يتوقع المستثمرون بشكل شبه مؤكد فوز الرئيس عبد الفتاح السيسي مرة أخرى بانتخابات الرئاسة في مصر، وبعدها بفترة قصيرة قد يضطر إلى تخفيض مؤلم لقيمة الجنيه المصري.
ومع توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع في أكبر دولة عربية سكاناً، يستعد مديرو الأموال بالفعل لما سيأتي بعد ذلك.
يحظى الاقتصاد المصري المتعثر بدعم بعشرات المليارات من الدولارات من صندوق النقد الدولي ودول في مجلس التعاون الخليجي.
لكن سندات مصر الخارجية تشير إلى مواجهتها ضائقة مالية خلال معظم العام الماضي، ومن المرجح أن تكون هناك حاجة لمزيد من التخفيضات في قيمة الجنيه لإطلاق المزيد من حزم الإنقاذ. وتثور أسئلة كذلك نظراً لأهمية مصر الاستراتيجية مع احتدام الحرب في قطاع غزة.
بلومبرغ: هل تحصل مصر على تمويلات جديدة بعد تعزيز حرب غزة لنفوذها؟
قال عبد القادر حسين، العضو المنتدب للدخل الثابت في "أرقام كابيتال ليمتد" (Arqaam Capital Limited) في دبي: "فوز السيسي بالانتخابات هو التوقع السائد. أما بالنسبة لما يلي، فأعتقد بأن السوق تتوقع دعم صندوق النقد الدولي ودول مجلس التعاون الخليجي، وربما حتى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لمصر اعتماداً على كيفية تطور المأساة في غزة".
زيادة المساعدات إلى مصر
يدرس صندوق النقد الدولي زيادة حزمة مساعداته لمصر، مما قد يرفع برنامجه إلى أكثر من 5 مليارات دولار مقارنة بـ3 مليارات مقررة حالياً. ومصر بالفعل ثاني أكبر مقترض من الصندوق بعد الأرجنتين التي تخلفت عن السداد أكثر من مرة.
وتتزايد التكهنات أيضاً بأن مصر ستحصل على المزيد من الأموال من الحلفاء العرب في مجلس التعاون الخليجي، بل والغرب، كونها المنفذ الحاسم لوصول المساعدات إلى غزة وسط حرب إسرائيل مع حركة "حماس".
ولكن الشرط الأهم لصرف جزء من رأس المال هذا يتوقف على تخفيف الضوابط المفروضة على سوق الصرف الأجنبي؛ إن لم يكن التحرير الكامل.
ورغم أن الجنيه المصري فقد نحو نصف قيمته مقابل الدولار منذ مارس 2022، يراهن المتعاملون في سوق المشتقات المالية على أن مصر ستضطر إلى السماح بانخفاض سعر الجنيه 40% أخرى خلال العام المقبل. وهذا من شأنه أن يهوي بالعملة إلى ما يقل قليلاً عن 50 جنيهاً مقابل الدولار الواحد، مقارنة بـ30.85 حالياً.
وقال تشارلز روبرتسون، رئيس استراتيجية الاقتصاد الكلي في "إف آي إم بارتنرز" (FIM Partners): "أتصور أنه بعد فوز السيسي سيجري تخفيض قيمة العملة 20% ثم الحصول على تمويل أكبر من صندوق النقد الدولي. ربما يكون هذا أمراً إيجابياً للسندات المصرية بالدولار -ربما للأسهم أيضاً- إذا اعتُبر انخفاض قيمة الجنيه كافياً للتخلص من أزمة العملات الأجنبية".
هل يُصلح السيسي وضع مصر؟
بالنسبة لسندات مصر الخارجية، فإن السؤال هو ما إذا كانت مصر قادرة على إنجاز كل المطلوب لمعالجة الاضطرابات التي تعاني منها سوقها الاقتصادية والمالية.
وساعد التفاؤل بأن السيسي سيحاول بذل الكثير من الجهد في رفع قيمة السندات خلال الأسبوع الماضي. بل إن علاوة المخاطر التي يطلبها المستثمرون للاحتفاظ بسندات مصر الدولارية بدلاً من سندات الخزانة الأميركية انخفض إلى ما دون عتبة 1000 نقطة أساس التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها مؤشر على التعثر.
