أبوظبي تسعى لإحداث "ثورة" بآليات تسعير وبيع نفط الخليج

ناقلة النفط "ديفون" تبحر عبر الخليج العربي لنقل الخام إلى أسواق التصدير  - المصدر: بلومبرغ
ناقلة النفط "ديفون" تبحر عبر الخليج العربي لنقل الخام إلى أسواق التصدير - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

لا شيء يُشير إلى أن ميناء الفجيرة الواقع بين خليج عُمان وسلسلة جبلية صخرية، يُشكّل قاعدة لمحاولة إحداث ثورة بأسواق النفط في الشرق الأوسط.

لكن عندما تبدأ أبوظبي، غداً الاثنين، بيع العقود الآجلة لنفطها، ومن ثم شحن براميل الخام من الفجيرة، فإن ذلك سيمثل تحوّلاً قوياً من قِبل الإمارة التي تتطلّع لتغيير آلية تسعير ما يناهز خُمس النفط الخام في العالم.

ما قبل وما بعد

تضخّ دول الخليج العربي ما يقرب من 20 مليون برميل من النفط يومياً، وتطمح أبوظبي لأن تصبح العقود الآجلة لخامها الأساسي "مربان" هي المؤشر الرئيسي للتسعير في المنطقة.

ويُسعّر كبار المنتجين في الخليج، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والعراق والإمارات العربية المتحدة، وعاصمتها أبوظبي، براميلهم من النفط على أساس مؤشرات أسعار من مناطق أخرى. ويبيعون في الغالب نفطهم مباشرة إلى المصافي أو إلى الشركات الدولية التي لديها حصص في حقولهم. وبشكلٍ قاطع، منعوا هؤلاء العملاء من إعادة بيع النفط والاستفادة من فرص المضاربة الموجودة في أسواق الطاقة العالمية.

أمّا الآن، فتزيل أبوظبي هذه القيود بهدف إتاحة نفطها للمضاربين الماليين وللتجار الفعليين. ويتهافت المستثمرون حول العالم على شراء السلع والمتاجرة بها طمعاً بعوائدها المرتفعة مقارنة بالأصول الأخرى، ولحماية أموالهم من ارتفاع التضخم.

وبمجرد بيعه في البورصة، سيجري إرسال خام "مربان" عبر خط أنابيب إلى الفجيرة، التي ستتحول لجسرٍ يربط حقول صحراء أبوظبي بالأسواق العالمية.

وتَعتبر فاندانا هاري، مؤسسة شركة "فاندا إنسايتس" (Vanda Insights) للاستشارات النفطية ومقرها سنغافورة: "إذا نجحت أبوظبي، وأعتقد أن فرص نجاحها جيدة، فقد تكون العقود الآجلة لخام "مربان" منعطفاً محورياً لتسعير خام الشرق الأوسط". مُضيفةً أنه "إذا جرى تداول جزء كبير من خام الشرق الأوسط بحرية في سوق العقود الفورية، فقد يدفع ذلك المنتجين الإقليميين الآخرين إلى اتباع نهج أبوظبي".

كهوف التخزين

لدعم هذا التوجه، تنفق شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، شركة النفط الحكومية، حوالي 900 مليون دولار لبناء منشآت تخزين بطاقة استيعابية تبلغ 40 مليون برميل في الكهوف تحت جبال الفجيرة.

ويؤكد خالد سالمي، رئيس التسويق والتجارة في "ادنوك"، أن "هذا المشروع، بالإضافة لخزانات الشركة الموجودة فعلياً في ميناء الفجيرة، سيضمنان وجود وفرة من خام "مربان" بمتناول اليد، بما يُمكّننا من إدارة أية اضطرابات مستقبلية لناحية الإمدادات".

ولدى "أدنوك" القدرة على ضخّ حوالي مليوني برميل يومياً من خام "مربان"، وتعهدت الشركة بتزويد البورصة بنصف هذه الكمية خلال العام المقبل، بما يواكب أو يفوق المعروض لدى مؤشرات النفط الرئيسية حالياً، مثل مزيج برنت وخام غرب تكساس الوسيط.

