المستهلكون الصينيون والبنوك المركزية حول العالم بقيادة بنك الصين قدمت دعماً لسوق المعدن النفيس

أُسس الصعود القياسي لسعر الذهب وُضعت في الصين

متسوقون في منطقة تسيم شا تسوي، في هونغ كونغ، الصين - المصدر: بلومبرغ
متسوقون في منطقة تسيم شا تسوي، في هونغ كونغ، الصين - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

ربما يكون الدافع وراء قفزة أسعار الذهب الأسبوع المنصرم هو الرهان على تحول مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الذي طال انتظاره نحو سياسة نقدية أكثر تيسيراً، لكن أُسس الارتفاع القياسي وُضعت في الصين.

فبعد تقلبات على مدى أشهر، عادت سوق الذهب إلى التألق فجأة يوم الجمعة الماضي. فقد اخترقت الأسعار الرقم القياسي المسجل في ديسمبر يوم الثلاثاء وقفزت إلى أعلى مستوياتها اليومية المتعاقبة منذ ذلك الحين.

ما سبب الصعود؟

وكان الارتفاع في حد ذاته غريباً: إذ يميل سعر الذهب إلى الارتفاع استجابة لتطورات جيوسياسية أو اقتصادية كبيرة، ولم يحدث أي شيء جدير بالملاحظة يبرر هذا الصعود. ودفع الارتفاع الحاد العديد من المحللين وغيرهم من مراقبي السوق إلى البحث عن تفسيرات، بدءاً من صناديق الاستثمار الكبرى التي أبدت اهتماماً متجدداً بالذهب، إلى دور المتعاملين الخوارزميين (الذين ينفذون الأوامر باستخدام تعليمات التداول المبرمجة مسبقاً) الذين يسايرون القوة الدافعة في السوق، مما يغذي التقلبات.

المركزي الصيني يعزز احتياطاته من الذهب إلى 2257 طناً

لكن الحقيقة هي أن الأسعار لم يكن أمامها في الواقع مسيرة كبيرة لتقطعها قبل أن تصل إلى مستوى قياسي. فقد كان الذهب يُتداول منذ أشهر في نطاق 2000 دولار للأوقية، وهو مستوى كان من الممكن أن يُنظر إليه على أنه مرتفع للغاية قبل بضع سنوات فقط، والذي تجاوزه المعدن النفيس أول مرة فقط في 2020 مع تفشي جائحة كورونا. والأغرب هو بلوغ الأسعار هذه المستويات المرتفعة رغم أسعار الفائدة الحقيقية المرتفعة والتي عادة ما تكون سيئة بالنسبة للذهب، الذي لا يُدر عائداً.

مشتريات البنوك المركزية

وفي حين أن العديد من المستثمرين الغربيين تخلصوا بالفعل من حيازاتهم من الذهب مع ارتفاع أسعار الفائدة العام الماضي، فإن الطلب العالمي كان مدعوماً بدلاً من ذلك بمشتريات ضخمة من البنوك المركزية في بلدان الأسواق الناشئة، بقيادة الصين. كما يشتري الأشخاص العاديون أيضاً، إذ يكتنز المستهلكون في الصين العملات المعدنية والسبائك والمجوهرات رغم ارتفاع الأسعار، لحماية ثرواتهم من الاضطرابات في سوق الأوراق المالية وقطاع العقارات في العملاق الآسيوي.

قال برنارد دحداح، محلل السلع الأولية في "ناتيكسيس (Natixis): "سوق الذهب لم تكن مدفوعة بالمستثمرين الغربيين. كانت الصين، منذ بداية هذا العام وخلال العام الماضي، المحرك وراء صعود أسعار الذهب، ولكن ليس بالضرورة وراء هذا الارتفاع بعينه".

5 مؤشرات جديرة بالمراقبة بعد بلوغ الذهب سعراً قياسياً

وبينما ساعدت مشتريات الصين وغيرها من دول الأسواق الناشئة في تمهيد الطريق لارتفاعات هذا الأسبوع القياسية، تحول التركيز إلى المستثمرين ورهاناتهم بشأن الموعد الذي سيبدأ فيه الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة. وجاءت القفزة الأولية في الأول من مارس بعد بيانات المصانع الأميركية المخيبة للآمال وانخفاض معنويات المستهلكين مما يعزز مبررات خفض تكاليف الاقتراض. وأدت تعليقات رئيس البنك المركزي الأميركي جيروم بأول، التي كرر فيها احتمال التخفيض هذا العام، إلى تحقيق المزيد من المكاسب السعرية، مما ساعد على دفع الأسعار إلى مستويات قياسية جديدة.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

الصناديق تعزز مشترياتها

وفي أحدث علامة على أن الصناديق ساعدت في تعزيز صعود الأسعار الأخير، أظهرت بيانات جديدة أصدرتها أمس الجمعة لجنة تداول العقود الآجلة للسلع أن مديري الصناديق كانوا يشترون بقوة في الأسبوع المنتهي في 5 مارس، وهو اليوم الذي تجاوز فيه الذهب سعره القياسي السابق.

