شهدت سوق الأوراق المالية الأميركية تحركات ضيقة النطاق قبيل صدور قرار الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة، وسط بيانات التضخم المخيبة للآمال التي عززت التكهنات بأن صناع السياسة النقدية لن يتسرعوا في إعلان النصر حتى الآن.
بينما واصلت الأسواق الرهان على أن الاحتياطي الفيدرالي سيُبقي على أسعار الفائدة في اجتماعه المرتقب يوم الأربعاء، فإن أحدث الأرقام تثير التساؤلات حول التوقعات القوية بالتحول لتيسير السياسة النقدية. قلص المتداولون رهاناتهم قليلاً على تخفيضات أسعار الفائدة في العام المقبل، ومن المتوقع أن يحدث الخفض الأول في مايو. وأثارت البيانات أيضاً تكهنات بأن جيروم باول ربما يحاول تثبيط الرهانات على تيسير السياسة النقدية.
تراجع رهانات تيسير السياسة النقدية
في أعقاب قرار الاحتياطي الفيدرالي الأخير، ذكّر باول المستثمرين بأن مسيرة مكافحة التضخم "ستكون صعبة ووعرة". وحقيقة أن مؤشر أسعار المستهلك كان مطابقاً للتقديرات - بل وارتفع قليلاً- تسلط الضوء على الطبيعة المتقلبة لإعادة الأسعار إلى مستهدفها، خاصة في قطاع الخدمات، الذي اعتبره الاحتياطي الفيدرالي المحطة الأخيرة في معركته ضد التضخم.
قالت سيما شاه، كبيرة الاستراتيجيين العالميين في شركة "برينسيبال أسيت مانجمنت" (Principal Asset Management) إن تقرير مؤشر أسعار المستهلك اليوم كان من النوع "المعكر للصفو".
وأضافت: "ببساطة، هذا التباطؤ في التضخم ليس كافياً لإعادة تأكيد أو تبرير توقعات السوق لتيسير السياسة النقدية، وخاصة في وقت لا تزال سوق العمل قوية للغاية.. وغداً، يجب على باول أن يحبط توقعات السوق الأخيرة (عبر التلميح إلى استمرار تشديد السياسة النقدية)".
وبعد انخفاضها في أعقاب التقرير مباشرة، استقرت عوائد السندات الأميركية لأجل عامين فوق 4.7%. وتقلبت سندات الخزانة طويلة الأجل لتحقق مكاسب طفيفة بعد الطلب القوي في مزاد بقيمة 21 مليار دولار لسندات مدتها 30 عاماً. ارتفع مؤشر "إس آند بي 500" إلى أعلى مستوياته منذ يناير 2022. انخفض "مؤشر الخوف" (VIX) في وول ستريت نحو أدنى مستوى له منذ أربع سنوات.
تشديد حذر
يرى كريشنا جوها، نائب رئيس مجلس إدارة "إيفركور"، أن بيانات مؤشر أسعار المستهلكين سوف تتوافق مع اعتقاد صناع السياسات النقدية بأن عملية تباطؤ التضخم ستستمر بشكل تدريجي، مع احتمال حدوث تقلبات في مسيرة مكافحة التضخم.
"سيتعين على باول أن يوازن (في خطابه) بين الاعتراف بما تم إنجازه لعودة الاقتصاد لطبيعته، ومن جانب آخر، مواجهة الرهانات على التخفيضات المبكرة لأسعار الفائدة"، وفق أوسكار مونوز وجينادي غولدبرغ الاستراتيجيين في "تي دي سيكيوريتيز"، وأضافا: "نتوقع أن يميل الرئيس لصالح حذر اللجنة، على أن يُقدم نبرة تشدد حذر في المؤتمر الصحفي بعد الاجتماع".
وباستثناء حدوث تدهور ملموس في الاقتصاد وسوق العمل، فإن الاحتياطي الفيدرالي لن يقوم بتيسير السياسة النقدية حتى يتأكد من أن التضخم يسير على مسار واضح ومستدام نحو هدف 2%، حسبما أشار استراتيجيو "تي دي"، وأضافوا: "من غير المرجح أن يوفر تقرير اليوم هذا اليقين حتى الآن".
ساعدت علامات تراجع التضخم في دفع سوق السندات الأميركية الشهر الماضي لتحقيق أكبر مكاسبها منذ منتصف الثمانينيات، لتتراجع العائدات بشكل حاد بسبب تكهنات بأن الاحتياطي الفيدرالي سيخفض سعر الفائدة القياسي بأكثر من نقطة مئوية كاملة في 2024.
