لم يعد من الممكن إغراء مجموعة غولدمان ساكس بشراء أذون الخزانة المصرية، في الوقت الذي تتطلع فيه حكومة إحدى أكثر دول العالم الناشئ مديونية لخفض تكلفة الاقتراض. فقد الطلب على أدوات الدين الحكومية المصرية قصيرة الأجل زخمه، في انعكاس حاد للمشاعر بعد بضعة أشهر فقط من الحماس على اقتناء أدوات الدين الحكومية في أعقاب تغييرات مفاجئة في السياسات الاقتصادية.
بعد اجتماعات هذا الأسبوع في مصر مع صناع السياسات والمحللين والمشاركين في السوق المحلية، يشير "غولدمان" إلى أن الثبات المتصنّع للعائد كان السبب وراء فقدان هذه الأصول بريقها، والتي كانت حتى وقت قريب واحدة من أكثر الأصول جاذبية بين مستثمري الأسواق الناشئة.
فاروق سوسة، الخبير الاقتصادي في "غولدمان" قال إن "أسعار الفائدة الحالية جعلت سندات الخزانة قصيرة الأجل غير جذابة بشكل كبير". وأضاف في تقرير نُشر يوم الأربعاء "لا يتجاوز العائد الأقصى لأذون الخزانة 26%" لجميع آجال الاستحقاق بعد خصم الضريبة، وهو ما يجعلها أقل بنحو 700 نقطة أساس من سعر الفائدة القياسي (الحقيقي) في مصر.
تراجع حاد في العطاءات
تضاءلت العطاءات على أذون في الأشهر الأخيرة بعد أن شهدت تدفقات قياسية في مارس مع انخفاض العوائد بشكل كبير.
تخطى الطلب على أذون الخزانة لأجل 364 يوماً 400 مليار جنيه مصري (8.4 مليار دولار) خلال مزاد واحد في مارس الماضي، وهو أعلى مستوى على الإطلاق، مع شهية المستثمرين القوية لكافة الإصدارات بمختلف آجال الاستحقاق. فيما انخفض الطلب بنحو 97% إلى نحو 241 مليون دولار في أحدث مزاد في يونيو الجاري.
قد يعكس هذا التحول تغيّراً في تركيز الحكومة، التي تقدّر وكالة "إس آند بي" للتصنيفات الائتمانية أن 58% من إيراداتها سيتم إنفاقها على خدمة الديون وحدها في السنة المالية 2024. قال وزير المالية محمد معيط في أبريل "أولويتنا هي خفض تكلفة الاقتراض، وعدم قبول العروض ذات العائد المرتفع بدلاً من زيادة التدفقات".
وأضاف معيط في المقابلة أنه بمجرد أن تبدأ أسعار الفائدة في الانخفاض، ستعتمد الوزارة بشكل أكبر على أدوات الدين متوسطة وطويلة الآجال.
في الوقت الحالي، التوقعات محدودة بشأن خفض أسعار الفائدة في مصر من أعلى مستوى لها على الإطلاق في أي وقت قريب، حتى مع تباطؤ التضخم رغم الانخفاض الحاد في قيمة الجنيه في مارس. "جيه بي مورغان تشيس آند كو" من ضمن من يستبعدون أي خفض للفائدة هذا العام.
ونظراً للرأي السائد بأن مصر من غير المرجح أن تخفف السياسة النقدية قبل الربع الرابع، يرى سوسة من "غولدمان ساكس" أنه لا يوجد حافز اقتصادي لشراء سندات الخزانة قصيرة الأجل، ولا حتى تلك ذات أجل عام واحد". مضيفاً: "لذلك من المرجح أن تظل التدفقات إلى سوق سندات الخزانة ضعيفة".
رأي متفائل
على الجانب الآخر، عبر آخرون عن تفاؤلهم بشأن آفاق مصر. قال تشارلي روبرتسون من "إف آي إم بارتنرز" (FIM Partners) إنه لا "يرى أي سبب وجيه لضعف شهية المستثمرين"، وتوقع خفض أسعار الفائدة في غضون بضعة أشهر.
تباطأ التضخم في مصر إلى أبطأ وتيرة في 18 شهراً، حيث ارتفعت أسعار المستهلك في مدن الدولة الواقعة في شمال أفريقيا إلى 28.1% في مايو على أساس سنوي، مقارنة بـ32.5% في الشهر السابق. وانخفضت أسعار المستهلكين بنسبة 0.7% على أساس شهري، وهو أكبر انخفاض منذ يونيو 2019.
قال روبرتسون: "هذه اتجاهات جيدة للغاية، ومع الحد الأدنى من مخاطر انخفاض سعر العملة، من الصعب أن نرى ما يمكن أن يعطل اتجاه التضخم المتحسن". وأضاف: "يجب أن يشجع مسار التضخم الجيد المزيد من الاهتمام".
تلقت مصر بالفعل نحو 57 مليار دولار ما بين استثمارات أجنبية وتعهدات بقروض من صندوق النقد الدولي والإمارات العربية المتحدة ودول أخرى، ما يمنحها طريقاً للخروج من أزمة طاحنة استمرت عامين.
ولكن رغم انخفاض متطلب الاقتراض الحكومي بشكل حاد في الربع الثاني، يتوقع "غولدمان" أن يرتفع في الأشهر الثلاثة اللاحقة، ما قد يضع ضغوطاً على العائدات المحلية. كما قد تخلق ظروف السوق العالمية أيضاً رياحاً معاكسة جديدة للأصول المصرية.
قال سمير جاديو، رئيس استراتيجية أفريقيا في بنك ستاندرد تشارترد: "قد نحتاج أن نضع في الحسبان أن التمركز الأجنبي في سندات الخزانة المحلية أصبح الآن مهماً". وأشار أن "تركيز المستثمرين الأجانب ربما كان على الأسواق الناشئة مع الانتخابات المهمة في الفترة الماضية ومع ارتفاع العائدات الأميركية أواخر مايو، وهو ما أثر على التوجه للمخاطرة بسندات مصر".