من نيويورك إلى لندن إلى طوكيو، إذا كان هناك تشابه واحد بين مؤشرات أسواق الأسهم العالمية فهو: الارتفاعات القياسية.
وصلت مؤشرات 14 من بين أكبر 20 سوقاً للأوراق المالية في العالم إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق مؤخراً.
أحرز مؤشر "مورغان ستانلي للأسهم العالمية" (MSCI ACWI)، الذي يتتبع الأسواق المتقدمة والناشئة، رقماً قياسياً، مسجلاً مستوى مرتفعاً جديداً آخر يوم الجمعة.
وفي الولايات المتحدة، سجل مؤشرا "إس آند بي 500" (S&P 500)، و"ناسداك 100" مستويات قياسية هذا الأسبوع، في حين تجاوز مؤشر "داو جونز الصناعي" مستوى 40 ألف نقطة للمرة الأولى على الإطلاق. وفي الوقت نفسه، فإن مؤشرات أكبر البورصات في أوروبا وكندا والبرازيل والهند واليابان وأستراليا وصلت حالياً إلى قيمتها أو تتحرك بالقرب منها.
ظروف داعمة
التخفيضات الوشيكة في أسعار الفائدة وقوة الاقتصادات وأرباح الشركات تقود هذا النشاط. علاوة على ذلك، هناك الكثير من الدوافع المحتملة لمواصلة الصعود، مثل 6 تريليونات دولار الموجودة في الصناديق النقدية، في ظل استمرار ندرة المخاطر.
"من منظور الاقتصاد الكلي، لا توجد إشارات حمراء"، وفق سلمان أحمد، الرئيس العالمي لتخصيص الأصول الكلية والاستراتيجية في شركة "فيديليتي إنترناشيونال"، الذي يوصي بشراء الأسهم العالمية في محافظه متعددة الأصول، مضيفاً: "الصورة الدورية لا تزال قوية، كما أن الارتفاع يتسع".
تراجع الأسهم العالمية في أبريل لم يدم طويلاً، في ظل استمرار ظهور المشترين عند انخفاض الأسعار. ويساعد ذلك في تفسير سبب عدم انخفاض مؤشر "إس آند بي 500" بنسبة 2% (فيي جلسة واحدة) خلال 311 يوماً، في أطول سلسلة متواصلة له منذ 2017-2018. وحتى مؤشرات الأسهم الصينية، التي كانت تكافح منذ أن بلغت أعلى مستوياتها في فبراير 2021، بدأت في العودة للارتفاع.
مع أخذ كل ذلك في الاعتبار، إليك الوضع في أسواق الأسهم الرئيسية حول العالم:
12 تريليون دولار
سجل مؤشر "إس آند بي 500" 24 مستوى مرتفعاً جديداً على الإطلاق في 2024، بعد ركوده لمدة عامين، إذ أضافت الأسهم الأميركية 12 تريليون دولار لقيمتها السوقية في موجتها الصاعدة منذ أواخر أكتوبر. جزء من ذلك هو الآمال بهبوط سلس مع بقاء الاقتصاد قوياً، بينما يهدأ التضخم، وهو ما يحفز الرهانات على أن الاحتياطي الفيدرالي سيتمكن من تيسير السياسة النقدية في وقت لاحق من هذا العام.
الجزء الآخر هو الحماس لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. وتجدر الإشارة إلى أن شركة رقائق الذكاء الاصطناعي الكبرى "إنفيديا" مسؤولة وحدها عن حوالي ربع مكاسب مؤشر "إس آند بي 500". وبإضافتها لمساهمات "مايكروسوفت" و"أمازون" و"ميتا" و"ألفابت"، نجد أن هذه الشركات الخمسة وحدها شكلت 53% من صعود المؤشر.
لذلك ربما كان الإنجاز الجديد لمؤشر "داو جونز" هذا الأسبوع هو التطور الأكثر أهمية، لأنه أقل ثقلاً تجاه شركات التكنولوجيا الكبيرة، وفق ديف مازا، الرئيس التنفيذي لشركة "راوندهيل إنفستمنتس" (Roundhill Investments).
وقال: "على الرغم من أن قوة قطاع التكنولوجيا كانت مهمة للغاية في دفع مؤشرات الأسواق لبلوغ أعلى مستوياتها، إلا أنه ليس القطاع الوحيد الذي يحقق أداءً جيداً". و"بينما كان البعض يشير إلى أن السوق كانت شديدة التركز (أي معتمدة على عدد أسهم قليل في الصعود) في العام الماضي، لا يمكنك قول الشيء نفسه في 2024".
تفوق أرباح الشركات الأوروبية
تشهد مؤشرات الأسهم الأوروبية أيضاً فورة قياسية حيث تظهر البيانات الاقتصادية علامات على الوصول إلى القاع وسط مفاجآت إيجابية هذا العام. وهذا يغذي أرباح الشركات ويدفع آفاق الأسواق لمزيد من الصعود.
