التضخم قلب رهانات السوق رأساً على عقب

مؤشرات الأسهم الأميركية تتراجع مع ضعف آمال خفض الفائدة

لافتة تدل على شارع وول ستريت في نيويورك - المصدر: بلومبرغ
لافتة تدل على شارع وول ستريت في نيويورك - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

انخفضت مؤشرات الأسهم والسندات خلال تداولات وول ستريت، بعدما أشار تقرير آخر عن التضخم، إلى أن بنك الاحتياطي الفيدرالي لن يكون في عجلة من أمره لخفض أسعار الفائدة هذا العام، في وقت ارتفعت أسعار النفط مع عودة التوترات الجيوسياسية إلى الظهور.

واصلت مؤشرات الأسهم خسائرها في أبريل، مع انخفاض مؤشر "إس آند بي 500" بنحو 1%، حيث تجاوز مؤشر أسعار المستهلكين التوقعات للشهر الثالث. وفي إعادة تسعير متشددة لمنحنى سندات الخزانة، تجاوزت عائدات السندات لأجل 10 سنوات 4.5%، في وقت تظهر مقايضات بنك الاحتياطي الفيدرالي الآن رهانات على تخفيضين فقط لأسعار الفائدة لعام 2024.

كما أثر الانعكاس الحاد في أسعار النفط على المعنويات، حيث أفادت "بلومبرغ نيوز" بأن الولايات المتحدة وحلفاءها يعتقدون أن إيران أو وكلائها قد يشنون هجمات صاروخية أو عبر طائرات مسيرة على إسرائيل.

وبينما يقطع بنك الاحتياطي الفيدرالي "الميل الأخير" نحو هدف التضخم بنسبة 2%، فإن القلق هو أن ضغوط الأسعار قد لا تكون مجرد "عثرة في الطريق"، خصوصاً مع ترسيخ سردية سعر الفائدة الأعلى لفترة أطول.

أظهر محضر اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأخير أن "جميع" المسؤولين تقريباً اعتبروا أنه سيكون من المناسب إدخال تحول في السياسة النقدية "في مرحلة ما" هذا العام. لكن التضخم قلب رهانات السوق رأساً على عقب منذ ذلك الحين.

قال ريتشارد فلين من شركة "تشارلز شواب" إن "الاحتياطي الفيدرالي يأخذ في كثير من الأحيان المصعد عند رفع أو خفض أسعار الفائدة"، وذلك في إشارة إلى السرعة، مضيفاً أن "الأمر حالياً يبدو كما لو أنه سيختار السلالم" بالنسبة لقرار خفض أسعار الفائدة في هذه الدورة.

كما أظهر محضر اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي أيضاً أن صناع السياسة "يفضلون بشكل عام" إبطاء وتيرة تقليص محفظة الأصول بمقدار النصف تقريباً.

انخفض مؤشر "إس آند بي 500" إلى حوالي 5160 نقطة، وارتفعت عوائد سندات الخزانة لأجل عامين بمقدار 23 نقطة أساس إلى 4.97%. ويتجه الدولار نحو أكبر تقدم له منذ يناير. كما ساعد بيع ضعيف بقيمة 39 مليار دولار لسندات لأجل 10 سنوات على رفع العائدات. وصعد خام "برنت" مجدداً إلى ما فوق 90 دولاراً للبرميل.

اقرأ أيضاً: تقرير التضخم في الولايات المتحدة يضغط على أسعار الذهب

زيادة التعقيد

ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي لشهر مارس، والذي يستثني تكاليف الغذاء والطاقة، بنسبة 0.4% عن فبراير، وفقاً للبيانات الحكومية الصادرة يوم الأربعاء. مقارنة بالعام الماضي، ارتفع بنسبة 3.8%، من دون تغيير عن الشهر السابق.

أرقام التضخم هذه، إلى جانب تقرير الوظائف الذي صدر الأسبوع الماضي، تزيد من تعقيد توقيت تخفيضات أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي، وفقاً لتيفاني وايلدينغ من شركة "باسيفيك إنفستمنت مانجمنت" (Pacific Investment Management Co).

وأشارت إلى أن هذه الدلائل لا تقدم حجة قوية لتأجيل توقيت التخفيض الأول إلى ما بعد منتصف العام فحسب، بل تعزز أيضاً احتمالات قيام الولايات المتحدة بتخفيف السياسة بمعدل أبطأ من نظيراتها في الأسواق المتقدمة.

من جهته، أشار جيسون برايد من "غلينميد" إلى أن "التضخم في الوقت الحالي يشبه (الطفل العنيد) الذي يرفض الاستجابة لنداء الوالدين بمغادرة الملعب"، مضيفاً أنه "نتيجة لذلك، يجب على المستثمرين أن يكونوا مستعدين لنظام نقدي أعلى لفترة أطول".

