انخراط أعداد أكبر من المشاركين في السوق من شأنه أن يزيد المخاطر لا سيما إن كانوا يفتقرون للدراية

كيف أصبحت الأسهم لعبة يمارسها كثير من الأميركيين

صورة تعبيرية عن انخراط المستثمرين الأفراد في تداول الأسهم في الولايات المتحدة - بلومبرغ
صورة تعبيرية عن انخراط المستثمرين الأفراد في تداول الأسهم في الولايات المتحدة - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

غزت جحافل من المستثمرين الأفراد سوق الأسهم في 2021 سعياً وراء أسهم "ميم" متقلبة تحظى بمتابعة قوية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فيما يعتري بياناتها المالية الضعف.

بدا هذا الشغف لامتلاك حصص في شركات مثل "غيم ستوب" (GameStop) و"إيه إم سي إنترتينمنت" (AMC Entertainment) أشبه بحمى لا بد أن تنتهي، وهي التي أذكت لهيبها معونات التحفيز إبان الوباء، والضجر الذي حلّ بالناس قبل إيجاد اللقاحات، فلم يكن لدى المتداولين المبتدئين ما ينشغلون به سوى تحويل أموالهم إلى أسهم من التي يدعمها خبراء الاستثمار عبر الإنترنت، ومنهم كيث غيل (المعروف باسم رورينغ كيتي) وريان كوهين.

بالنظر إلى الأمر بعد مضي ثلاث سنوات، فإن الأمر أصبح جلياً: لقد بدأت حقبة جديدة في صناعة المال. لم يسبق أن كانت المراهنة بالمال أسهل في أي مكان أو زمان، ولن ينتهي جنون الميم. لقد تزامنت موجة من التقدم التقني مع إنتاج تطبيقات ومنصات جديدة، فقامت منظومة بيئية مزدهرة تُمكن العامة من تداول الأسهم بسهولة توازي لمس الشاشة بحثاً عن علاقات عبر تطبيق المواعدة "تيندر".

يستطيع أي شاب إنشاء حساب تداول خلال دقائق. وعادة ما يباشر أبناء الجيل "زد" الاستثمار عندما يبلغون من العمر 19 عاماً في المتوسط، وفقاً لاستبيان من شركة "تشارلز شواب" في يونيو. بالمقارنة مع 32 عاماً لأبناء جيل "إكس" و35 عاماً لجيل طفرة المواليد. كما خلصت الشركة إلى أن نحو ثلاثة من كل خمسة أميركيين يستثمرون في الأسهم راهناً. وتظهر بيانات الاحتياطي الفيدرالي أن هذه النسبة هي الأعلى على الإطلاق.

الميدان بات أوسع

لدى مستثمري التجزئة طرق كثيرة ليلعبوا في أسواق كانت يوماً غامضة وبعيدةً عن متناولهم. ظهرت الصناديق المتداولة في البورصة التي تستثمر في "بتكوين" لأول مرة هذا العام، وقد حظيت طفرة الخيارات الفورية، التي تسمح للمتداولين برهانات عاجلة وخطيرة على حركة الأسعار، برواج كاسح بين المستثمرين كان كالنار في الهشيم.

في الوقت نفسه، كانت هنالك طفرة في المراهنة على الرياضة، حيث راهن الأميركيون بأكثر من 220 مليار دولار في السنوات الخمس الماضية، وفقاً لجمعية الألعاب الأميركية. زد على ذلك أن هنالك شركة اسمها "ماستروركس" (Masterworks) تسمح للعامة بشراء حصص جزئية في الأعمال الفنية.

قال بيتر أتوتر، أستاذ الاقتصاد في جامعة "ويليام أند ماري": "أصبح يمكن اعتبار التداول شبيهاً بنفس النوع من المراهنة عبر الإنترنت التي نشهدها في الألعاب وفي عالم الرياضة… إنه جزء من روح عصر المقامرة".

تجعل السوق الصاعدة التداول يبدو سهلاً وممتعاً، لكن خواتيمه قد تكون وخيمةً على المستثمرين. عندما هبط مؤشر "إس آند بي 500" 19% في 2022، خسر المستثمرون الأفراد ما مجموعه 350 مليار دولار، وفقاً لشركة "فاندا ريسرتش" (Vanda Research). وانخفض متوسط ​​استثمارات الأفراد بما يداني الثلث.

تظهر المخاطر بوضوح كبير بين صفوف الشباب. لا تتطور الأدمغة بشكل كامل حتى يبلغ الناس أواسط عشرينياتهم، وقد نشر الجراح العام الأميركي فيفيك مورثي حديثاً نصيحة حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال والمراهقين، مسلطاً الضوء على خطر الإدمان.

