة وردية طويلة المدى للمعدن المستخدم في كلِّ شيء بدءاً من الأسلاك والأنابيب، وصولاً إلى البطاريات والمحرِّكات.
و بالطبع، لم يمرّ هذا الواقع دون أن يلاحظه أصحاب المصلحة في شركات التعدين، بما في ذلك الاتحادات والحكومات.
وفي تشيلي، حيث سبقت الجائحة أشهراً من الاحتجاجات المناهضة للحكومة، بدأ الإجماع على أنَّ القطاعات ذات الربحية العالية، مثل التعدين، يجب أن تساعد في تمويل التعافي من الجائحة، وتقليل التفاوتات الاقتصادية.
وفي بلد يُمثِّل أكثر من ربع النحاس المستخرج من العالم، يرغب المشرِّعون المعارضون في فرض ضريبة بنسبة 3٪ على النحاس والليثيوم التي تنتجها شركات مثل "بي إتش بي" (BHP Group)، و"ألبيمارلي" (Albemarle Corp) لتمويل مشاريع التنمية استجابةً للمعايير الاجتماعية والبيئية المتزايدة للمستثمرين، وسلاسل التوريد.
و علَّق النائب الديمقراطي المسيحي "إيفان فلوريس": "أنَّ هذه الخطوة هي جزء مما تحتاجه بلادنا – ألا وهو عدالة اقتصادية واجتماعية أكبر، وإنهاء الامتيازات التي تتمتَّع بها الشركات الكبرى".
إتاوات متزايدة
أما في بيرو المجاورة، التي تُعدُّ ثاني أكبر مورِّد للنحاس، قال "يونهي ليسكانو"، إنَّه يريد إغلاق الثغرات الضريبية، والتفاوض بشأن اتفاقيات تقاسم الأرباح مع الشركات متعددة الجنسيات. ويتقدَّم "ليسكانو" في جميع استطلاعات الرأي الرئيسية قبل انتخابات الجولة الأولى التنافسية في 11 أبريل؛ وستجد تعليقاته صدى لدى بعض المجتمعات المعزولة في المرتفعات البيروفية التي قاومت التعدين.
وفي زامبيا، تريد شركة "زد سي سي إم إنفستمنتس" (ZCCM Investments Holdings Plc)، التي تضع اللمسات الأخيرة على شراء وحدة النحاس الزامبية التابعة لشركة "غلينكور" (Glencore Plc)، أيضاً حصصاً أكبر في الشركات الأخرى التي تنتج المعدن في الدولة الواقعة في جنوب إفريقيا، بحسب ما قال الرئيس التنفيذي "مابفوتو شيباتا" في مقابلة أُجريت معه.
وزادتْ زامبيا تدريجياً من الإتاوات بعد أن اشتكت لفترة طويلة من أنَّ شركات التعدين في البلاد نادراً ما تُبلِّغ عن أرباحها، ونتيجة لذلك فهي تدفع القليل من الضرائب. واستجابة لهذا الواقع، تسعى شركة "زد سي سي إم إنفستمنتس" الآن إلى زيادة حصتها من الإيرادات مع استعداد زامبيا لإجراء الانتخابات العامة في أغسطس. وتُعدُّ مقاطعة كوبربيلت، موطن مناجم "غلينكور" وغيرها من الشركات الأجنبية، ساحة معركة سياسية رئيسية.
هجوم مضاد
وما من شكٍّ في أنَّ مثل هذه المبادرات قد لا يرى النور أبداً؛ فعندما كان مرشحاً رئاسياً، وقف "أولانتا هومالا" في البيرو إلى جانب المجتمعات المحلية ضد شركات التعدين الأجنبية، إلا أنَّه عاد لدعم هذه الصناعة بعد فوزه بالمنصب. وفي تشيلي، قد يعترض الرئيس "سيباستيان بينيرا" على مشروع قانون الإتاوة، أو يسعى إلى منعه من خلال المحكمة الدستورية في البلاد.
كما ستقف الشركات أيضاً، من خلال جمعياتها الصناعية، ضد التغييرات في قواعد اللعبة، وستحرص فرق ومجالس الإدارة التي تحمَّلت الدورات السابقة على الدفاع عن هوامش الربح في وقت أصبح فيه تشغيل وبناء المناجم أكثر صعوبة وتكلفة. لكن على الصناعة أن تخطو بخطوات حذرة بالنظر إلى التدقيق المتزايد في القضايا البيئية، والاجتماعية، والحوكمة.
ومع تكثيف الشركات لتسليط الضوء على جهود الحوكمة البيئية، والاجتماعية، وحوكمة الشركات، "قد تجد البلدان المضيفة أنَّ شركات التعدين قد لا تكون سلبية هذه المرة"، بحسب ما قال محلل "بلومبرغ إنتليجنس"، "غرانت سبوري"، في ردٍّ عبر البريد الإلكتروني.