على الرغم من سيطرة أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى على وول ستريت، إلا أن شركات النفط الكبرى تستقطب الاهتمام بعد أدائها القوي في الربع الأول.
بعد أن أنهت أسهم الطاقة تعاملات 2023 منخفضةً في وقتٍ ارتفعت السوق الأوسع نطاقاً، بدأت شركات النفط الكبرى العام الجديد بتسجيل صعودٍ متواصلٍ قوي تفوقت فيه على أداء مؤشرات التكنولوجيا. وبالتحديد، ارتفعت قيمة وحدات الصندوق المتداول في البورصة "إنرجي سيليكت سكتور" (Energy Select Sector) أو "إكس إل إي" (XLE) المراقب عن كثب، بأكثر من 13% منذ بداية يناير بينما لم يصعد مؤشر "ناسداك 100" سوى 8.7%. يلعب ارتفاع أسعار النفط دوراً مساعداً، إذ تجاوز سعر خام غرب تكساس الوسيط حاجز 80 دولاراً للبرميل في منتصف مارس لأول مرة منذ نوفمبر واستقر عند هذا المستوى.
قال المحلل في شركة "روث" (Roth) ليو مارياني عبر الهاتف: "لم يكن معظم المستثمرين الذين دخلوا عام 2024 يتوقعون أي شيء من قطاع الطاقة". لكنه لفت إلى أن الأسهم "سجلت أداءً رائعاً في مارس".
ترقب لمسار الأسعار
خلال الشهر الماضي، تصدرت أسهم الطاقة قطاعات مؤشر "إس آند بي 500" الـ11، إذ ارتفعت أسعار أسهم القطاع بأكثر من 10% مقارنة بالمجموعة الأقرب التالية، وهي المرافق التي صعدت 6.3%، في حين ارتفع المؤشر ككل 3.1%. بعد هذا الأداء، يتطلع مستثمرو الطاقة إلى اجتماع منظمة "أوبك" لمراقبة سوق النفط في 3 أبريل للحصول على أدلة حول اتجاهات الخام، ما قد يزيد من ارتفاع الأسعار أو يكبحه.
قال دان بيكرينغ، الرئيس التنفيذي لشركة "بيكرينغ إنيرجي بارتنرز" (Pickering Energy Partners): "في الوقت الحالي، يمكن أن تتحرك معنويات المستثمرين في أي اتجاه". وشبّه أداء قطاع الطاقة في الربع الأول من العام ببداية مسلسل تلفزيوني مشوق. وأوضح: "هناك عدد من الأشخاص الذين شاهدوا حلقةً ونصف الحلقة، يفكرون الآن في استكمال الموسم بأكمله. أداء الربع الثاني قد يكون النقطة الفاصلة التي تجعلهم يقررون الاستمرار بالمشاهدة حتى وقت متأخر من الليل (أي دعم أسهم الطاقة لفترة أطول)".
ماذا ستقول "أوبك"؟
الأمر يعتمد جزئياً على ما سيقوله أعضاء تحالف "أوبك+" هذا الأسبوع، خاصةً إذا أشاروا إلى خطط للالتزام بخفض الإنتاج الطوعي المعلن عنه سابقاً حتى النصف الأول من العام.
صرّح بن كوك، مدير المحافظ لدى شركة "هينيسي فاندز" (Hennessey Funds)، عبر الهاتف قائلاً: "أعتقد أنه في هذه المرحلة، تتوقع السوق من (أوبك) الإبقاء على قيود الإنتاج". وشبّه اجتماع "أوبك" بقرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، حيث تكون النتيجة متوقعة، ولكن الرسالة مهمة بنفس القدر.
قرار روسيا بخفض الإنتاج قد يدفع سعر مزيج برنت إلى 100 دولار للبرميل هذا العام وفقاً لمحللي "جيه بي مورغان" بقيادة ناتاشا كانيفا. يُتداول النفط حالياً في أعلى نطاق الثمانينات، وقد يصل إلى التسعينات بحلول شهر مايو، وفقاً لتحليلهم.