تشترك شركات الوساطة عبر الإنترنت مع وسائل التواصل الاجتماعي ببعض السمات، فكلا الصنفين مبني على التفاعل والمشاركة، وهنالك تداخل في قواعد مستخدميهما، إذ إن المستثمرين يتبادلون التوصيات عبر "ريديت" و"إكس" و"تيك توك".

كبير أطباء الولايات المتحدة الأميركية فيفيك ميرثي
كبير أطباء الولايات المتحدة الأميركية فيفيك ميرثي - غيتي إيمجز

المقاربة التقليدية أجدى

قال كليفتون غرين، أستاذ المالية في "جامعة إيموري"، إنه إذا خسر المستثمرون الأفراد اليوم كثيراً من المال، فقد يتخلون عن الاستثمار للأبد، فتفوتهم المكاسب طويلة الأجل التي يمكن تحقيقها بأمان أكبر عبر التنويع وعبر الصناديق التي تتبع المؤشرات.

برغم كل الجلبة التي تدور حول الخيارات وتداول أسهم بعينها، كان يمكن لأي مستثمر اشترى حصةً في صندوق يمثل مؤشر "إس آند بي 500" منذ خمس سنوات، وأعاد استثمار مكاسبه، أن يضاعف ماله من خلال العائد السنوي الذي بلغ وسطيه 15%.

تظهر الأبحاث أن التزام المستثمرين، سواء المحترفين أو الهواة، بمحفظة متنوعة على المدى الطويل أفضل لهم، وأن التداول السريع أميل لأن ينتهي بخسائر مؤلمة.

يقلق المنظمون من أن شركات الوساطة تتلاعب بالتداول بطريقة تجذب الناس إلى المراهنة بمزيد من الأموال.

لقد وافقت شركة "روبن هود ماركتس" هذا العام على دفع 7.5 مليون دولار لتسوية مزاعم من قسم الأوراق المالية في وزارة ولاية ماساتشوستس، بأن سمات الشركة الشبيهة بالألعاب مكنتها من استغلال زبائن شباب يفتقرون للخبرة في كثير من الأحيان. (فيما أن الشركة، التي قالت إن الادعاءات لا تعكس الممارسات الحالية، نفت ارتكابها أي مخالفات).

إحدى الميزات التي ذكرتها الوزارة وألغتها الشركة، كانت استخدام الشركة لمشهد قصاصات براقة تتساقط احتفالاً على شاشة تطبيقها حين يتم المستخدم أول تداولاته. وتنظر هيئة الأوراق المالية والبورصة الأميركية ومكتب الحماية المالية للمستهلك في مثل هذه الممارسات أيضاً. أشار تقرير حديث صادر عن المكتب إلى أوجه تشابه بين الخدمات المالية والألعاب.

إدمان التداول

جوليوس جونسون، 33 عاماً، الذي يعمل في تجارة التجزئة في سان أنطونيو ويتداول في أوقات فراغه، بدأ بالاستثمار في 2020 بعدما رأى ما نشره شخص عبر "إكس" عن مكاسبه. جونسون غالباً يهتم بخيارات أسهم مثل "غيم ستوب" و"درافت كينغز" (DraftKings)، وصندوق "إنفيسكو كيو كيو كيو" المتداول في البورصة الذي يتتبع مؤشر "ناسداك 100".

في سنته الأولى، خسر 2000 دولار في أسبوعين، وكاد يترك هوايته. وكان يتداول عبر هاتفه أثناء فترات الراحة في العمل، وفي بعض الأحيان كان يتسلل إلى الحمام، أو يجلس في سيارته ليتابع رهاناته على الخيارات. قال: "إنه أمر إدماني بشدة، ربما يتعلق الأمر بواجهة المستخدم ومدى سهولة التداول". لقد عاد للتداول مجدداً بعدما تعافى مؤشر "إس آند بي 500".

لفهم التغيرات في تداول الأسهم، فكر في عملية الشراء قبل بضعة عقود. لنفترض أنك في ذاك الزمان سمعت من أصدقائك عن شركة واعدة كانت تبيع السهم مقابل 50 دولاراً. كان يتعين عليك الاتصال بوسيط الأوراق المالية الذي تتعامل معه، وتطلب شراء مجموعة قوامها 100 سهم مقابل 5000 دولار. وكي تنشئ محفظة متنوعة بشكل معقول من 20 شركة بهذه الطريقة، ستحتاج إلى 100 ألف دولار.

