تجعل التصريحات المتناقضة والتسريبات الإعلامية من المستحيل التعامل مع سياسة العملات المشفرة التي سيتم الكشف عنها قريباً في الهند. يؤدي عدم اليقين هذا إلى وضع شركات ومبرمجي سلاسل الكتل (بلوكتشين) الشباب في نوبة من القلق: هل يجب عليهم المغادرة أم البقاء؟ وإن تأخروا عن الركب، هل يجب أن يفعلوا شيئاً آخر في حياتهم؟
يوم الأحد، تنفست صناعة العملات المشفرة العالمية الصعداء عندما استبعدت وزيرة المالية نيرمالا سيترامان بشكل قاطع فرض حظر شامل (على العملات المشفرة) كان الكثيرون يخشونه، ووعدت بإتاحة المجال للأشخاص "لإجراء تجارب معينة" باستخدام تقنيات قاعدة البيانات بهذا الخصوص، وبتكوين والعملات الافتراضية الأخرى، كما قالت في خلوة اليوم في الهند.
ولكن قبل أن يجف حبر بيانات التهنئة الصحفية من رواد الأعمال، نقلت رويترز عن مسؤول مطلع على الخطة قوله إن القانون الجديد "يجرم حيازة الأصول المشفرة، وإصدارها وتعدينها، وتداولها، ونقلها".
سيمثل هذا أزمة وجودية ثانية خلال ثلاث سنوات على الأقل؛ فقد خاض المبشرون في مجال العملات المشفرة في الهند معركة قانونية شجاعة -حتى أن اثنين منهم قضوا وقتاً قصيراً وراء القضبان- ضد إملاءات السلطة النقدية على البنوك في عام 2018، التي تنص على عدم السماح لأي شخص يتعامل في الأصول الرقمية بتشغيل حساب. في العام الماضي، فازت صناعة سلاسل الكتل الناشئة عندما ألغت أعلى محكمة في البلاد أمر بنك الاحتياطي الهندي.
بدأ التفاؤل يحصد زخماً، وبدأت أسعار بتكوين المرتفعة في جذب جيل الألفية. وعندما يتعلق الأمر بنقل بتكوين والأصول الرقمية الأخرى، فإن الهند أصبحت تمثل مؤخراً حجماً أكبر من الصين على المنصات الشعبية للأقران.
كان خطر رد الهند بقانون جديد لتجريم محترفي التشفير والمستثمرين حاضراً دوماً. لذلك حاول الممارسون تثقيف صانعي السياسات، ودعوا إلى تنظيم معقول يبدأ بالتعريفات لما هو رمز المنفعة، والأصل الرقمي الذي يُنظر إليه على أنه ورقة مالية، وأيهما يجب التعامل معه كعملة.
تكمن المشكلة مع البيروقراطيين. فهم يقولون إنهم يريدون سلاسل الكتل، لكن ليس العملات المشفرة. وهذا أمر سخيف وأشبه بالرغبة في مطارات بها متاجر معفاة من الرسوم الجمركية ولكن بدون رحلات طيران. ومن القصة التي نشرتها رويترز، لا يبدو أن اللائحة النهائية ستكون مختلفة كثيراً عما أوصى به مشروع قانون عام 2019. فقد قال تقرير للجنة الحكومية، الذي وضع خلفية لمشروع القانون، إن السلطات ستكون على ما يرام مع تقنيات قاعدة البيانات لتقديم أي خدمات، أو "لإيجاد قيمة"، دون إشراك العملات المشفرة "لتسديد المدفوعات أو تلقيها".
سيحدث هذا الانقسام فوضى عند الممارسة. لنأخذ التحويلات المالية الدولية، حيث تتراكم التكاليف بسبب رسائل الدفع التي يجب أن تنتقل بجهد كبير عبر الحدود الوطنية باستخدام البنوك المراسلة. ولتوفير القيمة، سيحتاج مزود الخدمة إلى استخدام رموز دفع افتراضية، وهو أمر سمحت به الفلبين وبنغلاديش بالفعل. ولن ترغب الهند، أكبر مستقبل للتحويلات الخارجية في العالم، في تفويت ذلك.
ولنتمكن من رؤية إلى أين قد تتجه الهند مع تقلباتها السياسية، سنفكر في شيء آخر قالته سيترامان في تلك الخلوة. حيث قالت إن الكثير من التجارب التي تجريها شركات التكنولوجيا المالية على سلاسل الكتل، سيتم إجراؤها "بطريقة كبيرة" في المركز المالي الخارجي في "غيفت سيتي" في ولاية "غوجارات"، الولاية التي ينتمي إليها رئيس الوزراء ناريندرا مودي. وقالت إنه من المقرر عقد لقاء مع الشركات الناشئة هناك.
الآن، قد تكون فكرة ممتازة أن تملأ مدينة أشباح بعشرين مبرمجاً لأن 40 مصرفياً في مومباي لن يذهبوا إلى هناك. ربما لن يضطر واضعو الشفرات إلى ترك أضواء مدينة بنغالور وحيدر أباد وراءهم والتوجه إلى الحظائر. طالما يُسمح للمستثمرين المقيمين في الهند بأن يضعوا بحرية في "غيفت سيتي" جزءاً من 250 ألف دولار المسموح لهم بأخذها في الخارج سنوياً، سيتمكن المركز الخارجي -نظرياً- من توجيه بعض سيولة الدولار إلى صناعة التشفير، وسيبتعد النظام المصرفي المحلي عن العملات المشفرة، وسيبقى نفوذ البنك المركزي على الروبية كما هو.
نقاط الاختناق
سيترك مثل هذا الحل الوسط صناعة سلاسل الكتل هادئة. أجل، سيكون هناك مجال للتكنولوجيا المالية المحلية للتجربة والتعلم. ولكن لن يكون هناك طريق للمؤسسات لتنمو وتصبح شركات ناضجة، لأنهم عندما يريدون التخارج من حسابات منفصلة بالدولار والدخول في التيار الرئيسي للاقتصاد المحلي، سيصطدمون بحظر العملات المشفرة- إذا كان مطبقاً.
ليس من الواضح بالضبط كيف ستقبض السلطات على الأشخاص الذين لديهم عملات افتراضية. نقطتا الاختناق الواضحة هما البنوك وشبكة الاتصالات. لن يكون الحظر قابلاً للتنفيذ طالما استخدم الأشخاص خدمة "في بي إن" (VPN) للوصول إلى الإنترنت، دون أن يشترون بتكوين أو يبيعونها باستخدام حساب بنكي هندي (ولكنه يجنيها وينفقها من نظير إلى آخر).
أما اليوم، فيعد خيار الدفع الشائع من شخص لآخر هو بتكوين، وهو أمر غير مفاجئ نظراً لسعرها البالغ 60 ألف دولار. ولكن بعد أن طرحت بكين اليوان الرقمي في عام 2022، يمكن حتى لليوان الصيني الإلكتروني أن يحظى بقبول دولي كوسيلة للدفع وتخزين القيمة. بدلاً من الشكوى من التوغلات الصينية في السيادة النقدية للهند حينها. يجب على نيودلهي أن تسن قانون تشفير عملي الآن.
من شأن فرض الحماية التنظيمية في مومباي، حيث توجد معظم الصناعة المالية في الهند، أن يمنح السلطات أفكاراً لتصميم عملة رسمية ذكية غير ورقية. إن تبنوا قانوناً شديد القسوة خوفاً من غسيل الأموال أو فقدان السيطرة على حساب رأس المال، فإن المعاملات ستذهب ببساطة إلى السوق السوداء. لا أحد يطلب من نيودلهي تقديم مناقصة قانونية لبتكوين أو قبول مدفوعات الضرائب فيها. يكفي القليل من التسامح مع العملات المشفرة.