كشفت ستة مصادر بقطاع النفط، وبيانات "رفينيتيف"، أنَّ إيران شحنت سراً كميات قياسية من النفط الخام إلى الصين أكبر مشترٍ لنفطها في الشهور الأخيرة.
ولفتت المصادر إلى أنَّ شركات تكرير حكومية هندية أضافت كميات من النفط الإيراني إلى خططها السنوية للاستيراد، مفترضة أنَّ الولايات المتحدة ستخفف قريباً العقوبات المفروضة على المنتج العضو بـ"أوبك".
ويسعى الرئيس الأمريكي جو بايدن لإحياء المحادثات مع إيران حول الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس السابق دونالد ترمب في 2018، برغم أنَّ العقوبات الاقتصادية القاسية لا تزال سارية، وتصرُّ طهران على رفعها قبل استئناف المفاوضات.
وقالت المصادر ، إنَّ شركة النفط الوطنية الإيرانية بدأت التواصل مع زبائن في مختلف أنحاء آسيا منذ تولي بايدن منصبه، وذلك لتقييم الطلب المحتمل على نفطها. وطلبت المصادر عدم الكشف عن هويتها بسبب حساسية الأمر.
العقوبات تهوي بصادرات النفط
وأدت العقوبات إلى هبوط سريع في الصادرات الإيرانية إلى الصين، والهند، واليابان، وكوريا الجنوبية منذ أواخر 2018، كما أدَّت العقوبات والتخفيضات الإنتاجية التي قرَّرها المنتجون من أعضاء مجموعة "أوبك+" إلى تقلُّص المعروض من نفط الشرق الأوسط عالي الكبريت في آسيا أكبر أسواقه العالمية.
وتستورد آسيا أكثر من نصف احتياجاتها من النفط الخام من الشرق الأوسط.
وقال مصدر بشركة تكرير هندية: "خاطبونا، وقالوا إنَّهم يأملون في القريب العاجل استئناف إمدادات النفط فقلنا: ’إن شاء الله’ ".
ومن المحتمل أن تؤدي عودة الإمدادات الإيرانية إلى الهند، ثالث أكبر دول العالم استيراداً للخام، إلى تقليل الطلب على الشحنات الفورية التي ازدادت في الآونة الأخيرة بعد أن خفَّض العراق الإمدادات، وقلَّصت الكويت آجال بعض التعاقدات.
وأشار مسؤول حكومي إلى أنَّ الهند التي تضررت من الارتفاع العالمي الأخير في أسعار النفط الخام، تتوقَّع عودة الإمدادات الإيرانية إلى السوق خلال ثلاثة أو أربعة أشهر.
وصرَّح مسؤول آخر بشركة تكرير أنَّ شركته تلقَّت من مسؤولي شركة النفط الوطنية الإيرانية ما يفيد أنَّ اتفاقاً رسمياً بشأن إمدادات النفط الخام سيوقَّع بعد الانتخابات الإيرانية في يونيو المقبل، وقد تواصلت الشركة الإيرانية بالفعل مع زبائن آخرين في آسيا.
وقال متعامل بشركة تكرير في شرق آسيا: "في الآونة الأخيرة تواصلت معنا شركة النفط الوطنية الإيرانية لتسألنا عن الطلب. يبدو أنَّ إيران تتأهب للعودة إلى السوق".
وكشف مصدر آخر بقطاع التكرير أنَّ المحادثات في مرحلة "أولية للغاية"، وأنَّ المؤسسة الإيرانية تريد معرفة ما إذا كانت الشركة ستستأنف شراء النفط الإيراني.
الصين تواصل الاستيراد
وعلى النقيض من الهند، لم تتوقَّف الصين بالكامل عن استيراد النفط من إيران، فقد أفدت خدمة "أويل ريسيرش" من "ريفينيتيف" أنَّ إيران شحنت حوالي 17.8 مليون طن (306 آلاف برميل يومياً) من الخام إلى الصين خلال أربعة عشر شهراً الماضية، وأنَّ الشحنات بلغت مستويات قياسية في يناير وفبراير.
