أدى الارتفاع في أسهم أكبر شركات التكنولوجيا في العالم، إلى دفع مؤشرات الأسهم إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، مع اندفاع بعض الاستراتيجيين البارزين في "وول ستريت" لتعزيز أهدافهم، حتى مع تزايد حذر العديد من صناديق التحوط.
سجل مؤشر "إس آند بي 500" رقمه القياسي الثلاثين هذا العام، متحدياً المخاوف بشأن النطاق الضيق الذي قد يجعل السوق أكثر عرضة للمفاجآت.
وبينما يستعد المتداولون لبيانات مبيعات التجزئة، وعدد كبير من المتحدثين باسم الاحتياطي الفيدرالي، انخفضت سندات الخزانة وسط موجة من مبيعات سندات الشركات عالية الجودة التي تجاوزت قيمتها 21 مليار دولار، بقيادة شركة "هوم ديبوت"، وذلك قبل عطلة يوم الأربعاء.
تفاؤل بشأن الاقتصاد المرن
أدى التفاؤل بشأن الاقتصاد المرن، وتحسن أرباح الشركات، والبدء المحتمل لتخفيضات أسعار الفائدة، إلى دفع الأسهم للارتفاع بنحو 15% هذا العام، كما أدى انحسار التضخم والحماسة تجاه الذكاء الاصطناعي، إلى دفع الأسهم إلى الارتفاع.
يعتقد جيمس ديميرت من "مين ستريت ريسيرش" (Main Street Research) أن مؤشر "إس آند بي 500" يمكن أن يصل إلى 6000 نقطة بحلول نهاية العام، لأن "الجمع بين الأرباح الأفضل وتخفيض واحد أو اثنين في أسعار الفائدة، سيشكل دفعة قوية لأسعار الأسهم".
تجاوز المؤشر مستوى 5470 نقطة، مع قيادة شركة "تسلا" و"أبل" للمكاسب الضخمة. ارتفع مؤشر "ناسداك 100" بنسبة 1.2%، واقترب من مستوى 20 ألف نقطة.
كما صعدت أسهم شركة "ميكرون تيكنولوجي" (Micron Technology Inc) إلى مستوى قياسي، بعدنا رفعت بعض الشركات أهدافها لصناعة الرقائق. وقفز سهم "برودكوم" (Broadcom Inc) بأكثر من 5%. وقالت المستثمرة النشطة "ستاربورد فاليو" (Starboard Value) إنها قامت ببناء حصة في شركة "أوتو ديسك" (Autodesk Inc) بقيمة تزيد عن 500 مليون دولار.
اقرأ أيضاً: سردية التباين الكبير في أسعار الفائدة تواجه مشكلة
انتعشت الأسهم الفرنسية بعد تراجعها الأسبوع الماضي. ومع ذلك، لم يتغير مؤشر "ستوكس 600" الأوروبي إلا قليلاً، في حين خفض "سيتي غروب" تصنيف أسهم المنطقة، مشيراً إلى "المخاطر السياسية المتزايدة" من بين أسباب أخرى.
رفع التوقعات
رفع استراتيجيو "سيتي غروب" توقعاتهم لمؤشر "إس آند بي 500" لعام 2024، إلى 5600 نقطة، لتصبح المجموعة ثالث شركة في وول ستريت منذ يوم الجمعة تقوم برفع توقعاتها. وكتب استراتيجيو "سيتي" بقيادة سكوت كرونرت في مذكرة، أن أسباب الترقية تعود إلى المراجعات الإيجابية المستمرة للأرباح، وتوسيع نمو الأرباح للشركات غير التكنولوجية.
في الأيام الأخيرة، قام الاستراتيجيون في مجموعة "غولدمان ساكس" بقيادة ديفيد كوستين بتعزيز هدفهم للمؤشر إلى 5600 نقطة، ما يعكس التوقعات المتفائلة في وول ستريت لنمو الأرباح والاقتصاد الأميركي.
زاد جوليان إيمانويل، من "إيفركور" (Evercore)، توقعاته لنهاية العام حيث توقع أن يصل المؤشر إلى 6000 نقطة، وهي أعلى نسبة بين كبار استراتيجيي الأسهم الذين تتبعهم "بلومبرغ".
في الأثناء، خفضت صناديق التحوط إجمالي الرافعة المالية الطويلة والقصيرة، التي تقيس تعرضها الإجمالي للسوق، بأكبر قدر منذ مارس 2022، وفقاً لمذكرة من مكتب الوساطة الرئيسي في بنك "غولدمان ساكس". وكتب الفريق أن هذه الخطوة تشير إلى موقف أكثر حذراً من ما يسمى بالأموال الذكية.
على الرغم من عدم وجود نقص في عناوين الأخبار بشأن أحدث الارتفاعات القياسية لمؤشر "إس آند بي 500"، إلا أن الارتفاعات كانت أقل أهمية كدلالة على قوة السوق، من كونها دلالة على معنويات المستثمرين، وفق تيم هايز من "نيد دافيس ريسرتش" (Ned Davis Research).
اقرأ أيضاً: أليسون شريغر: أسعار الفائدة قد تظل مرتفعةً للأبد
وأضاف أنه "مع وصول المعايير الرئيسية إلى مستويات قياسية، فقد ضعف النطاق"، مشيراً إلى أنه "لم يتم تأكيد السجلات القياسية من قبل معظم الأسواق والقطاعات والأسهم".
في الفترة التي سبقت القراءة الأخيرة لمبيعات التجزئة، يراقب المتداولون أيضاً تصريحات مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي.
قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في فيلادلفيا باتريك هاركر، إنه يرى خفضاً واحداً لسعر الفائدة مناسباً لهذا العام بناءً على توقعاته الحالية، مما يؤكد رسالة أسعار الفائدة المرتفعة لوقت أطول.
ويتم تحذير المستثمرين من أن أسعار الفائدة ستبقى مرتفعة لفترة أطول مما توقعوا، مع توقعات متوسطة من مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي تدعو إلى خفض سعر الفائدة مرة واحدة هذا العام. ومع ذلك، تتدفق الأموال النقدية على الأسهم التي تستفيد من انخفاض تكاليف الاقتراض.
ماذا ستفعل السوق؟
السؤال الآن بالنسبة للمستثمرين هو ماذا ستفعل السوق عندما يقرر بنك الاحتياطي الفيدرالي في نهاية المطاف خفض أسعار الفائدة؟
تاريخياً، كانت تخفيضات أسعار الفائدة بمثابة نقطة انعطاف رئيسية أدت إلى عوائد قوية على الأسهم، ولكن فقط للدورات التي لم ينجم عنها الركود، مثل هذه الدورة.
وقال جيسون برايد ومايكل رينولدز من "غلينميد" (Glenmede) إن "تحسين اتجاهات التضخم من شأنه أن يؤدي إلى توقعات مرتبطة بالسياسة النقدية أكثر إيجابية، والتي ينبغي أن تكون بمثابة رياح داعمة للأسهم والدخل الثابت".
وأضافا أنه "بافتراض أن كل شيء لا يزال يسير على ما يرام مع التضخم على طول مسار معتدل خلال الصيف، فمن المرجح أن يكون خفض سعر الفائدة في سبتمبر مطروحاً على الطاولة".
تكهن بعض المتفائلين في سوق الأوراق المالية بأن مجموعة كبيرة من الأموال النقدية في سوق المال البالغة قيمتها نحو 6 تريليونات دولار، من المقرر إعادة تخصيصها للأسهم، الأمر الذي سيعطي دفعة أخرى لصعود الأسهم.
اقرأ أيضاً: العريان: أسعار الفائدة المرتفعة لفترة أطول تعاكس الأسواق
لكن عدداً متزايداً من المحللين في شركات من بينها "مورغان ستانلي" و"دويتشه بنك إيه جي" يطلقون سهام الانتقادات على هذه النظرية. ومع العوائد السخية على النقد وسط ارتفاع أسعار الفائدة، ليس من المستغرب أن تصل التدفقات إلى صناديق أسواق المال إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق. ومع ذلك، هناك القليل من الأدلة التي تشير إلى أن النقد سوف ينتقل إلى الأصول الأكثر خطورة في أي وقت قريب.
قال روبرت تيتر من شركة "سيلفر كريست أسيت مانجمنت" (Silvercrest Asset Management) إنه "من المرجح أن يهيمن التقلب والهروب إلى أسهم الجودة على الأسواق، حتى يوضح بنك الاحتياطي الفيدرالي نطاق وتوقيت تخفيضات أسعار الفائدة". وأضاف أن "هذا التوجيه قد يأتي في وقت أبكر من حدث جاكسون هول في أغسطس".
التركيز على توقعات الأرباح
أصبحت العديد من الأسهم الآن أكثر حساسية لظروف النمو الضعيفة، وفقاً لاستراتيجيين من "مورغان ستانلي" بقيادة مايكل ويلسون. ويقولون إن بعض أسهم القيمة بدأت في التركيز بشكل أكبر على توقعات الأرباح، وبدرجة أقل على تأثير أسعار الفائدة.
وكتبوا في مذكرة أن "هذا التطور يتماشى مع وجهة نظرنا الثابتة بأن أسعار الفائدة المرتفعة تمثل رياحاً معاكسة واضحة للشركات الصغيرة، لكن أسعار الفائدة المنخفضة لا تقدم مكاسب مماثلة".
يستمر الارتباط بين أسعار الأسهم وعائدات السندات في الانعكاس وهو الأكثر سلبية منذ عام 1997، مما يشير إلى احتمال حدوث تحوّل كبير في نظام التضخم، وأن أسعار الأسهم وعائدات السندات معاً قد تظل عرضة للحساسية الشديدة لاتجاهات التضخم، وفقاً لاستراتيجيي "بلومبرغ إنتليجنس" بقيادة جينا مارتن آدامز.
اقرأ أيضاً: العريان: العالم مكبل بسبب قوة الدولار والفائدة المرتفعة في أميركا
وقالوا إن "الارتباط بين فئتي الأصول كان إيجابياً طوال الجزء الأكبر من 20 عاماً، مما يشير إلى أن تراجع التضخم كان هو النظام السائد"، وأضافوا أن "الارتباط الإيجابي يشير تاريخياً إلى أن الأسهم اتجهت في اتجاه العائدات، عندما تزامن التضخم في الغالب مع النمو".
وتابعوا أن التحول في الارتباط إلى السلبي قد يشير إلى بدء تغيير كبير على المدى الطويل في ظروف التضخم.
كان للأسهم علاقة سلبية بالعائدات طوال معظم فترة الثمانينيات والتسعينيات، عندما أضر التضخم بالأسهم.