ويرى كريس، مدير "فيتول غروب" (Vitol Group)، أكبر مضارب نفطي مستقل، والداعم لإنشاء البورصة الجديدة، أن "السيولة ستلعب الدور المحوري لنجاح المعادلة برمتها".

لن يكون خلق مؤشر جديد بالأمر السهل. إذ لا يحبذ تجار النفط التغيير، خاصةً أنهم راضون عمّا تقوم به الأسواق من عمل جيد لناحية مواءمة العرض والطلب. وكمثال على صعوبة التغيير، فقد أحدثت شركة "ستاندرد آند بورز غلوبال بلاتس" (S&P Global Platts) ضجة هذا العام، بعد إعلانها أنها ستجري تعديلات على مزيج برنت الفوري، وهو مؤشر سعر النفط الرئيسي بالعالم، ممّا اضطرها لتأجيل التعديل المزمع إلى أجل غير مُسمّى.

دخول الكبار

إلى ذلك، سيواجه خام "مربان" أيضاً منافسة إقليمية، إذ تعتمد "ستاندرد آند بورز غلوبال بلاتس" متوسط سعر خام دبي، بينما تتداول بورصة دبي للسلع بالعقود الآجلة للنفط العُماني، حيث يُعدُّ كلاهما بمثابة مؤشرين لشحنات نفط الشرق الأوسط إلى آسيا.

لكن رغم هذه المنافسة، فإن أبوظبي مُتيقنة أن الجمع بين العرض المرتفع من الخام وسهولة الوصول للأسواق المستهلكة للنفط من الفجيرة وغياب القيود على المتاجرة، سيجذب الكثير من المشترين إلى بورصتها. ويُنوّه فيليب خوري، المصرفي السابق في "HSBC"، والذي عيّنته "أدنوك" في 2018 لبناء عملياتها التجارية، بأن خام "مربان" قد ينافس حتى خامي برنت وغرب تكساس.

وستتولى تشغيل منصة العقود الآجلة لنفط "مربان" شركة "إنترناشيونال إكستشينج" (Intercontinental Exchange Inc)، ومقرها أتلانتا. وتمّ الأسبوع الماضي إطلاق تسمية "أي سي إي فيوتشرز أبوظبي" (ICE Futures Abu Dhabi) على البورصة الجديدة، والتي وافقت فور إنشائها على دخول "غولدمان ساكس" و"سيتي غروب" و22 بنكاً ووسيطاً كأعضاء في البورصة.

طموح أبعد

ترسم خطة "أدنوك" ملامح الطموح الواسع لدولة الإمارات العربية المتحدة لاستثمار مواردها الهيدروكربونية بشكل أسرع، تداركاً لبدء الطلب على النفط بالتقلص مع التحول العالمي إلى الطاقة الصديقة للبيئة. وتهدف البلاد إلى زيادة طاقتها الإنتاجية من حوالي 4 ملايين برميل يومياً حالياً، إلى 5 ملايين بحلول عام 2030، ما يجعلها أكبر منتج للنفط في منظمة "أوبك" بعد المملكة العربية السعودية.

قد يؤدي تداول خام "مربان" بالبورصة، وزيادة الطاقة الإنتاجية الإماراتية، إلى زيادة التوتر داخل "أوبك"، بحسب فاندانا هاري. وتسيطر دول الخليج العربي على المنظمة النفطية، وهي تميل تاريخياً لتقدير أهمية وحدة هذا الكيان. وتُشكّل التخفيضات غير المسبوقة للإنتاج العام الماضي لدعم الأسعار مع تفشي فيروس كورونا نموذجاً على تكاتف هذه الدول.

ورغم هذه الهواجس، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة تؤكد أن العقود الآجلة لخام "مربان" لن تؤثر على منظمة "أوبك" أو قدرتها على تحقيق استقرار سوق النفط. ويأمل فيليب خوري، من أدنوك، أن يتبنّى المنتجون الإقليميون الآخرون "مربان" كمؤشر لتسعير نفطهم الخام.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك