يمكن أن تضيف إلى القائمة المتزايدة من الأشياء التي تجعل شركة "كولي إنك" (Coly Inc) الناشئة في مجال الألعاب، غير عادية، أنَّها صاحبة واحدة من أفضل بدايات الطرح العام في سوق الأسهم في تاريخ اليابان الحديث.
وطرحت المؤسِّستان الشريكتان "آنا ناكاجيما" و "ميزوكي ناكاجيما" - وهما توءم – شركة استوديو تصميم ألعاب للهاتف المحمول عمرها سبع سنوات للجمهور يوم الجمعة، وتضاعف سعر السهم، مسجلاً أقوى ظهور تحقَّق لأوَّل مرة في السوق خلال عام 2021، ومع إغلاق يوم الثلاثاء، كانت حصة كل أخت 33.75% بقيمة 15.2 مليار ين (141.5 مليون دولار).
ويبرز نجاح شركة "كولي"، ومديروها التنفيذيون البالغون من العمر 32 عاماً في كل من الألعاب العالمية والأعمال اليابانية.
ويبلغ عدد العاملين 200 موظف، ثلاثة أرباعهم من النساء، وقد حققوا نجاحاً بقصصٍ ذات خطوط متسلسلة أبقت على الجماهير المحبة، ومعظمهم من النساء أيضاً، لتعود إلى حبكة الأحداث غير المتوقَّعة التالية.
ألعاب "كولي"
ويُطلَق على النوع الخاص من ألعاب الشركة أسم "أوتومي" (otome)، وهي كلمة يابانية تعني "العذراء".
ولا أحد يفوز كهدفٍ في حدِّ ذاته للعبة، لكنَّ الإثارة تأتي من القصة، وتعلُّق اللاعبين بشخصياتهم المفضلة.
ويثني عشاق ألعاب "كولي" على النصوص عالية الجودة، والرسومات، والموسيقى، ويحبون عوالم الخيال التي أنشأتها الشركة.
في لعبة "ستاند ماي هيروس" (Stand My Heroes) أي "قم يا بطلي"، يقوم اللاعب بعملية تجميع لفرقة من ضباط مكافحة المخدرات الوسيمين، وفي لعبة "بروميس أوف ويزارد" (Promise of Wizard) أي "وعد الساحر"، يذهب اللاعب في مهمة لعب الأدوار لإنقاذ العالم بمساعدة رجال السحر، وأصحاب المظهر الجيد.
ولا تتطلَّب تلك الألعاب- وهي مجانية التنزيل- مهارة خاصة. ويدفع اللاعبون مقابل الكشف عن خطوط قصة إضافية، وليس الحصول على قدارت خاصة لممارسة اللعبة.
ويبلغ حجم سوق ألعاب "أوتومي" حوالي 80 مليار ين، وفقاً لتقديرات شركة "كولي". وهذا يمثِّل 6% فقط من سوق ألعاب الهواتف الذكية البالغ 1.3 تريليون ين في اليابان، لكنَّ المتابعين يميلون إلى أن يكونوا مخلصين بشكل متعصِّب، ومستعدين للتعلق الذهني بألقاب اللعبات لفترة طويلة، وفقاً لمحلل القطاع "سيركان توتو" من شركة "كانتان جيمز" (Kantan Games).
ارتباط المستخدمين بشخصيات الألعاب
وقالت إحدى المعجبات، إنَّها أدمنت ألعاب "كولي" بعد أن أعلن نجمها المفضَّل في العالم الحقيقي عن خطوبته.
وقالت، إنَّها لم ترغب في الكشف عن اسمها الحقيقي؛ لأنَّها تخشى أن يضايقها الناس بشأن ارتباطها بشخصيات خيالية.
وأضافت أنَّ اللعبة تشبه الملتجأ بالنسبة لها، وشخصيات اللعبة لا تخذلها أبداً.
في اليابان ، يطلق على المعجبات اللاتي يرتبطن عاطفياً بالشخصيات داخل اللعبة اسم "يوميجوشي" (yumejoshi). كما أنَّ جزءاً كبيراً آخر من جمهور "أوتومي" يسمى "فوجوشي" (fujoshi)، وهم اللاعبون الذين يفضِّلون قصص صداقات الذكور والرومانسية والتنافسية.
قد يكون التعامل مع مثل هذا المجتمع الشغوف أمراً صعباً، كما جرى تذكير شركة "كولي" بعد فترة وجيزة من تقديم الاكتتاب العام.
وفي نشرة الطرح العام الأولي الخاصة بها، أشارت الشركة إلى معجبيها "يوميجوشي" و"fujoshi"، وتَعرض اللاعبون للإهانة عند وصفهم بتعبيرات يستخدمونها عادة بطريقة مرحة وساخرة من الذات. واعتذرت شركة "كولي" عن التعبيرات غير اللائقة.
كما رفضت شركة "كولي" الإجابة على الأسئلة الخاصة بهذه القصة أو جعل المديرين التنفيذيين متاحين لإجراء المقابلات، مشيرة إلى مراعاة المستخدمين.
وبالنسبة للنجوم الصاعدين في صناعتهم، يحافظ التوءم "ناكاجيما" البالغ من العمر 32 عاماً على مكانة منخفضة نسبياً.
قبل بدء شركة " كولي " في عام 2014 ، لم يكن لدى أي منهما خلفية فنية. وعملت "ميزوكي" في الوحدة الاستثمارية لشركة "مورغان ستانلي إم يو أف جي سيكيوريتيز كو" (Morgan Stanley MUFG Securities Co)، وقضت "آنا" فترة في صحيفة "سانكي" (Sankei) اليابانية.
نجاح استثنائي.. لكن الشكوك لا تزال حاضرة
غالباً ما تكون ألعاب "أوتومي" للهواتف المحمولة أرخص في صنعها من ألعاب وحدة التحكُّم النموذجية أو ألعاب أجهزة الكمبيوتر الشخصي المتطوِّرة (مناسبة لرسوم الجرافيك المتحركة)، مما يقلل من الحواجز التي تحول دون دخول شركات جديدة مثل شركة "كولي". كما أنَّه يفتح الباب للمنافسة والمُقلدين، ولايزال عدد قليل من ألقاب الألعاب مشهوراً لعدة سنوات بالطريقة التي تتمتَّع بها شركة "كولي".
ووفقاً لملف الإيداعات الخاص بالطرح، نمت الإيرادات والأرباح بشكل مطَّرد منذ بداية الشركة، في تناقضٍ واضح للغاية مع النتائج المضطربة الأكثر شيوعاً لصانعي ألعاب الهاتف المحمول في البلاد.
وساعد الصعود السلس آل "ناكاجيما" على تجنُّب الاستثمار الخارجي. وقبل الاكتتاب العام، كانوا يمتلكون 90% من الشركة؛ أما النسبة المتبقية البالغة 10% فكانت مملوكة من قبل مسؤول تنفيذي آخر.
قال "دايسوكي إيجيما"، كبير الباحثين في شركة "تيكوكو داتا بنك": " رؤية سيدتين تؤسسان شركة، وتقوداها بنجاح إلى طرح بالبورصة هو أمر استثنائي حقاً في اليابان".
وأضاف "إيجيما" أنَّ 8% فقط من الشركات اليابانية لديها مديرات تنفيذيات معظمهن في الستينيات والسبعينيات من العمر ورثنَ هذا المنصب من أحد الأقارب. ويوجد في قطاع البرمجيات أقل من 5% من الشركات تقودها سيدات.
وقال المحلل "هيديكي ياسودا" المحلل في شركة "أيس ريسيرش إنستيتيوت"، إنَّ المحللين والمستثمرين لا يزالون متشككين.
وأضاف أنَّه لا يزال من الممكن اعتبار اثنتين من الألعاب الناجحة محظوظة، وستحتاج الشركة إلى توسيع نطاق جاذبيتها بما يتجاوز قاعدة عملائها الحالية.
فرص للتوسع خارج اليابان
يمكن أن تكون إحدى الأسواق الجديدة المحتملة لشركة كولي في الخارج. وقال "توتو" من شركة "كانتان"، إنَّ الإلمام العالمي بالرسوم المتحركة والثقافة المحيطة بها آخذ في الازدياد.
وتبنَّت الصين وكوريا الجنوبية اتجاهات ثقافة اليابان الشعبية في الماضي. وشهدت شركة "نيكسون" زيادة في إيراداتها في الولايات المتحدة بعد أن استحوذت على شركة "بيكسلبيري ستوديوز" (Pixelberry Studios) في عام 2017، وهي شركة صانعة للألعاب القصصية للنساء مثل "اختيارات: قصص تلعبها بنفسك" ( Choices: Stories You Play).
وأوضح توتو أنَّه يوجد الكثير من عشاق الثقافة اليابانية بشكلٍ عام الآن مقارنة بعقد أو عقدين من الزمن في الماضي.
يمكن أن يمتد ارتباط اللاعبين بالشخصيات الخيالية إلى العالم الواقعي، مثلما حدث عندما توافد عشاق شخصية "توكين رانبو" من لعبة "إكسونا إل أل سي" (Exnoa Llc) على الأضرحة والمتاحف، وتبرعوا بعشرات الملايين من الين الياباني لاستعادة العناصر التاريخية التي كانت شخصيات اللعبة مرتبطة بها.
قالت "ناوكو كينو"، رئيسة شركة "كيوس كو" لاستشارات الألعاب: "إنَّ إمكانات السوق مفتوحة على مصراعيها، لم تكن الألعاب قريبة جداً كما هو الحال الآن من النساء بفضل انتشار الهواتف الذكية في كل مكان".