سجلت الأسهم في وول ستريت أعلى مستوياتها على الإطلاق، مع تطلع المتداولين إلى ما هو أبعد من الإشارات التي تدل على تباطؤ في أكبر اقتصاد في العالم، للتركيز على احتمالات تخفيض أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي.
في جلسة ما بعد العطلة التي تميزت بانخفاض حجم التداول، كان مؤشر "إس آند بي 500" على وشك تسجيل رقمه القياسي الرابع والثلاثين هذا العام، وسط ارتفاع في أسهم شركات التكنولوجيا العملاقة.
انتعشت الأسهم، بعد سلسلة من التقلبات في أعقاب البيانات التي أظهرت تراجع التوظيف في الولايات المتحدة، مع وصول معدل البطالة إلى أعلى مستوى منذ أواخر عام 2021، وتراجعت عوائد سندات الخزانة، في وقت يتوقع تجار المقايضة تخفيضين لأسعار الفائدة هذه السنة، بدءاً من نوفمبر. وتتزايد الرهانات حول خفض في سبتمبر.
ارتفعت الوظائف غير الزراعية بمقدار 206 آلاف في يونيو، وتم تعديل نمو الوظائف في الشهرين السابقين بالخفض بمقدار 111 ألفاً. كان أوسط التوقعات في استطلاع "بلومبرغ" للاقتصاديين يشير إلى زيادة قدرها 190 ألفاً. وارتفع معدل البطالة إلى 4.1%، وانخفض متوسط الأجر في الساعة.
قال نيل دوتا من شركة "رينسانس ماكرو ريسرتش" (Renaissance Macro Research)، إنه "من المفترض أن يعزز تقرير التوظيف اليوم توقعات خفض أسعار الفائدة في سبتمبر. الظروف الاقتصادية تهدأ، وهذا يجعل المقايضات مختلفة بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي".
وصل مؤشر "إس آند بي 500" إلى مستوى 5560 نقطة، وارتفع مؤشر "ناسداك 100" بنسبة 1%. وقفز سهم "ميتا" بنسبة 6% تقريباً، في وقت ارتفعت أسهم شركة "مايسيز" (Macy’s Inc) بعد تقرير إخباري حول عرض محسن لشرائها. تعرضت أسهم البنوك لضربة قوية، رغم التوقعات بأن يبدأ كلّ من "جي بي مورغان تشيس" و"سيتي غروب" موسم إعلان أرباح القطاع الأسبوع المقبل، بشكل مشرق.
انخفضت عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات ثماني نقاط أساس إلى 4.28%، ويتجه الدولار نحو أول انخفاض أسبوعي في سبعة أسابيع. هبطت عملة "بتكوين" المشفرة، وارتفع الجنيه الإسترليني بعد أن حقق "حزب العمال" بزعامة كير ستارمر فوزاً ساحقاً في الانتخابات.
تدعيم حجة خفض الفائدة
قال ديفيد راسل من "ترايد ستايشن" (TradeStation) إن "سوق العمل تنحني ولكنها لم تنكسر، مما يدعم الحجة الداعية إلى خفض أسعار الفائدة". وأضاف أن "الأمور ليست قوية جداً أو ضعيفة جداً. الموقف يسوده الاعتدال، وسبتمبر عاد إلى الطاولة مجدداً"، في إشارة إلى توقع خفض أسعار الفائدة في هذا الشهر.
في الفترة التي سبقت تقرير الوظائف، سجلت صناديق السندات حوالي 19 مليار دولار من التدفقات الأسبوعية، وهي أكبر الإضافات منذ فبراير 2021، وفق مذكرة من "بنك أوف أميركا" نقلاً عن بيانات "إي بي أف آر غلوبال" (EPFR Global).
ويشير هذا الاتجاه إلى أن المستثمرين "يحتفظون بذروة العائدات"، كما كتب مايكل هارتنت، الخبير الاستراتيجي في البنك.
أظهرت البيانات أن صناديق الأسهم العالمية سجلت تدفقات داخلة بقيمة 10.9 مليار دولار ، وهي أطول سلسلة مكاسب منذ ديسمبر 2021.
تخفيض سبتمبر مرجح
يتوافق الضعف التدريجي لسوق العمل الضيقة للغاية مع "سردية خفض التضخم بشكل نظيف" التي يتبعها بنك الاحتياطي الفيدرالي، وينبغي لهذا الضعف أن يمنح المسؤولين الثقة لخفض أسعار الفائدة في وقت ما في النصف الثاني من السنة، وفق مايكل فيرولي من بنك "جيه بي مورغان تشيس".
لا يزال فيرولي يتوقع التخفيض الأول في نوفمبر، لكنه يقول إن الطريق إلى التخفيض في سبتمبر أصبح "أوسع قليلاً".
بالنسبة لكريس لاركين، من "إي ترايد" في "مورغان ستانلي"، تشير أحدث بيانات الوظائف إلى أن سوق العمل تتباطأ، ربما ليس بما يكفي لتسريع تخفيضات أسعار الفائدة، ولكن ربما لإبقاء بنك الاحتياطي الفيدرالي على مسار خفضها في شهر سبتمبر.
في شركة "أبولو غلوبال مانجمنت"، تظل وجهة نظر تورستن سلوك من دون تغيير: لا تخفيضات من بنك الاحتياطي الفيدرالي في عام 2024.
ويقول إن تقرير الوظائف يؤكد أن الأمر سيستغرق بعض الوقت حتى يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي بتهدئة الاقتصاد والتضخم.
وتابع سلوك: "بالنظر إلى المستقبل، فإن النقاش الرئيسي في الأسواق سيكون ما إذا كانت هذه التهدئة ستتسارع إلى الجانب السلبي بسبب تكاليف التمويل التي لا تزال مرتفعة"، متسائلاً ما إذا كنا سنشهد اقتصاداً متسارعاً بسبب ارتفاع أسعار الأسهم وضيق فروق الائتمان.
الأنظار تتجه نحو باول
بعد بيانات الوظائف يأتي رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، الذي سيدلي يوم الثلاثاء بشهادته نصف السنوية في مبنى الكونغرس في الساعة 10 صباحاً في واشنطن. ثم يتم إصدار الرقم القياسي لأسعار المستهلك يوم الخميس.
وقال كريس لو من "إف أتش أن فاينانشيال" (FHN Financial): "إذا كان مؤشر أسعار المستهلك الأسبوع المقبل متعاوناً، فإن الحجة لصالح خفض سبتمبر ستكون أقوى بكثير".
أشار إد كليسولد، كبير الاستراتيجيين المتخصصين في الأسواق الأميركية في "نيد ديفيس للأبحاث" (Ned Davis Research)، إلى أن "بنك الاحتياطي الفيدرالي يظل يشكل الخطر الأكبر على السوق"، مضيفاً أن "مخاطر الركود منخفضة، ونمو الأرباح آخذ في التحسن، وتشير البيانات الاقتصادية إلى خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة هذا العام، ولكن إذا كانت هناك مفاجأة سلبية، فإن الأسهم ستكون عرضة لانسحاب أكبر، بالنظر إلى الارتفاع القوي بالفعل في النصف الأول من هذا العام".
تصطدم الموسمية القوية بسلسلة من الأحداث التي تحرك السوق خلال جلسات التداول القليلة المقبلة، وستكون بمثابة محفزات رئيسية في تحديد ما إذا كان ارتفاع الأسهم هذا العام سيزيد من قوته، أو سيتراجع، مع دخول المتداولين في أفضل فترة من العام للأسهم.
منذ عام 1928، كانت أيام التداول العشرة الأولى من شهر يوليو هي الفترة التاريخية الأقوى لمؤشر "إس آند بي 500"، حيث ارتفع مؤشر الأسهم القياسي بنسبة 1.5% في المتوسط، وبنسبة 70% تقريباً من الوقت، وفق "بنك أوف أميركا".