صغار المنتجين
وسط هذه التوقعات الإيجابية، يقبل بعض المستثمرين على شراء أسهم شركات إنتاج النفط متوسطة الحجم، والتي توفر قوة دفع أكبر لارتفاع أسعار السلع. على سبيل المثال، ارتفع سهم شركة "دايموند باك إنيرجي" (Diamondback Energy) بنسبة 28% هذا العام وصعد في كافة جلسات شهر مارس باستثناء يومين، كما سجل سلسلة صعود متواصل لمدة 15 يوماً، وهي الأطول لأي سهم في مؤشر "إس آند بي 500" هذا العام.
قال كول سميد، رئيس شركة "سميد كابيتال مانجمنت": "التحسن الأسرع في تقديرات الأرباح لن يكون من نصيب كبار المنتجين، لأن تكاليفهم أقل، بل سيكون من نصيب صغار المنتجين". بعض الأسهم التي يشتريها هي "آبا كورب" (Apa Corp) و"أوفينتيف" (Ovintiv)، بالإضافة إلى المنتجين الكنديين مثل "إم إي جي إنيرجي" (MEG Energy) و"ستراثكونا ريسورسيز ليميتد" (Strathcona Resources).
سجلت أسهم المصافي أداءً قوياً لفترة أطول حتى من شركات النفط. ارتفع صندوق المؤشرات المتداولة لشركات تكرير النفط من "فان إك" (VanEck) بأكثر من 15% خلال الأشهر الخمسة الماضية، متفوقاً على شركات النفط المتكاملة مثل "إكسون موبيل" و"شيفرون"، وحتى مكاسب سعر الخام نفسه.
الرهان على المصافي
شهدت سوق منتجات النفط المكرر تشديداً ملحوظاً، وأصبحت القدرة على التكرير أكثر قيمةً مع توقف المنشآت الروسية بسبب الضربات الجوية الأوكرانية. لهذا السبب يرى بعض المستثمرين في أعمال التكرير طريقةً للاستفادة من ارتفاع أسعار الطاقة في الفترة المقبلة.
أوضحت ريبيكا بابين، كبيرة متداولي الطاقة في مجموعة "سي آي بي سي برايفت ولث" (CIBC Private Wealth)،: "لدينا طاقة إنتاج فائضة للنفط الخام، لكن قدرة التكرير هي التي تواجه قيود حقيقية بسبب الوضع في البحر الأحمر وما يحدث مع روسيا. لذا تكمن القصة الحقيقّة في المنتجات البترولية المكررة".
على الرغم من ارتفاع أسعار النفط، ترجح "وول ستريت" بشكل كبير تراجع أرباح شركات الطاقة هذا العام، بما في ذلك هبوط أرباح الربع الأول بما يقارب 27% بسبب انخفاض أسعار النفط على أساس سنوي. وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ إنتليجنس"، فهذا أسوأ توقع لأداء أي قطاع من قطاعات مؤشر "إس آند بي".
توقعات مغايرة
ومع ذلك، بدأ بعض المحللين التراجع عن هذه التوقعات. على سبيل المثال، قام مايك ويلسون، كبير استراتيجيي الأسهم الأميركية لدى "مورغان ستانلي"، بترقية توصيته لأسهم قطاع الطاقة إلى "زيادة الأوزان النسبية" من متوسط السوق بسبب مجموعة من العوامل تشمل ارتفاع أسعار النفط، و"تحسن توقعات الأرباح، واتساع عمق السوق، وقيم الأسهم الجذابة". ولا تزال أسهم قطاع الطاقة تُتداول عند مكررات دون مؤشر "إس آند بي 500" بشكل تاريخي، ومع وجود عوائد أعلى على التدفقات النقدية الحرة، فإن هناك "مجالاً لتحقيق أداء أفضل"، كما كتب ويلسون في مذكرة إلى العملاء في 25 مارس.
من المؤكد أن قطاع الطاقة هو أيضاً أرخص قطاع في السوق، مما يساهم في جذب مستثمرين جدد، حتى وإن ظل ارتفاع أسعار الأسهم هادئاً نسبياً حتى الآن.
أشار جيرمي ماكري، محلل أسواق رأس المال في "بنك أوف مونتريال" (BMO)، إلى أن "هذا القطاع شهد ارتفاعاً متواصلاً وهادئاً وهو أمرٌ فاجأ البعض"، مضيفاً أن المستثمرين الذين كانوا يراهنون على مستقبل قائم على الكهرباء بدأوا يعتقدون أن "استخدام النفط والغاز قد يستمر لفترة أطول قليلاً مما كان متوقعاً".