أعلنت "القصيم للأسمنت" الاستحواذ على "حائل للأسمنت"، في أول عملية من نوعها تشهدها سوق الأسمنت السعودية، ما يتوقع أن يكون له تأثير على الشركة بشكل خاص، وهذه الصناعة بشكل عام. وتأتي هذه الصفقة بعد عام "صعب" مر على المصنعين الذين يتوقعون تحسن آفاق القطاع خلال السنوات المقبلة.
وفقاً لمدير "أرقام بلس" حجاج حسن، فإن شركات الأسمنت في السعودية تملك سجلاً قوياً من التوزيعات النقدية والعوائد الجيدة، كما أن مراكزها المالية قوية، مشيراً إلى أن الحالة التي يمر بها القطاع حالياً من ضعف في الطلب وتراكم في المخزونات، دفعت الشركات إلى البحث عن حلول من بينها تنفيذ عمليات اندماج واستحواذ.
في نوفمبر الماضي، أشارت "الأهلي المالية" في تقرير أصدرته إلى وجود ضعف في الطلب بعد تباطؤ الإسكان والبناء، ما أدى إلى تراكم المخزون، متوقعة أن تستمر هذه الظروف في الضغط على الأسعار على المدى القصير. وأظهرت البيانات تراجع أحجام مبيعات الأسمنت في المملكة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري بنسبة 7.5%.
حسن أضاف في تصريح لـ"الشرق"، أن عمليات الاندماج بشكل عام لديها عدة أهداف، منها تحقيق وفورات في الإنتاج وخفض التكاليف، مشيراً إلى أن هذه الأسباب قد تكون الدافع وراء استحواذ "القصيم للأسمنت" على "حائل".
الاستعداد لتغيّر السوق
عند إتمام هذه العملية، فإن الكيان الجديد سيصبح ثالث أكبر شركات القطاع من حيث المبيعات، ما يعزز فرصه في المنافسة خصوصاً في المنطقة الوسطى التي تشهد حرب أسعار منذ عدة أعوام أثرت على هوامش الشركات بشكل كبير، ودفعت بعض الشركات أحياناً إلى البيع بأقل من سعر التكلفة.
بالإضافة لما سبق، قد يكون العامل الجغرافي، وتأثيره على إمكانية دمج العمليات بين الشركتين الواقعتين في حائل والقصيم المتجاورتين، قد يكون أحد الأسباب التي دفعت هذه العملية قدماً، في وقت يتوقع زيادة الطلب بشكل كبير خلال السنوات القادمة مع انطلاق عجلة المشاريع الحكومية المعلن عنها في المنطقتين الوسطى والشمالية.
بالنسبة لمستقبل القطاع، توقع حسن رؤية عمليات اندماجات أخرى في القطاع، لكنه نبّه إلى أن العملية مرتبطة بالجهات التنظيمية وليس الشركات فقط، لذلك فإن الأمر لن يكون بالسهولة المتوقعة لعدة أسباب، من أهمها قوانين مواجهة الاحتكار.
هذه ليست المرة الأولى الذي يشهد قطاع الأسمنت السعودي حراكاً بغرض الاستحواذ، ففي نوفمبر الماضي، وقَّعت شركة "أسمنت المدينة" مع شركة "أسمنت أم القرى" مذكرة تفاهم غير ملزمة، تتضمن صفقة محتملة لاستحواذ الأولى على الثانية عن طريق أسهم مبادلة جديدة تقوم بإصدارها "أسمنت المدينة" لصالح مساهمي "أسمنت أم القرى". ولكن الصفقة لم تتحول بعد إلى اتفاق ملزم كما هو الحال مع "القصيم للأسمنت" و"حائل".
التوسع إلى أسواق أخرى، من الخيارات الأخرى التي تلجأ إليها الشركات العاملة في القطاع لمواجهة تباطؤ الطلب، فخلال نوفمبر الماضي، أعلنت "أسمنت الشمالية" إنشاء مصنع للأسمنت في العراق بالتعاون مع شركة "كيه إتش دي" (KHD) الألمانية، وبتكلفة تصل إلى 139 مليون دولار.
اقرأ أيضاً: أسمنت الرياض لـ"الشرق": سننتقل قريباً إلى سوق الأسهم الرئيسية السعودية
مستقبل القطاع
لفت حسن إلى أن انخفاض الطلب على الأسمنت ناتج من ضعف الطلب على مشاريع الإسكان نتيجة ارتفاع الفائدة وتأثيرها على قروض الرهن العقاري، مشيراً إلى أن المشاريع الحكومية التي تم الإعلان عنها أخيراً، بالإضافة إلى استضافة الرياض لـ"إكسبو 2030"، تحتاج إلى نحو عامين حتى تبدأ بالتأثير على الطلب.
وكان عقيل بن كدسه الرئيس التنفيذي لشركة "أسمنت المنطقة الجنوبية" التي تعتبر ثاني أكبر شركات الأسمنت السعودية من حيث المبيعات بعد "أسمنت اليمامة"، قال لـ"الشرق" إن ارتفاع أسعار الفائدة شكّل خلال 2023 أحد أكثر العوامل السلبية التي أثرت على مبيعات الأسمنت في المملكة، إذ تسبب في تراجع القروض العقارية للأفراد، وهو ما انعكس ضعفاً في الطلب على مادة الأسمنت. وأضاف: "معظم القروض العقارية التي حصل عليها الأفراد خلال 2023، كانت لوحدات سكنية مبنية وجاهزة".
وتجمع آراء اللاعبين الرئيسيين في الصناعة على أن الطلب على الأسمنت سيشهد نمواً ملحوظاً في الفترة المقبلة، في ضوء المشاريع العملاقة التي تشهدها المملكة، ومن ضمنها مكونات مدينة "نيوم" المستقبلية، والدرعية، والبحر الأحمر، و"المربع الجديد"، بالإضافة إلى استضافة "إكسبو 2030" الذي يتوقع أن يساهم بنحو 4 مليارات دولار سنوياً لاقتصاد السعودية على مدار ربع قرن، فضلاً عن المنشآت الرياضية المزمعة لاستضافة كأس العالم 2034.