وقال استراتيجيو بنك "بي إن بي باريبا" بقيادة جورج ديباس: "تبين أن موسم الأرباح جاء أفضل مما كان متوقعاً"، مشيرين إلى أن أرباح ثلاثة أرباع الشركات الأوروبية جاءت متوافقة مع التوقعات أو تجاوزتها، مع تحسن الهوامش. وهذا يعزز تقديرات المحللين للأرباح المستقبلية، مما يرفع أسعار الأسهم إلى الأعلى.
ارتفع مؤشر الأسهم الأوروبية "ستوكس 600" في خمسة من الأشهر الستة الماضية، ومن المرجح أن يكون الاختلاف في السياسة النقدية عن الولايات المتحدة بمثابة تحدي للأسهم في المنطقة. إذ اتخذ البنك المركزي الأوروبي لهجة أكثر تيسيراً من بنك الاحتياطي الفيدرالي خلال الأشهر القليلة الماضية، وتتوقع أسواق السندات أن يخفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة قبل نظيره الأميركي للمرة الأولى على الإطلاق.
في حين أن الارتفاع كان يتركز بشكل كبير في عدد قليل من الأسهم، إلا أنه يتسع منذ فبراير، حيث ساهم 16 سهماً بنسبة 50% من المكاسب السنوية في مؤشر "ستوكس 600". وساهم سهم "نوفو نورديسك" (Novo Nordisk) الأكبر، بحوالي 10% من المكاسب التي حققها المؤشر هذا العام، في حين تمثل "إيه إس إم إل هولدينغ" (ASML Holding) و"ساب" (SAP) 7.7% و4.3% على التوالي.
المعادن تدعم أسعار الأسهم
تفوق مؤشر "فوتسي 100" (FTSE 100) في المملكة المتحدة على مؤشر "يورو ستوكس 50" (Euro Stoxx 50) مقوماً بالدولار على مدار الأشهر الثلاثة الماضية، متعافياً كثيراً من أدائه الضعيف منذ بداية العام. وكان ارتفاع أسعار السلع الأساسية محركاً رئيسياً، مما ساعد واحدة من أرخص أسواق الأسهم المتقدمة في العالم على البدء في اللحاق بمنافسيها.
كما دفع قطاع السلع الأساسية الأكثر تأثراً اقتصادياً مؤشر الأسهم الرئيسي في كندا، وهو مؤشر "S&P/TSX" المركب، إلى أعلى مستوى له على الإطلاق. سجلت أسعار الذهب والنحاس أرقاماً قياسية متواصلة هذا العام، مما أعطى دفعة لقطاع التعدين الضخم في البلاد، والذي يمثل أكثر من 12% من وزن المؤشر.
وكتب محللا بلومبرغ إنتليجنس، جيليان وولف وجينا مارتن آدامز، في مذكرة: "أسعار المعادن الثمينة تقترب من أعلى مستوياتها خلال عقد، والتي سجلتها قبل بضعة أسابيع فقط، مما قد يبقي المؤشر الكندي مدعوماً في الوقت الحالي، رغم أن تحولها للهبوط قد يُحدث مشكلات".
عودة اليابان
صعد مؤشر الأسهم اليايانية "نيكاي 225" (Nikkei 225) بنسبة 16% هذا العام، بعد مكاسبه البالغة 28% العام الماضي. وجذبت البلاد المستثمرين واستفادت من حملتها لتحسين عوائد المساهمين، وضعف الين وإنهاء أسعار الفائدة السلبية في اليابان.
وقال استراتيجيو "بلاك روك" إن انخفاض قيمة الين الياباني قد يؤدي تثبيط حماس المستثمرين الأجانب. لكنهم يعتقدون أيضاً أن التوقعات جيدة على المدى الطويل بسبب إصلاحات الشركات والاستثمارات المحلية ونمو الأجور.
كما شهدت سوق المال في الهند صعوداً قوياً، ليسجل مؤشر "إس آند بي بي إس إي سنسكس" (S&P BSE Sensex) القياسي أرقاماً قياسية متفوقاً على الصين، وذلك بفضل تعهدات الاستثمار الحكومية وتوسع الاقتصاد. ومع ذلك، تحول المستثمرون إلى الحذر في الأسابيع الأخيرة بسبب عدم اليقين بشأن الانتخابات والتقييمات المرتفعة.
وفي الوقت نفسه، سجل مؤشر "S&P/ASX 200" الأسترالي أعلى مستوى له في 28 مارس بعد أن عززت بيانات التضخم الرهانات على أن أسعار الفائدة بلغت ذروتها. منذ ذلك الحين، تحولت الآفاق مع توقع مسؤول سابق في البنك المركزي أن التخفيضات قد تأتي فقط في أواخر 2025. ومع ذلك، عادت مؤشرات الأسهم الأسترالية لتقترب من قمتها القياسية.