الإقبال على أول صندوق ذهب في مصر يغري مديره بطرح شريحة جديدة

ومع ذلك، لا يزال أمام الذهب شوط طويل ليقطعه للوصول إلى قممه السعرية المعدلة حسب التضخم التي سجلها منذ أكثر من عقد. فقد ارتفع سعر الذهب بأكثر من 600% منذ مطلع الألفية، ورغم تعديله في ضوء التضخم، فإنه يظل أقل من قمته التي توازي 850 دولاراً والتي سجلها في يناير 1980، أي ما يعادل أكثر من 3000 دولار بقيمة العملة الأميركية اليوم.

المخاطر الجيوسياسية

يحمل المستوى القياسي المرتفع الذي تم تسجيله الأسبوع المنصرم بعض أصداء وسمات تلك الذروة التي سجلها قبل 44 عاماً. ففي عام 1979، تضاعفت قيمة السبائك مع الإطاحة بالشاه في إيران والغزو السوفيتي لأفغانستان، مما سلط الضوء على دور المعدن النفيس كأصل يمثل ملاذاً آمناً. وهذا العام، تثير الهجمات التي يشنها الحوثيون المدعومون من إيران على السفن في البحر الأحمر والحرب الروسية الطاحنة في أوكرانيا، مخاطر جيوسياسية.

قال أدريان آش، مدير الأبحاث في "بوليون فولت" (BullionVault): "تهديدات بوتين الصريحة والمتكررة، والصراع في أوكرانيا، وغزة، كل ذلك يزيد من العوامل الدافعة لصعود الأسعار. المزاج حالياً يدفع نحو ارتفاع أسعار الذهب من منظور الملاذ الآمن".

مكاسب متواضعة

لكن المكاسب الأخيرة لا تزال متواضعةً نسبياً مقارنة ببعض الارتفاعات القياسية التي سجلها سعر الذهب في الماضي. ويرجع ذلك لأسباب منها أن الأسعار كانت مرتفعة بالفعل بفضل مشتريات بنوك مركزية تسعى إلى تنويع احتياطياتها بعيداً عن الاعتماد على الدولار.

قال ماكس بلمونت، مدير المحافظ في صندوق "فيرست إيغل غولد فند" (First Eagle Gold)، الذي كان لديه أصولاً خاضعةً للإدارة قيمتها 2.3 مليار دولار في نهاية 2023، إن طلب البنوك المركزية "يقي من احتمال تراجع سعر الذهب. ليست البنوك المركزية الغربية هي التي تكتنز الذهب وإنما الشرقية"، إذ كانت الصين أكبر مشتر في 2023.

الذهب يواصل تسجيل مستويات سعرية قياسية وسط آمال خفض الفائدة

وإذا كانت المشتريات الصينية أحد ركائز سوق الذهب، فمن المرجح أن تظل سياسة الاحتياطي الفيدرالي هي المحرك الرئيسي للسوق. يتلقى المعدن الأصفر دعماً منذ منتصف فبراير من الإشارات إلى اقتراب تحول في مسار السياسة النقدية، إذ يتوقع المتعاملون الآن فرصة نسبتها 67% لخفض سعر الفائدة في يونيو، وهو احتمال أعلى من أوائل الشهر الماضي. وعادةً ما تكون تكاليف الاقتراض المنخفضة إيجابية بالنسبة للذهب، الذي لا يحقق عائداً.

وهذا يعني أن البيانات الأميركية، بما في ذلك أحدث أرقام التضخم المقرر صدورها يوم الثلاثاء، ستتم مراقبتها عن كثب.

قال آش من "بوليون فولت" إن بعض المستثمرين قد يختارون على المدى القصير جني أرباحهم الأخيرة، الأمر الذي قد يؤثر على الأسعار.

هامش لمزيد من الارتفاع

لكن بشكل عام، تعني هذه الأجواء أن صعود سعر الذهب قد يكون أمامه متسع للاستمرار. وعلى الرغم من أوجه التشابه العديدة بين أحدث موجة تحطيم للأرقام القياسية وذروات سعر الذهب السابقة، فإن ما يميزها هو الدور الذي تلعبه البنوك المركزية والمشتريات الآسيوية.

أوضح ألكسندر زومبفي، كبير المتعاملين في "هيريوس غروب" (Heraeus Group) الألمانية لتكرير الذهب: "السلوك الحالي للسوق، الذي يتسم بقمم قياسية يومية، غير مسبوق وفق تجربتي. يؤكد هذا التفرد مدى تعقيد آليات السوق الحالية وتنوع العوامل التي تؤثر على أسعار الذهب".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك