تحركت مؤشرات الأسهم بأكبر سوق للأوراق المالية في العالم بالقرب من أعلى مستوياتها على الإطلاق، ليلامس مؤشر داو جونز الصناعي مستوى 40 ألف نقطة التاريخية وسط رهانات على أن تخفيضات أسعار الفائدة ستواصل دعم الشركات الأميركية.
صعد أقدم مؤشرات الأسهم الرئيسية الثلاثة في وول ستريت بفضل آفاق الاقتصاد القوي، وانحسار التضخم، وأرباح الشركات القوية. استغرق مؤشر "داو جونز" 872 جلسة تداول حتى يوم الأربعاء ليضيف 10 آلاف نقطة لرصيده، أو مكاسب بنسبة 33%، معوضاً جميع خسائره جراء الزيادات القوية في أسعار الفائدة التي قام بها الاحتياطي الفيدرالي على مدى العامين الماضيين، وفقاً للبيانات التي جمعتها بلومبرغ.
"دوا جونز" عند 40 ألف نقطة
المرة الأخيرة التي كسر فيها مؤشر "داو جونز" منطقة رئيسية كانت في نوفمبر 2020، عندما تجاوز مؤشر الأسهم القيادية مستوى 30000 نقطة لأعلى –وسط سلسلة من التطورات الصديقة للسوق التي أطلقت العنان للتحركات الجامحة– حتى مع استمرار تفشي الوباء. هذه المرة، يتحدى السوق القول المأثور القديم "بيع في مايو ثم ارحل"، مع اتجاه مؤشرات الأسهم نحو تسجيل أفضل شهر لها في 2024.
قال كريس زاكاريللي من "إندبندنت أدفايزور أليانس" (Independent Advisor Alliance): "يُعد كسر حاجز 40 ألف نقطة بمثابة دفعة نفسية كبيرة للمضاربين على الارتفاع، حيث إن الأرقام المقربة لها أهمية خاصة في قلوب الناس وعقولهم. تتجه الأسواق الآن إلى منطقة مبالغ في تقييمها، لذلك من الحكمة التعامل مع متوسط تكلفة الدولار وأن نكون أكثر انتقائية عند الاستثمار في الأسهم".
أغلق مؤشر "إس آند بي 500" (S&P 500) دون مستوى 5300 نقطة. ارتفع سعر سهم "ولمارت" (Walmart) وسط توقعات متفائلة، حيث يجذب بائع التجزئة الكبير المستهلكين الذين يبحثون عن الأساسيات والخصومات. تراجعت أسعار أسهم "غيم ستوب" و"إيه إم سي إنترتينمنت" (AMC Entertainment) مع زوال هوس أسهم الميم.
ارتفعت عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات أربع نقاط أساس إلى 4.38%. وعادت قيمة الدولار للصعود من جديد.
هل ستواصل أسعار الأسهم الصعود؟
قال ريان ديتريك، من "كارسون غروب": "40,000.. هذا إنجاز عظيم، ولكن في نهاية المطاف، لا يوجد فرق كبير بين 39,999 نقطة و40 ألفاً، ومع ذلك، هذا تذكير عظيم بالمدى الذي وصلنا إليه. فكر في عدد الأشخاص الذين كانوا يتحدثون عن الركود والأسواق الهابطة طوال العام الماضي، والآن عدنا مرة أخرى إلى مستويات قياسية جديدة".
هل يمكن لأسعار الأسهم أن تواصل الصعود؟
قال ديتريك: "نعتقد أنها قادرة على ذلك. فالأرباح تواصل تفوقها على التوقعات، والميزانيات العمومية للشركات الأميركية في حالة رائعة، في حين قد يواجه الإنفاق الاستهلاكي بعض الضعف، لكنه لا يزال قوياً بفضل ظروف التوظيف الصحية للغاية. ثم فكر في احتمالية انخفاض أسعار الفائدة، وذلك بفضل التضخم الذي من المفترض أن يتحسن بشكل كبير في النصف الثاني من هذا العام".
أمّا مات مالي، من "ميلر تاباك+كو" (Miller Tabak + Co)، فيرى أنه من المرجح جداً أن يكون هناك "استراحة" قصيرة المدى في الوقت الحالي، وستكون بمثابة تطور صحي بعد الصعود إلى أرقام قياسية جديدة.
وأوضح مالي: "هناك مجال كبير لسوق الأسهم إذا حدث تراجع على المدى القصير قريباً.. بعبارة أخرى، لا يزال المضاربون على الارتفاع يسيطرون بالكامل في الوقت الحالي، وبالتالي سيتطلب الأمر انخفاضاً كبيراً لوقف موجة الزخم الصعودي".
ثقة في الهبوط السلس
وقالت ليزا شاليت، كبيرة مسؤولي الاستثمار في "مورغان ستانلي أسيت مانجمنت"، إن السوق تظهر المزيد والمزيد من الثقة في هبوط سلس حقيقي، أو حتى عدم وجود سيناريو هبوط، حيث يستمر النمو الاقتصادي الإجمالي في الولايات المتحدة في البقاء قوياً. وأضافت: "من المنطقي أن مجموعة أوسع من الشركات، حتى تلك التي هي أكثر دورية في مجالات مثل الصناعات والمواد والطاقة، يمكن أن تحقق نتائج جيدة".
رفع المحللون توقعاتهم لأرباح الشركات بالربع الحالي بأسرع وتيرة منذ عامين، مما يشير إلى أن أسوأ تراجع في أرباح الشركات الأميركية قد يكون انتهى، حسبما تظهر بيانات بلومبرغ إنتليجنس.
يرى جون لينش من "كوميريكا ويلث مانجمنت" (Comerica Wealth Management)، أن وصول مؤشر داو جونز إلى 40 ألف نقطة يعد بمثابة شهادة على قوة تكوين رأس المال، والابتكار، ونمو الأرباح، وقوة الاقتصاد.
حذر مطلوب
وأضاف: "أن الزخم الفني الأخير ونقاط القوة الأساسية، بما في ذلك الأرباح وأسعار الفائدة، تشير إلى مزيد من الصعود على المدى القريب". و"يجب على المستثمرين أن يكونوا حريصين على عدم الاندفاع بسرعة بعد هذا الصعود، خاصة أن مزيجاً من العوامل الجيوسياسية والتقييمات وأسعار الفائدة في السوق قد يؤدي إلى تحول مفاجئ في الاتجاه".
تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من تطور مؤشر "داو جونز" بمرور الوقت منذ أن أطلقه الصحفي الأميركي تشارلز داو لأول مرة في 1896، إلا أنه لا يزال مقياساً أضيق بكثير للأسهم من مؤشري "إس آند بي 500" و"ناسداك 100".
فمؤشر داو جونز مرجح بالأسعار (price-weighted)، مما يعني أن التغيرات في الأسهم الأعلى سعراً لها تأثير أكبر على مستوى المؤشر مقارنة بتحركات أسعار الأسهم الأقل سعراً. ومع ذلك، فإن مؤشر "إس آند بي 500" مرجح برأس المال السوقي (market-cap-weighted).
تصريحات مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي
كما يراقب المتداولون عن كثب تصريحات مسؤولي السياسة النقدية لدى الاحتياطي الفيدرالي، حيث قال ثلاثة مسؤولين إن البنك المركزي يجب أن يبقي تكاليف الاقتراض مرتفعة لفترة أطول حيث ينتظر صناع السياسة النقدية المزيد من الأدلة على تراجع التضخم، مما يشير إلى أنهم ليسوا في عجلة من أمرهم لخفض أسعار الفائدة.
جادل رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند لوريتا ميستر، ورئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك جون ويليامز، ورئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في ريتشموند توماس باركين، بشكل منفصل يوم الخميس، بأن الأمر قد يستغرق وقتاً أطول حتى يصل التضخم إلى هدفه البالغ 2%.
من جهة أخرى، قال جيمي ديمون إنه لا يزال يشعر بقلق أكبر بشأن التضخم مما تبدو عليه الأسواق.
الرئيس التنفيذي لـ"جيه بي مورغان" أوضح أن ضغوط الأسعار الكبيرة لا تزال تؤثر على الاقتصاد الأميركي وقد تعني أن أسعار الفائدة ستكون أعلى لفترة أطول مما يتوقعه العديد من المستثمرين. وأشار ديمون إلى التكاليف المرتبطة بالاقتصاد الأخضر وإعادة بناء القدرات العسكرية والإنفاق على البنية التحتية والنزاعات التجارية والعجز المالي الكبير.
وقال ديمون في مقابلة مع تلفزيون بلومبرغ يوم الخميس: "هناك الكثير من القوى التضخمية أمامنا. قد لا يختفي التضخم الأساسي بالطريقة التي يتوقعها الناس".