وقال كريس لاركين من "إي تريد" (E*Trade) التابعة لـ"مورغان ستانلي": "إن خفض التضخم من أعلى مستوياته في العام الماضي هو شيء، والوصول إلى هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2% شيء آخر.. وبغض النظر عن أرقام اليوم، فإن الاتجاهات لا تزال تشير إلى تباطؤ الاقتصاد وتقهقر التضخم. وهذا يعني أن أسعار الفائدة المنخفضة لا تزال في أفق 2024، ولكن ليس بالسرعة التي يأملها بعض الناس".
قالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين يوم الثلاثاء، إنها لا تعتقد أن "المحطة الأخيرة" في إعادة التضخم إلى هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2% ستكون صعبة بشكل خاص.
سوق عمل قوية
في حين تراجعت ضغوط الأسعار إلى حد كبير عن أعلى مستوياتها منذ عدة عقود، فإن استمرار قوة سوق العمل لا يزال يدعم الإنفاق الاستهلاكي والاقتصاد الأوسع. أظهرت بيانات الأسبوع الماضي أن سوق العمل زادت قوةً بشكل غير متوقع في نوفمبر مع ارتفاع معدلات التوظيف والأجور. وانخفض معدل البطالة إلى 3.7%، وارتفعت مشاركة القوى العاملة. وارتفع نمو الأجور الشهرية أكثر من المتوقع.
"مكونات الخدمات الأساسية الأكثر تأثراً بالأجور -والتي كانت محور تركيز الاحتياطي الفيدرالي- تستمر في التحرك بشكل عرضي، مما يؤكد من جديد وجهة نظرنا بأنه رغم التقدم الكبير في التضخم، فإن سوق العمل لا تزال بحاجة إلى الهدوء حتى ينجح البنك المركزي في نهاية المطاف في إعادة التضخم إلى 2%" وفق تيفاني وايلدنغ، العضو المنتدب والاقتصادية في شركة "باسيفيك إنفستمنت مانجمنت".
توقعات بالإبقاء على أسعار الفائدة للاجتماع الثالث
ووسط التوقعات السائدة بأن يحافظ الاحتياطي الفيدرالي على نطاق سعر الفائدة المستهدف عند نفس مستوياته للاجتماع الثالث على التوالي عند 5.25% إلى 5.5%، سيفحص المتداولون أي إشارات من باول حول مسار السياسة النقدية، وتحديث التوقعات الفصلية للبنك المركزي بعناية.
"تكمن الخدعة الآن في التأكد من عدم ارتداد السياسة النقدية التي قصمت ظهر التضخم ودفع الاقتصاد إلى الركود، والذي أصبح لدى البنك المركزي نطاقاً أقل لمنع حدوثه"، وفق جيمي كوكس، الشريك الإداري لـ"هاريس فاينانشال غروب" (Harris Financial Group).
الطريقة التي سيضع بها الاحتياطي الفيدرالي توقعاته لسياسة أسعار الفائدة -التي تنتهي في العام المقبل- وعام 2025 عبر "المخطط النقطي" يمكن أن تضخ بعض عدم اليقين في السوق التي تخطت بالفعل التوقعات الحالية للبنك المركزي.
قال خوسيه توريس، كبير الاقتصاديين في "إنتراكتف بروكرز" (Interactive Brokers): "ينتظر المشاركون في السوق ليروا ما إذا كانت تعليقات رئيس الاحتياطي الفيدرالي باول والملخص المنقح للتوقعات الاقتصادية ستنشر السعادة بالسوق غداً أو ستفسد بهجة المتعاملين".
وأشار إلى أنه إذا ما توافق ملخص التوقعات الاقتصادية مع التقديرات بحدوث خمسة تخفيضات في أسعار الفائدة خلال 2024 ستنطلق الأسهم في "ارتفاع سانتا كلوز"، مضيفاً أنه إذا ما توقع الملخص حدوث "تخفيضين أو ثلاثة فقط، يمكن أن يتسبب في هبوط الأسهم بختام تعاملات العام"
أداء أبرز المؤشرات:
- ارتفع مؤشر "إس آند بي 500" بنسبة 0.5% في الساعة 4 مساء بتوقيت نيويورك
- مؤشر "ناسداك 100" صعد 0.8%
- انخفض مؤشر بلومبرغ للدولار الفوري 0.2%
- استقر سعر بتكوين عند 41,197.75 دولار
- انخفض العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات ثلاث نقاط أساس إلى 4.20%