بلومبرغ: ضبابية مشهد الاقتصاد المصري تثير قلق بنوك الاستثمار
وقال أدريان دو توا، مدير الأبحاث الاقتصادية للأسواق الناشئة بمؤسسة "ألاينس برنشتاين" المقيم في لندن: "كان أداء سندات اليوروبوند جيداً على أساس التوقعات بأنه بمجرد زوال المخاطر المتعلقة بالانتخابات، سيكون لدى الحكومة المصرية مساحة أكبر للمناورة وسيستجيب صندوق النقد الدولي بالمثل. نعتقد بأن هذا معقول وأن الرهانات الهبوطية عفا عليها الزمن".
ويرى دو توا أن الخطر، بطبيعة الحال، يتمثل في أن توقعات الانتعاش وتراجع السندات ستتلاشى إذا لم يكن هناك إنجاز للتعهدات بحلول أوائل عام 2024.
إدمان الأموال الساخنة
في قلب الأوضاع المالية السيئة التي تعاني منها مصر حالياً، تبرز إشكالية الأموال الساخنة، حيث تتدفق محافظ الأموال المتقلبة على الأسهم والسندات، ولكنها يمكن أن تغادر بنفس السرعة التي وصلت بها (إلى الأصول المصرية).
وعرضت مصر منذ فترة طويلة بعضاً من أعلى أسعار الفائدة الحقيقية في العالم من أجل جذب النقد الأجنبي اللازم لسد العجز. لكن ذلك تركها ترزح تحت عبء ديون مرهقة.
تراكم الفوائد على الديون المصرية
طوال العقد الماضي، اضطرت مصر إلى تخصيص أكثر من نصف دخلها الضريبي لدفع الفوائد على ديونها. وفي الفترة من يوليو إلى سبتمبر هذا العام، بلغت تكاليف الفائدة أكثر من 1.5 مرة إيرادات الضرائب، وفقاً لبيانات وزارة المالية.
واقترنت استدامة هذه الاستراتيجية باستمرار تدفق رؤوس الأموال. لكن عندما غزت روسيا أوكرانيا في 2022، لم تتوقف الأموال الساخنة عن التدفق فحسب، وإنما تخارجت مع ارتفاع التضخم على واردات السلع الأساسية المكلفة، مثل القمح والنفط. وانخفض صافي تدفقات استثمارات المحافظ إلى 3.8 مليار دولار في السنة المالية "2022-2023"، مقارنة بـ21 مليار دولار في السنة السابقة.
فوائد الديون تفاقم عجز ميزانية مصر إلى 3.85% في الربع الأول
وتحاول مصر منذ ذلك الحين إعادة اقتصادها إلى المسار الصحيح وجذب المستثمرين مرة أخرى. لكن وكالتي "فيتش" و"موديز إنفستورز سيرفيس" خفضتا تصنيف مصر الائتماني في الأشهر القليلة الماضية، وأشارتا إلى النقص المستمر في العملات الأجنبية والديون المكلفة على البلاد.
هذه المخاطر مجتمعة -وارتفاع أسعار الفائدة العالمية- حرمت مصر من الدولارات التي تحتاجها لدفع ثمن السلع الأساسية المستوردة وأجبرتها على تخفيض قيمة العملة.
يشير الاتساع الكبير بين السعر الفوري للعملة المحلية وسعر السوق الموازية (السوداء) إلى ضغوط متزايدة، ما يؤكد الحاجة إلى تخفيضات إضافية لقيمة الجنيه، حسبما كتب الخبراء الاستراتيجيون في "دويتشه بنك"، بمن فيهم كريستيان فيتوسكا، في مذكرة بتاريخ 6 ديسمبر.
وقالوا: "من المرجح القيام بجولة جديدة من تخفيض قيمة العملة بعد الانتخابات الرئاسية وقبيل الانتهاء من مراجعات صندوق النقد الدولي في أوائل 2024".