هذا لا يعني أن أسعار الفائدة سترتفع، ولكن الفترة للوصول إلى خفض أسعار الفائدة هي ربع آخر، وفقاً لجيمي كوكس من "مجموعة هاريس المالية".

أما غريغ ماكبرايد من "بانك رايت" فقال: "يمكنك أن تودع خفض أسعار الفائدة في يونيو"، موضحاً: "لا يوجد تحسن هنا، نحن نسير في الاتجاه الخاطئ".

بالنسبة لنيل دوتا من "رينيسانس ماكرو ريسيرش"، فإن مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي سيخفضون أسعار الفائدة هذه السنة، ولكنهم لن يبدأوا في يونيو.

وأضاف: "أعتقد أن شهر يوليو محتمل، مما يعني أن التخفيضين سيظلان خط أساس معقولاً"، وتابع: "إذا لم ينفذ بنك الاحتياطي الفيدرالي تخفيضاً في يوليو، فسوف يحتاج المستثمرون إلى القلق بشأن تبعية المسار. على سبيل المثال، هل سيكون شهر سبتمبر قريباً جداً من موعد الانتخابات؟ إذا لم يكن الموعد في يونيو، فهو في يوليو. إذا لم يكن في يوليو، فهو في ديسمبر".

اقرأ أيضاً: مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي في أميركا يفوق التوقعات مجدداً

في بداية العام، تجاوز مقدار التيسير المقرر لعام 2024، 150 نقطة أساس. واستندت هذه التوقعات إلى وجهة نظر مفادها بأن الاقتصاد الأميركي سوف يتباطأ استجابة لرفع أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي 11 مرة على مدى العامين الماضيين. ولكن بيانات النمو تجاوزت التوقعات على نطاق واسع.

وفي حين أكد رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول مراراً وتكراراً على أن الظروف المالية تؤثر على الاقتصاد، فإن العديد من التدابير القائمة على السوق تشير إلى خلاف ذلك. أضافت الأسهم 12 تريليون دولار من القيمة منذ أكتوبر وحده، مما ساهم في أن تصبح قراءات مقياس الظروف المالية التي تتبعها "بلومبرغ" أكثر مرونة مما كانت عليه قبل أن يبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في تشديد السياسة.

وقال تورستن سلوك من شركة "أبولو غلوبال مانجمنت"، إن "الظروف المالية الميسرة تستمر في توفير دفعة قوية للنمو والتضخم"، و"نتيجة لذلك، لم ينته بنك الاحتياطي الفيدرالي من مكافحة التضخم، وستظل أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول".

وأضاف: "نحن متمسكون بوجهة نظرنا بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي لن يخفض أسعار الفائدة في عام 2024".

رفع أسعار الفائدة

ذهب وزير الخزانة السابق لورانس سامرز إلى أبعد من ذلك عندما قال إنه يتعين على المرء أن "يأخذ على محمل الجد احتمال أن تكون حركة سعر الفائدة التالية صعوداً وليس هبوطاً".

وقال في مقابلة مع ديفيد ويستن على تلفزيون "بلومبرغ" إن مثل هذا الاحتمال يتراوح بين 15% إلى 25%.

على الرغم من الأدلة المبكرة على إعادة تنشيط الاقتصاد، فإن الأدلة على رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة في هذه المرحلة مرتفعة للغاية، وفق لورين غودوين من "نيويورك لايف للاستثمارات".

وبيّنت أن "الإشارة إلى أن أسعار الفائدة قد ترتفع، يمكن أن يقابلها تشديد سريع في الظروف المالية في السوق"، مضيفة: "نعتقد أن هناك ما يكفي من الأدلة على توسع التشققات تدريجياً في الاقتصاد لإبقاء تشديد السياسة النقدية خارج نطاق البحث، إلا إذا تسارع التضخم بشكل ملموس".

اقرأ أيضاً: بيانات التضخم المرتقبة قد تطيل دراما خفض الفائدة الأميركية

قد تكون القراءة المرتفعة الأخرى لمؤشر أسعار المستهلكين هي "المسمار الأخير في نعش" خفض أسعار الفائدة في يونيو، ولكن يبقى أن نرى ما إذا كان عام 2024 سيكون عاماً يحمل تخفيضين أو شيء أقل، وفق كريس لاركين من "إي ترايد" في "مورغان ستانلي".