وكانت هناك مسألة الأتعاب التي قد تبلغ مئات الدولارات. عندما أنهت تعديلات قانون الأوراق المالية الأميركية لعام 1975 عمولات التجارة الثابتة، استغلت بعض شركات السمسرة ذلك كفرصة لزيادة أتعابها. واتجهت أخرى إلى العكس من ذلك، حيث أنشأوا نشاطات سمسرة منخفضة الأتعاب. بدأت "تشارلز شواب" تتقاضى أتعاباً قدرها 70 دولاراً فقط على الصفقة، وهذا يكاد لا يُذكر بمقاييس ذلك الزمن.

بفضل تحسن التقنية والتنافس، واصلت الأتعاب انخفاضها إلى 13 دولاراً للصفقة في 2005، ثم 5 دولارات بحلول 2019، وقد أفضى ذلك إلى عصر انعدام الأتعاب الذي نشهده الآن.

انعدام أتعاب الوساطة

في مطلع القرن، بدأ الوسطاء يسمحون للمستثمرين بشراء جزء من سهم لقاء مبلغ ضئيل قد يكون دولاراً واحداً وقد لا يتجاوز سنتاً واحداً أحياناً. على الرغم من إتاحة أجزاء الأسهم في التسعينيات، إلا أن رسوم التداول المرتفعة كانت تجعل استثمار مبالغ ضئيلة غير منطقي. كما سهّل انخفاض التكاليف على المستثمرين الأفراد شراء حصص في صناديق المؤشرات والاحتفاظ بها.

بطبيعة الحال، ليس هناك شيء مجاني بحق في وول ستريت. إذ يجني الوسطاء اليوم المال عن طريق إرسال أوامر البيع والشراء من عملائهم إلى شركات التداول المحوسبة مثل "سيتادل سيكيوريتيز" و"فيرتو فاينانشال"، التي تدفع مقابل إرسال التعاملات إليها. برغم أن هذا النظام يساعد على ضخ السيولة في السوق، إلا أن هيئة الأوراق المالية والبورصة لديها مخاوف من أن ينتهي الأمر بالمستثمرين الأفراد إلى تلقي أسعار أسوأ لأسهمهم، أي أن يدفعوا بذلك عمولات خفية.

مع ذلك، فإن ما كان في السابق عملية تتطلب أياماً ومكالمات هاتفية وأوراقاً، يمكن الآن إتمامها خلال بضعة ثوانٍ دون عمولة مسبقة. قالت يلينا لاركين، الأستاذة المشاركة في العلوم المالية بجامعة يورك في تورونتو: "قبل عشر سنوات، إن رغبت بالاستثمار كانت الرسوم تلتهم نحو نصف مدخراتك".

تُدرس لاركن دورة تمهيدية في قطاع المال برغبة من طلاب جامعتها، وتقول إن الجميع تقريباً لديهم حساب تداول أو بعض المعرفة بسوق الأوراق المالية، لكنهم ليسوا مضطرين للتفكير بأتعاب التداول لأنهم نشأوا في عالم يخلو منها.

حتى قبل عقد، كان يتطلب التداول الذي يديره صاحبه وحود كمبيوتر مكتبي أو نقال. أما الآن فيمكنك التداول عبر حساب وساطة من "روبن هود" أو"إنترأكتف بروكرز" أو "إي تريد" أو "كوين بيس" بمجرد أن تطالع منشوراً عبر "إكس" أو "إنستغرام"، أو بعد مشاهدة مقطع عبر "تيك توك".

قال جو مازولا، كبير استراتيجيي التداول والمشتقات لدى "شواب": "عليك أن توفر لعملائك إمكانية الوصول عبر الهاتف الذكي… عندما ننظر إلى النشاط عبر الهاتف الذكي مقابل النشاط عبر النظام الأساسي، نجد أن النمو هائل، فالهاتف الذكي يغير قواعد اللعبة".

يعمل بن ألين في مجال الموسيقى في أتلانتا، ويتداول الرجل الذي يداني الخمسين من العمر بالأسهم كعمل إضافي منذ 15 عاماً، وقد عايش تراجع الأتعاب حتى انعدمت. لقد أنشأ لنفسه حساباً على "روبن هود" منذ بضع سنوات، ويرجع ذلك في الغالب إلى عدم رغبته بالاتصال بوسيط خاص عند كل تداول.

برغم أن لدى ألين محفظة صناديق للتقاعد يديرها متخصصون، فهو يحب أن يتداول ببضعة آلاف من الدولارات يستثمرها في شركات مثل "أبل" و"إنفيديا". قال: "كان عالم الوساطة غامضاً… لكن الآن الجميع يفهمون، ويبدو الأمر كما لو أن السر قد انكشف".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك