تطبيق "أولانغيزي" يتحول إلى أداة إرشادية ضرورية لأصحاب المزارع الصغيرة في مالاوي

ثورة الذكاء الاصطناعي تخترق حقول صغار المزارعين

أرز محصود في مزرعة بمقاطعة خاو وونغ، محافظة كالاسين، تايلندا - المصدر: بلومبرغ
أرز محصود في مزرعة بمقاطعة خاو وونغ، محافظة كالاسين، تايلندا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

في قرية ندودو، الواقعة على بعد 25 ميلاً جنوب العاصمة المالاوية ليلونغوي، يجتمع المزارعون تحت شجرة أكاسيا بينما يخبرهم صوت يصدر عبر الهاتف الذكي بكيفية التخلص من سوسة تدمر محاصيل البطاطا الحلوة.

تعد التوجيهات التي يقدمها التطبيق بلغة "شيشيوا" المحلية أحد الأمثلة الأولى على كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في مساعدة المزارعين الذين يعتمدون على الكفاف في بعض أفقر مناطق العالم. طوّرت منظمة "أوبورتونيتي إنترناشيونال" (Opportunity International) غير الربحية، ومقرها شيكاغو، تطبيقاً معروفاً بـ"أولانغيزي" (Ulangizi)، والذي يعني "نصيحة"، وهو أداة قائمة على تطبيق "واتساب" ويستخدم بيانات من "تشات جي بي تي" (ChatGPT) والدليل الزراعي باللغة الإنجليزية لحكومة مالاوي للإجابة على الأسئلة أو تشخيص أمراض المحاصيل وحيوانات المزرعة.

قالت آنا تشيماليزيني، وهي أم لثلاثة أطفال تبلغ من العمر 36 عاماً، والتي تعمل بصفتها وكيلاً حكومياً لدعم المزارعين وتشرح التطبيق للمزارعين، إن "غالبية شعبنا لا يجيد القراءة أو الكتابة، وأنا هنا لمساعدتهم في كتابة المشكلات التي يواجهونها في مزارعهم وقراءة الإجابات لهم، ولديهم أيضاً فرصة للاستماع إلى الإجابات عبر الرسائل الصوتية التي تأتي بلغتنا المحلية".

تطبيق ضروري للأسر

ربما يصبح التطبيق ضرورياً بالنسبة لـ3.1 مليون أسرة تعتمد على المزارع الصغيرة لكسب لقمة العيش في هذا البلد غير الساحلي في الجنوب الأفريقي. وتم إطلاق التطبيق بعد أن ضرب إعصار "فريدي" المدمر مالاوي في أوائل 2023، مما أدى إلى نزوح نحو 100 ألف شخص، وترك الحقول مغمورة بالمياه وكاد يقضي على محصول الصويا السنوي.

بالرغم من أن الذكاء الاصطناعي يُستخدم بشكل متزايد في مساحات زراعية واسعة من العالم المتقدم، بدءاً من الصين وحتى الولايات المتحدة وأوروبا، يعد ظهوره في الدول الفقيرة ولدى المزارعين الفقراء أمراً جديداً نسبياً. وربما يؤدي نجاح تطبيق "أولانغيزي" في مالاوي، حيث توفر الزراعة على مساحات صغيرة سُبل عيش لأكثر من 80% من سكان الدولة البالغ عددهم 21 مليون نسمة، إلى تمهيد الطريق لتقديمه في أماكن أخرى من العالم. وهناك 600 مليون من أصحاب المزارع الصغيرة حول العالم يزرعون ثُلث الغذاء على مستوى الأرض.

وقال جريج نيلسون، كبير مسؤولي التكنولوجيا بمنظمة "أوبورتونيتي" وهو مسؤول تنفيذي سابق بشركة "مايكروسوفت"، في مقابلة: "إعصار فريدي جعلنا نرى كيف يمكن لكارثة مناخية واحدة أن تدمر اقتصاداً ونظاماً غذائياً، وأخبرنا وكلاءنا لدعم المزارعين أن تطبيق (أولانغيزي) كان يمكن أن يساعدهم ليس فقط في التغلب على عواقب فريدي، بل أيضاً الاستعداد لها".

انتشار التطبيق حول العالم

مع انتهاء البرنامج التجريبي للتو، تجمع المنظمة غير الحكومية بيانات نوعية من خلال الاستطلاعات ومجموعات التركيز لضبط التطبيق، حيث تسعى لتوسيع نطاق انتشاره.

قال "نيلسون": "نجري محادثات في بلدان أخرى تعمل فيها (أوبورتونيتي)". وتابع: "نظراً لأننا لدينا شبكات وكلاء لدعم المزارعين في جميع أنحاء منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، لدينا بالفعل نظام لنشر الأداة، التي من السهل إنشاؤها، لكن التحقق من صحتها هو ما يستغرق وقتاً، فنحن بحاجة للتأكد من أن لدينا المحتوى والشركاء واللغات المناسبين".

بينما عملت "أوبورتونيتي"، التي يمولها شركاء مثل شركتي "سيسكو سيستمز" (Cisco Systems) و"ماستركارد"، على تغطية تكلفة المشروع التجريبي لـ"أولانغيزي"، فإنه يسعى الآن للحصول على تمويل لتوسيع نطاق تواجده عبر مالاوي وأماكن أخرى من العالم. وقالت "أوبورتونيتي" إن التمويل سيأتي من الشركات والجهات المانحة الخيرية.

عادةً ما يعيش صغار المزارعين في فقر مدقع، وهناك مئات الملايين حول العالم يحتاجون إلى الوصول إلى أفضل الممارسات، وفقاً لتيم سترونغ، رئيس قسم التمويل الزراعي في المنظمة غير الحكومية.

وقال "سترونغ" إن "أصحاب المزارع الصغيرة ينتجون حالياً حوالي 20% إلى 30% من إمكانياتهم الإنتاجية، لكن الزراعة بحاجة إلى مضاعفة إنتاجية محاصيل الحبوب وزيادة إنتاجية الخضروات ثلاثة أضعاف لإطعام الكوكب بحلول 2050، لذا فإن هذا مجال حاسم لضمان تحول أصحاب المزارع الصغيرة لأفضل المنتجين الممكنين".

بدأت المجموعة في مالاوي، حيث كانت حكومة البلاد منفتحة للعمل مع وكالات الإغاثة مثل برنامج الغذاء العالمي وطلب المساعدة لسكانها الذين يعتمدون على الزراعة، خاصة بعد إعصار "فريدي".

تحديات مجتمعية

على الرغم من أن الحكومة لديها وكلاء إرشاد زراعي، إلا أن عددهم غير كافٍ. فعلى الصعيد الوطني، هناك وكيل واحد لكل 2500 إلى 3000 أسرة زراعية، مقابل التوصية بواحد لكل 500 إلى 700 أسرة. وقال ويبستر جاسي، مسؤول منهجيات الإرشاد الزراعي لمنطقة ليلونغوي الغربية، إن هناك 341 مستشاراً فقط حول العاصمة لحوالي ربع مليون مزارع، مضيفاً أن زيارة كل مزارع "مهمة شاقة".

كانت هذه المقاييس سبباً في جعل تطبيق "أولانغيزي" جذاباً.

وقالت غريس كاليمبيرا، وهي مزارعة عمرها 40 عاماً: "في مارس، أصيبت خنازيري بجروح صغيرة ولم أكن أعرف كيفية وصفها، ثم اقترح وكيل دعم المزارعين لدينا أن نلتقط صورة ونرسلها، وفعلنا ذلك وشرح التطبيق بالتفصيل ما كانت تعاني منه الخنازير والأدوية التي يجب شراؤها. لو كان لدينا هذا التطبيق في العام الماضي، ربما لم أفقد الكثير من خنازيري".

الوصول إلى الإنترنت

لا تزال هناك تحديات. ففي ندودو، ليس هناك سوى هاتف ذكي واحد لـ150 قروياً، حسبما قال "تشيماليزيني". كما أن الاتصال بشبكات الإنترنت ليس شاملاً في مالاوي، ولا تزال تكاليف استخدام شبكة البيانات مرتفعة للغاية بالنسبة للمزارعين في واحدة من أفقر دول القارة، رغم أنها ضمن أدنى المعدلات في أفريقيا.

وقال سانكاني متوسو، مزارع من قرية تشيسيكا الواقعة على ضواحي ليلونغوي، إن "شبكة الهاتف المحمول في هذه المنطقة ضعيفة"، وأضاف: "بصرف النظر عن ذلك، تعد تكلفة حزمة البيانات مرتفعة بالنسبة لنا كأصحاب مزارع صغيرة لا يملكون دخلاً مستقراً".

كذلك، أفاد موسى كونكيو، وزير الإعلام في البلاد، في مقابلة مع "بلومبرغ"، أن حوالي مليوني مالاوي لديهم إمكانية الوصول إلى الإنترنت، وهناك 12 مليون شريحة هاتف مسجلة، لكن الوصول إلى الأجهزة الذكية لا يزال محدوداً. ومع ذلك، يمكن للمزارعين استخدام تطبيق "واتساب" على بعض الهواتف الأساسية.

يقول المزارعون الذين شاركوا في تجربة تطبيق الذكاء الاصطناعي إنه يوفر لهم الوقت والمال.

قال مارون غاليتا، وهو أب لطفلين وعمره 32 عاماً، إن "العمل على التطبيق أسرع". وتابع: "في الماضي، كنا ننتظر عدة أيام حتى يأتي عمال الإرشاد الزراعي لحل أي مشكلات نواجهها في مزارعنا، لكن لم يعد الأمر كذلك، فبمجرد لمسة زر واحدة نحصل على كافة المعلومات التي نحتاجها".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك