سواء أحببتها، أو كرهتها، أو احتفظت بها، لا أحد ينكر أن "بتكوين" قد عادت.
بعد "شتاء العملات المشفرة" الذي شهد سلسلة من الفضائح وحالات الإفلاس وانخفاض الأسعار 77% تقريباً، وصل سعر "بتكوين" أخيراً إلى ذروة جديدة في 5 مارس، مسجلاً 69,191.95 دولار. وقفز ليتخطى مستوى 70 ألف دولار لفترة وجيزة للمرة الأولى يوم الجمعة، وعزز هذا الارتفاع العملات المشفرة الأخرى، مع زيادة قيمة "إيثريوم" وحتى "دوج كوين".
يُوصف هذا الارتفاع بأنه ثقة للمؤيدين الحقيقيين للعملات المشفرة، الذين يستخدمون مصطلح "hodl" -وهو الخطأ الإملائي لكلمة "الاحتفاظ" (hold)- كشعار أثناء فترات الركود لتذكير أنفسهم بآفاق العملات الرقمية على المدى الطويل. ولكن بالنسبة إلى عشاق العملات المشفرة، والذين ربما تجاهلوا قمم وقيعان أسعارها سابقاً، فإن السؤال هو ما إذا كانت الآن هي اللحظة المناسبة للاستثمار.
تطورات جديدة
هذه ليست المرة الأولى التي انتعش فيها سعر "بتكوين". فبعد أن سجل سعرها أدنى مستوياته في عام 2019، صعد بقوة في العام الأول لجائحة "كوفيد-19"، قبل أن ينخفض مجدداً في ربيع 2021. وتعافى في وقت لاحق من ذلك العام، لكن السعر انخفض في 2022 في أعقاب الانهيار المُشين لبورصة "إف تي إكس" (FTX).
جزء كبير من القفزة الأخيرة في سعر "بتكوين" حدث منذ العاشر من يناير الماضي، عندما وافقت لجنة الأوراق المالية والبورصات على إطلاق الصناديق المتداولة في البورصة، مما سمح للشركات الشهيرة مثل "بلاك روك"، و"إنفيسكو" و"فيديليتي" بعرض الصناديق على العملاء. يتبع بعض الاستشاريين نبرة أكثر تفاؤلاً بعض الشيء، إذ يدرس المستثمرون الأفراد ما إذا كان الوقت حان لإضافة العملة المشفرة إلى محافظهم الاستثمارية.
من جهته، يرى دوغلاس بونيبارث، رئيس شركة "بون فايد ويلث" (Bone Fide Wealth) في نيويورك، تزايد الثقة في السوق نتيجة مشاركة المؤسسات في صناديق الاستثمار المتداولة الفورية، والتي تستهدف تتبع سعر "بتكوين"، ولكنها لا تتطلب من المستثمرين الأفراد حيازة الرمز المميز بأنفسهم.
استقطبت صناديق الاستثمار المتداولة مجتمعة صافي تدفقات تجاوزت 9 مليارات دولار منذ إطلاقها. وعلى الرغم من أن بونيبارث، وهو مخطط مالي معتمد، لا يوصي العملاء بتكديس محافظهم الاستثمارية بالكامل بالأصول الرقمية، إلا أنه يبدي ارتياحه لتخصيص 5%، أو ربما حتى 10%.
أضاف: "الأمر مختلف هذه المرة".
توقعات وصول "بتكوين" إلى 100 ألف دولار تبدو أكثر واقعية في سوق الخيارات
ظروف مختلفة
نظراً للمخاطر التي تنطوي عليها العملات المشفرة وتقلباتها، سارع العديد من المستشارين الماليين الرئيسيين ومديري المحافظ والباحثين في مجال الاستثمار إلى رفضها. ويبدو أن رد الفعل هذا آخذ في التغير، نوعاً ما على الأقل. على الرغم من أن الكثيرين لا يعتقدون أن العملاء يجب أن يتبعوا بشكل غير مدروس استراتيجية "الأيدي الماسية" (أي السياسة الاستثمارية التي تنطوي على درجة عالية من المخاطرة)، فقد رأى مديرو الأموال الآن أن الجميع بدءاً من المستثمرين الأفراد إلى متداولي وول ستريت المتطورين يكسبون الملايين من "بتكوين". يعتقد البعض أنه -إذا تم التعامل معها بشكل صحيح- يمكن أن تحظى "بتكوين" بمكان ضمن محفظة المستثمر التقليدي، ولو بقدر قليل.
قال بيتر ملادينا، المدير التنفيذي لأبحاث المحافظ في شركة "نورثرن ترَست أسيت مانجمنت" (Northern Trust Wealth Management): "المستثمرون يتداولون في سوق تنافسية، وقاموا باختيارها (بتكوين) للحفاظ على القيمة لسبب أو لآخر، لذلك، علينا احترام ذلك".
"بتكوين" لا تشكل جزءاً من المحفظة التي توصي بها "نورثرن ترَست". يعارض ملادينا بعض الاعتقادات الشائعة حول العملة المشفرة. فهو يرى أنها لا تفي تماماً بالمعايير التي تجعل شيئاً ما عملة، كما أن تقلبها يجعلها مخزناً سيئاً للقيمة. ولا يوصي بتخصيص كمية كبيرة من المحفظة لـ"بتكوين"، لكنه أضاف أنه "ربما بالنسبة إلى بعض الأشخاص قد يوجهون قدراً محدوداً لها".
"بتكوين" تواجه لحظة "البيع عند الخبر" بعد ارتفاعها القياسي
سقف حصة "بتكوين" في المحفظة الاستثمارية
من جانبه، قال جوزيف بوغان، وهو مخطط مالي في شركة "باركماونت فايننشال بارتنرز" (Parkmount Financial Partners) في شيتوات، بولاية ماساتشوستس، إنه عادة ما يسمح بأن تشكل "بتكوين" ما يصل إلى 5% من محافظ عملائه. وهو يشعر بالقلق إزاء زيادة "المخاوف من تفويت الفرصة" (FOMO) في السوق اليوم، والتي يمكن أن تدفع المستثمرين إلى الشراء لمجرد أن الأسعار مرتفعة، وليس كجزء من استراتيجية مخططة. وأشار إلى أن العملاء يحققون أداءً جيداً حقاً عندما يخصصون ما يصل إلى 5%، لكنه يرى أيضاً أن أداءهم كان سيئاً. الهدف بالنسبة له هو تحديد التوقعات بشأن تقلبات "بتكوين" قبل بدء الاستثمار.
يمكن أن تتفاقم مثل هذه التقلبات. أظهرت الأبحاث التي أجرتها شركة "مورنينغستار" أن إضافة 2% من "بتكوين" إلى محفظة افتراضية غير مكلفة تتوزع بواقع 60/40 (بين الأسهم والسندات) قد غيرت ملف العائد الخاص بها بما يعادل تقريباً إضافة حصة 10% من الأسهم. علاوة على ذلك، أدت إضافة 5% إلى ظهور ملف تعريف للمخاطر أكثر تشابهاً مع المحفظة التي تتكون من 90% أسهم، و10% سندات.
قال بريان أرمور، مدير أبحاث الاستراتيجيات السلبية لأميركا الشمالية في "مورنينغستار"، إن هذا مهم لأن المستثمرين الذين "يتلاعبون ببعض عملات بتكوين" قد ينتهي بهم الأمر إلى إزكاء المزيد من التقلبات أكثر من المتوقع إلى محافظهم الاستثمارية. يمكن أن يكون حدوث التقلب لأعلى أمراً رائعاً، ولكنه قد يكون مؤلماً بالنسبة لأولئك الذين يحتاجون إلى الانسحاب في القيعان السعرية.
وول ستريت تجمع الأموال وتقف وراء صعود "بتكوين" الجامح
تحذير من عملات الميم
أعادت ذروة اليوم أيضاً ظواهر مألوفة من الارتفاعات السابقة، وهي عملات الميم والرموز غير القابلة للاستبدال. تفوقت بعض العملات المشفرة الأكثر مضاربة مثل "دوج كوين" على "بتكوين". وفي الوقت نفسه، تحاول صناعة العملات الرقمية غير القابلة للاستبدال، والتي تُركت تلاقي مصيرها بعد الانهيار العنيف، الاستفادة من أحدث ارتفاع في الأسعار من أجل الانتعاش. وفي هذا الصدد، ييدي الخبراء حذرهم. ويقولون إن العديد من الأصول المتداولة اليوم ليست لها فائدة تُذكر بخلاف المضاربة البحتة.
قال أرمور: "مررنا بهذا الوضع من قبل. أود أن أذكّر الناس أنهم إذا أرادوا المخاطرة، فالأمر متروك لهم. لكن إذا تذكرنا عام 2022، فإن الخسارة هي احتمال حقيقي للغاية".