وتوزَّعت هذه الكميات بواقع حوالي 75% من الواردات "غير مباشرة"، وتوصف بأنَّها نفط من سلطنة عُمان، أو الإمارات العربية المتحدة، أو ماليزيا دخلت الصين في الأساس من موانئ في إقليم شاندونغ الشرقي الذي توجد فيه أغلب شركات التكرير المستقلة في الصين، أو من ميناء إينجكو في إقليم لياونينغ في الشمال الشرقي.
أما نسبة الـ25% الباقية من الواردات، فقد قالت "ريفينيتيف"، إنَّها وُصفت أنَّها مشتريات رسمية للاحتياطي البترولي الاستراتيجي في الصين، إذ تحتفظ بكين بمشتريات صغيرة الحجم برغم العقوبات الأمريكية.
وقالت إيما لي محللة تدفُّقات النفط الخام في "ريفينيتيف": "الكميات بدأت ترتفع من الربع الأخير في 2020، إذ كان إقليم شاندونغ على رأس المناطق التي استقبلت الخام، وهو ما يشير إلى أنَّ المستهلك الأساسي له معامل تكرير مستقلة".
وعادة ما تغلق الناقلات التي تحمل النفط الإيراني أجهزة تحديد مواقعها عند التحميل لتجنب رصدها، ثم يصبح من الممكن متابعتها مرة أخرى عن طريق الأقمار الصناعية قرب موانئ في سلطنة عمان، والإمارات، والعراق.
وقالت لي، إنَّ بعض الناقلات تنقل جانباً من شحناتها إلى سفن أخرى قرب سنغافورة، وماليزيا قبل أن تبحر إلى الصين.
ولم تتمكَّن رويترز من التعرف على المشترين النهائيين لهذه الشحنات.
ودون التعليق مباشرة على الصفقات النفطية، قال مكتب المتحدِّث باسم وزارة الخارجية الصينية: "إيران دولة صديقة للصين، وبين البلدين اتصالات عادية وتعاون، والتعاون بين الصين وإيران في إطار القوانين الدولية صائب، ومشروع، ويستحق الاحترام والحماية".
وامتنعت شركة النفط الوطنية الإيرانية عن التعقيب، فيما قال مسؤول بوزارة النفط "عندما تُرفع العقوبات الأمريكية الظالمة، ستتمكَّن إيران من بيع نفطها لأيِّ بلد، وأؤكِّد لكم أنَّه سيتمُّ توقيع تعاقدات كثيرة".
وأوضحت شركة "بترولوجيستكس" لتتبع الناقلات في جنيف أنَّ حجم تحميلات النفط الإيراني في يناير تجاوزت 600 ألف برميل في اليوم للمرة الأولى منذ مايو 2019، وذلك في مؤشر على أنَّ نهاية ولاية دونالد ترمب ربما تغيِّر سلوك المشترين.
وأظهرت بيانات من "ريفينيتيف"، ومن الجمارك الصينية أنَّ الشحنات غير المباشرة التي وصلت في فبراير، بما فيها الشحنات التي تنتظر تفريغها في موانئ صينية، بلغت قرابة 850 ألف برميل في اليوم، متجاوزةً المستوى القياسي اليوم المسجَّل في أبريل 2019، وهو 790 ألف برميل في اليوم.
وأظهرت بيانات الجمارك الصينية يوم الأحد أنَّ واردات النفط الخام ارتفعت بمعدَّل سنوي 4% في أول شهرين من العام الجاري. وستنشر هيئة الجمارك الصينية تفاصيل الواردات من كل دولة هذا الشهر.
وقال متعامل صيني مستقل مطَّلع على بعض الصفقات: "الخام الإيراني بدأ يدخل شاندونغ من أواخر 2019... بدءاً ببعض شركات التكرير التي لا تملك سيولة نقدية، وكانت تكرر النفط أولاً قبل دفع ثمن الشحنة".
وأوضح المتعامل أنَّ أغلب هذه الصفقات جرت تسويتها بالعملة الصينية، أو اليورو للالتفاف على العقوبات الأمريكية.
ويرى متعاملون أنَّ الواردات القياسية أثَّرت على أسعار الخامات المتوسطة والثقيلة المنافسة من منتجين آخرين في الشرق الأوسط.
وقال مصدر آخر : "إيران طفت على السطح من جديد، برغم أنَّه لا يبدو أنَّ العقوبات سترفع قريباً ".