قفزت أسعار الأسهم الأميركية بينما انخفضت عوائد السندات، إذ عزز تباطؤ التضخم غير المتوقع الرهانات على انتهاء دورة تشديد السياسة النقدية التي يقودها مجلس الاحتياطي الفيدرالي، على أن تكون الخطوة التالية -وهي خفض الفائدة- في منتصف 2024.
صعدت أسعار حوالي 95% من الشركات المدرجة على مؤشر "إس آند بي 500" (S&P 500) الذي ارتفع 2%. وقادت شركة "تسلا" مكاسب أسهم الشركات العملاقة؛ كما صعد سهم "إنفيديا" للجلسة العاشرة على التوالي.
قفزت أسهم البنوك الإقليمية 6%، وارتفع مؤشر "رسل 2000" للأسهم الصغيرة 5%. صعدت سلة مجموعة "غولدمان ساكس" للأسهم التي تعرضت لأعنف ضغوط بيع على المكشوف بنسبة أعلى من السوق الأوسع، في إشارة إلى أن بعض المتداولين يستعدون لتغطية رهاناتهم الهبوطية. وانخفضت عائدات السندات لأجل خمس سنوات بمقدار 24 نقطة أساس إلى 4.42%، وتراجع الدولار 1.2%.
تزايد رهانات التيسير
وفي حين أن ارتفاع الأسهم الأمركية يمكن أن يهدد بمزيد من التيسير في الأوضاع المالية -ويؤدي في نهاية المطاف إلى تعقيد مهمة الاحتياطي الفيدرالي- فقد زادت الرهانات على "التحوّل" في العام المقبل. إذ تشير عقود المقايضة إلى هبوط احتمالات رفع أسعار الفائدة مرة أخرى إلى الصفر تقريباً، كما ترجح السوق الآن خفض سعر الفائدة 50 نقطة أساس بحلول يوليو.
وقال برايس دوتي، من شركة "ست فيكسد إنكوم إدفايزورس" (Sit Fixed Income Advisors): "آخر المستثمرين غير المقتنعين بأن الاحتياطي الفيدرالي قد انتهى، هم على الأرجح يستسلمون.. من المرجح أن يكون الإجراء التالي الذي يتخذه البنك المركزي هو خفض أسعار الفائدة في الصيف المقبل، وليس إقرار زيادة أخرى".
أمّا كريس لاركين من "إي *تريد" (E*Trade) التابعة لـ"مورغان ستانلي"، فيرى أنه في حين أن الأرقام الأقل من المتوقع من المرجح أن تشجع بعض المستثمرين على البدء في الاستعداد لخفض أسعار الفائدة خلال 2024، فمن المحتمل أن يستمر الاحتياطي الفيدرالي في محاربة هذه التكهنات. وقال: "لقد خاضوا سباقاً طويلاً، ولن ينسحبوا لمجرد أن خط النهاية يبدو أقرب قليلاً".
استبعاد رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة
يقول كريس زاكاريللي من "اندبندنت ادفايزور ألاينس" (Independent Advisor Alliance) إنه سواء توقعت أن يتفادى الاقتصاد الأميركي الركود أم لا، ستواصل السوق الارتفاع مع بدء تقبّل المستثمرين الاعتقاد بأن أسعار الفائدة المرتفعة لم تعد مطروحة.
يشير انخفاض التضخم إلى أن قرارات السياسة النقدية الأخيرة تؤدي وظيفتها، مما يرفع احتمالات "الهبوط السلس" أكثر من أي وقت مضى، وفق ريتشارد فلين من "تشارلز شواب" في المملكة المتحدة، والذي أشار إلى أن هذه الأخبار تعزز احتمالية "إحجام" المسؤولين عن رفع أسعار الفائدة بشكل أكبر.
قال نيل دوتا، رئيس قسم الاقتصاد في "رينيسانس ماكرو ريسيرش": "مع صمود الاقتصاد الأميركي، فإن بيانات التضخم تعكس هبوطاً سلساً بالنسبة لأسواق الأسهم".
ترى لورين غودوين من "نيويورك لايف انفستمنتس" (New York Life Investments) أن حدوث عملية انكماش للأسعار بشكل سليم يعني أن الاحتياطي الفيدرالي يمكنه "البقاء متماسكاً في الوقت الحالي"، وهو ما من شأنه أن يقلل من خطر "الإفراط في السياسة النقدية المقيِّدة". ومع ذلك فهي تحذر المستثمرين الذين أصبحوا "متحمسين للغاية" لأن "الظروف المالية بدأت تتراجع الآن من جديد، الأمر الذي يُبقي الاحتياطي الفيدرالي على أهبة الاستعداد ويعتمد بشكل كبير على البيانات".
الحذر حيال تيسير الظروف النقدية
يتمثل التحدي الذي يواجه الاحتياطي الفيدرالي في أن السوق تحاول استباق الأوضاع إلى "نهاية اللعبة" -أي المخاطرة بتيسير أكبر أو عاجل في الظروف المالية بشكل أكثر مما قد يودُّ البنك المركزي نفسه- وفق كريشنا جوها، من "إيفر سكور" (Evercore)، مضيفاً: "لذا نتوقع أن يحافظ مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي على لهجة حذرة للغاية ومتشددة نسبياً".
وقال كين غريفين، مؤسس "سيتاديل"، إن الاحتياطي الفيدرالي سيخاطر بسمعته إذا خفض أسعار الفائدة بسرعة كبيرة. وقالت كاثي وود، رئيسة "آرك انفستمنت مانجمنت" (ARK Investment Management)، إن انكماش الأسعار يحدث بالفعل في الولايات المتحدة عبر الصناعات وسيجبر البنك المركزي على إطلاق دورة كبيرة لخفض أسعار الفائدة.
من جهتهم، رحب مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي بأحدث البيانات التي تظهر تراجع التضخم في الولايات المتحدة، بينما أضافوا أنه لا يزال هناك طريق يجب قطعه قبل الوصول إلى هدف البنك المركزي البالغ 2%.
وقال بريان روز، من "يو بي إس غلوبال ويلث مانجمنت" (UBS Global Wealth Management): "مازلنا نتوقع في الأساس عدم رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة عن مستوياتها الحالية.. ومع ذلك، لا يزال التضخم مرتفعاً جداً، كما أن سوق العمل مازالت تعاني من ضيق في المعروض للغاية بحيث لا يتمكن البنك المركزي من إعلان النصر ونهاية دورة رفع أسعار الفائدة".
ويرى روز، أن مثل هذا الإعلان (الانتصار على التضخم ونهاية دورة تشديد السياسة النقدية) ربما يصدر بعد ثلاثة أشهر على الأقل ما لم تتخذ البيانات منعطفاً مفاجئاً نحو الجانب الأضعف. وأشار إلى أنه بمجرد صدور الإعلان، قد تركز الأسواق بسرعة على توقيت الخفض الأول لسعر الفائدة، مما يؤدي إلى هبوط عوائد السندات وضعف الدولار الأميركي.
توقعات إيجابية للأسهم حتى نهاية العام
صعدت أسعار الأسهم في نوفمبر بسبب الرهانات على أن الاحتياطي الفيدرالي ربما انتهى من رفع أسعار الفائدة، وارتفع مؤشر "إس آند بي 500" بأكثر من 7% خلال هذه الفترة، في طريقه لتسجيل أفضل شهر له منذ أكتوبر 2022.
تشير البيانات التي جمعتها بلومبرغ إلى أنه طيلة الـ22 عاماً الماضية، كلما ارتفع مؤشر "إس آند بي 500" بنسبة 5% أو أكثر بحلول منتصف نوفمبر، كان أداؤه إيجابياً خلال الفترة المتبقية من العام. بالعودة بالتاريخ إلى خمسين عاماً ماضية، ستجد أن هذه النتيجة كانت إيجابية 26 من أصل 30 مرة، مع انخفاض في أربعة استثناءات بنسبة 1% أو أقل.
في غضون ذلك، تحوّل المستثمرون إلى التفاؤل حيال السندات بأكبر قدر منذ الأزمة المالية العالمية وسط "اقتناع كبير" بأن أسعار الفائدة ستنخفض في 2024، وفقاً لأحدث استطلاع لمديري الصناديق من "بنك أوف أمريكا". وأظهر الاستطلاع أن المستثمرين يتخلصون من أموالهم ليحتفظوا بأكبر قدر من زيادة المراكز في السندات منذ 2009.
ولم تتحقق توقعات"باسيفيك انفستمنت مانجمنت" (Pacific Investment Management) –من بين العديد من الشركات- بحدوث ارتفاع هذا العام، وجددت توقعاتها لعام 2024.
"نادراً ما بدت السندات جذابة كما تبدو اليوم" مقارنة بالأسهم، وفق ما قاله مديرو شركة "بيمكو" (Pimco) إيرين براون وجيرالدين سوندستروم وإيمانويل شريف، في تقرير يتوقعون فيه "عاماً مميزاً" لفئة الأصول في عام 2024.
أداء أبرز المؤشرات:
- ارتفع مؤشر "إس آند بي 500" بنسبة 1.9% حتى الساعة 4 مساءً بتوقيت نيويورك.
- مؤشر "ناسداك 100" صعد 2.1%.
- صعد مؤشر داو جونز الصناعي 1.4%.
- انخفض مؤشر بلومبرغ للدولار الفوري 1.2%.
- انخفض العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بمقدار 20 نقطة أساس إلى 4.44%.