أما كريس زاكاريللي من "إندبندنت ادفايزور آليانس" (Independent Advisor Alliance)، فاعتبر أن بنك الاحتياطي الفيدرالي لا يزال متحيزاً لخفض أسعار الفائدة، ومن المرجح أن يفعل ذلك في يوليو أو سبتمبر. ومع ذلك، إذا ظل التضخم ثابتاً، فقد يكون هذا هو التخفيض الوحيد لسعر الفائدة الذي سنحصل عليه هذا العام.

وأضاف: "لقد غادرت غولديلوكس المبنى. التضخم لا ينخفض، وسوف تتضاءل الآمال في خفض أسعار الفائدة أكثر في المستقبل".

يخاطر المتداولون وصناع السياسات على حد سواء بقراءة الكثير في بيانات التضخم في الولايات المتحدة الذي فاق التوقعات، وهز الأسواق، وأثار تساؤلات حول دورة خفض أسعار الفائدة للبنك المركزي، وفقاً لأنجيل أوبيدي أحد كبار الاستراتيجيين الكليين في "سيتاديل" (Citadel).

وأضاف رئيس الأبحاث الاقتصادية للدخل الثابت والكلي في "سيتاديل" لتلفزيون "بلومبرغ"، أن "المسار لم يكن ثابتاً أبداً. إننا نشهد مطبات، وهذه المطبات مجرد جزء من اللعبة". وأضاف: "ما لم يكن هناك خطأ سياسي - وأنا لا أقول إنه سيكون هناك - يجب أن نرى التضخم يقترب تدريجياً نحو 2%".

الأرباح لدعم ارتفاع الأسهم

نظراً لأن التضخم المرتفع يزيل احتمالية خفض أسعار الفائدة في المستقبل القريب، فإن ذلك يترك الأرباح باعتبارها المحطة الأخيرة لدعم الارتفاع المرن في سوق الأسهم الذي بدأ العام الماضي.

وقال مارك هاكيت من "نيشن وايد" إن "رد الفعل على تقرير مؤشر أسعار المستهلكين يضيف المزيد من الوقود إلى الاعتقاد بأن أسواق الأسهم تمر بفترة من التباطؤ". وأضاف أنه "مع تحول التركيز إلى موسم الأرباح، قد يراقب المستثمرون بعدسة مختلفة، مع احتمال أن تؤدي النتائج القوية إلى تعديل افتراضات خفض أسعار الفائدة، مما يعيدنا إلى موقف مقولة أن الأخبار الجيدة هي أخبار سيئة".

بالنسبة لخوسيه توريس من شركة "إنترآكتيف بروكرز" (Interactive Brokers)، فإن الأصول ذات المخاطر تقترب من مفترق الطريق.

وقال توريس: "إذا قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي ضمنياً ضغوط الأسعار بين 3 و4%، فذلك يعني أن التضخم قد تم احتواؤه، مما يوفر قوة استقرار أخرى تضاف إلى وسائل الاحتياطي الفيدرالي التقليدية وتوزيع الأرباح".

ولكنه أشار إلى أن "التزام المركزي بنسبة 2% مهما كلف الأمر، فإن ذلك يعني أن تصحيحاً كبيراً في أسعار الأسهم سيحدث".

قد يكون هذا التصحيح كبيراً، مع توسع تقييمات الأسهم بشكل رئيسي بسبب التوقعات بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي سوف يقوم بتخفيضات كبيرة في أسعار الفائدة هذا العام.

وقال توريس إن ذلك سيساعد في الحفاظ على أرباح الشركات، مع تقليل احتمالات دخول الاقتصاد في حالة ركود.

من جهته، أشار جون لينش، من شركة "كوميريكا ويلث مانجمنت" إلى "أننا نجد أنفسنا في بيئة تبدو فيها الأسهم ذات قيمة كاملة، وترتفع أسعار الفائدة في السوق، وتتضاءل التوقعات المتفق عليها بشأن تخفيضات أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي". وأضاف: "لذلك من الضروري، في رأينا، أن تستمر أرباح الشركات في التوسع لتبرير المستويات الحالية لتقييم الأسهم ومعنويات المستثمرين".

ومع توقع أن تبدأ البنوك أرباح الربع الأول بشكل غير رسمي هذا الأسبوع، ستتم مراقبة نتائجها عن كثب لمعرفة ما إذا كان النمو يمكن أن يبرر نسبة السعر إلى الأرباح على مؤشر "إس آند بي 500" التي تزيد بنحو 20% عن متوسطها خلال عشر سنوات.

وبأرباح تعادل 21 مرة، فإن ذلك يترجم إلى عائد أرباح قدره 4.8%، وهو مضاعف يبدو غير موات على نحو متزايد مع ارتفاع عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات إلى 4.5%.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك