تَقلَّص معروض القهوة في الولايات المتحدة وارتفعت أسعار الجملة، في حين تستعد السوق المتضررة بشدة لمزيد من التداعيات، نتيجة النقص العالمي في حاويات الشحن الذي قلب تجارة الأغذية رأساً على عقب.
وانخفضت مخزونات القهوة إلى أدنى مستوى في ستة أعوام في الولايات المتحدة، رغم المحصول القياسي في البرازيل، ومن المتوقع أن يؤدي هبوط الإنتاج بعد الجفاف في الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية، إلى عجز في المعروض العالمي في الأشهر المقبلة، في الوقت الذي ينتعش فيه الطلب.
وقال كريستيان وولثرز، رئيس شركة "ولثرز دوك" (Wolthers Douque)، وهو مستورد من مدينة فورت لودرديل بولاية فلوريدا، إن تكاليف الشحن من أمريكا اللاتينية زادت أكثر من الضعف، وأضاف: "يشعر الجميع بالألم، وتتحول تلك العقبات إلى كابوس حاويات".
وبينما أضرّت الاضطرابات في سوق الشحن تجارة الأغذية العالمية عموماً، فإن مشكلات سوق القهوة تُظهِر أن تضخُّم أسعار الموادّ الغذائية الآخذ في الارتفاع بالفعل يمكن أن يتفاقم مع إعادة فتح الاقتصادات، وفي الوقت الحالي تعتمد مطاحن القهوة على المخزونات، ولم ترفع الأسعار، ولكن في ظل استنزاف المخزونات، وتراجع المحصول البرازيلي، من المتوقع أن تستمر قيود المعروض.
وارتفعت العقود الآجلة للبن العربي في نيويورك بنحو 24% منذ نهاية أكتوبر بعد الأضرار التي لحقت بالبساتين البرازيلية، وأظهرت بيانات القطاع يوم الاثنين تراجُع مخزون حبوب القهوة الخضراء غير المحمصة في فبراير بنسبة 8.3% على أساس سنوي، وهو أقلّ مستوى منذ عام 2015.
انتعاش طلب وأزمة معروض
ويقول المحللون إن انخفاض المخزونات يعني قدراً أقلّ من الاحتياطيات لتعويض تأثير التراجع المتوقع في المحصول البرازيلي، مما يفاقم نقص المعروض في السوق، ويعطي الأسعار دعماً مستمراً.
وعزّزت "ماريكس سبكترون" (Marex Spectron) الشهر الجاري تقديراتها لعجز القهوة العالمي إلى 10.7 مليون عبوة في 2021/2022، مقارنة بتوقعاتها السابقة البالغة 8 ملايين عبوة، مستشهدة بتراجع ناتج القهوة العربي بعدما تسببت الأحوال المناخية الصعبة في تدمير المحاصيل.
وقال "غولدمان ساكس" في تقرير، إنه إذا لم يتحسن الإنتاج في أمريكا الوسطى في السنوات المقبلة، فإن السوق ستدخل عجزاً هيكلياً بالنظر إلى انتعاش الطلب.
وفي مرافق شركة "دينامو" (Dinamo)، وهي من أكبر مشغلي مخازن القهوة في البرازيل، كثير من المحصول العالق الذي ينتظر الحاويات، وقال مدير الشركة لويز ألبرتو أزيفيدو ليفي جونيور، إنه في وحدة الشركة ببلدية ماتشادو، قلب القهوة في ولاية ميناس غيرايس، تنتظر الحبوب وصول 18 حاوية فارغة، مضيفاً أن هذه الحاويات ستستغرق على الأرجح 15 يوماً إضافياً للوصول نتيجة العقبات في الميناء.
ويرى ليفي جونيور أن الوضع أصبح أكثر صعوبة في مارس، وهو ما سيقلّص على الأرجح حجم القهوة المصدَّر من البرازيل.
وقال ماركو فيغويريدوا، متداول وشريك في "ألي كوفي" (Ally Coffee) الواقعة في فلوريدا والتي تتاجر في القهوة المخصوصة المستوردة من دول مثل كولومبيا وغواتيمالا والبرازيل: "تمثل اللوجستيات صداعاً بسبب التعامل مع نقص المساحة والحاويات، ونحن نراقب الوضع ونتحدث مع العملاء ونُطلِعهم على التكاليف الآخذة في الارتفاع".
وضع مؤقت
وقالت شركة "مولر ميرسك" الدنماركية، أكبر شركة شحن في العالم، في بريد إلكتروني رداً على أسئلة "بلومبرغ"، إن الحاويات والسفن المستأجرة غير متاحة مؤقتاً للشراء أو التأجير، مما يزيد الازدحام والتأخيرات في المواني، وحاولت الشركة شراء أو تأجير جميع الحاويات المتاحة، كما أبقت الحاويات القديمة في الخدمة، و تعمل على إصلاح السفن التي لم تكن لتصلحها في الأوقات العادية بتكاليف أعلى.
وأضافت الشركة: "هذا وضع مؤقت، سواء في ما يخصّ أنماط الشراء أو توافر السفن، ونتوقع أن تعود الأمور إلى طبيعتها خلال النصف الأول من 2021".
وفي الوقت الحالي يحاول عديد من التجار عدم زيادة الأسعار، في محاولة منهم لجذب المستهلكين مجدداً إلى المقاهي والمطاعم، كما أن في الطلب على القهوة نمواً مطّرداً، رغم أن الطلب خارج المنزل قد يستغرق من عامين إلى ثلاثة أعوام حتى يعود إلى مستويات ما قبل كوفيد، وفقاً لديفيد ريني، مدير العلامات التجارية للقهوة في شركة "نستله".
وقال ستيفانو مارتن، مدير المبيعات والتسويق في سلسلة المقاهي "Diemme" الواقعة في إيطاليا، إن الشركة لم تشعر بعدُ بالتأثير الكامل لأنها لا تزال تعمل بموجب عقود مبرمة قبل اضطرابات الشحن، وأوضح أن ذلك قد يتغير مع تجديد تلك العقود، وتمتلك الشركة 26 مطعماً ومقهىً، وتستورد عادة 30 ألف عبوة في نحو 90 حاوية شحن من البرازيل وكولومبيا والسلفادور وهندوراس وتنزانيا والهند.
وقال: "لم نتأثر حتى الآن لأننا استكملنا جميع العقود قبل زيادة الأسعار، ولكن على الأرجح سنتحمل زيادة في مجموعة العقود المقبلة".