خسر عمالقة التكنولوجيا الصينيون، بدءاً من مجموعة "علي بابا " إلى شركة "تيسنت هولدينغز "Tencent Holdings Ltd نحو 260 مليار دولار من القيمة السوقية على مدى يومين من عمليات البيع المحموم، إذ سارع المستثمرون لتقييم تداعيات محاولة بكين الأوسع لكبح جماح أقوى شركات القطاع الخاص.
وتراجعت أسهم شركات التكنولوجية لليوم الثاني بعد أن أصدرت بكين لوائح تهدف إلى الحد من التأثير المتزايد لقادة قطاع الإنترنت بما في ذلك "جي دي "JD.com Inc وشركة "ميتوان Meituan" وشركة "شاومي Xiaomi Corp".
وانخفض مؤشر "هانغ سينغ" للأسهم التكنولوجية (Hang Seng Tech) بنسبة 5.6 في المئة يوم الأربعاء في هونغ كونغ، فقد ارتفع مستوى الخسارة على مدار يومين إلى 10 في المئة اعتباراً من منتصف اليوم، وانخفضت الأسهم للشركات الخمس المشار إليها أعلاه، بنسبة 8 في المئة على الأقل خلال جلستين.
لوائح لاستئصال الممارسات الاحتكارية
وكشفت بكين يوم الثلاثاء النقاب عن لوائح لاستئصال الممارسات الاحتكارية في قطاع الإنترنت، مبتعدة عن نهج عدم التدخل السائد، مما وجه ضربة لشركات تقع في قلب ثاني أكبر اقتصاد بالعالم. ووصل المرسوم الغامض الصياغة بعد أسبوع من القيود الجديدة على التمويل التي أدت إلى التعليق المفاجئ للطرح العام الأولي لشركة "آنت غروب Ant Group Co" بقيمة 35 مليار دولار، مما أدى إلى إفشال طموحات مؤسس "علي بابا" "جاك ما" للسيطرة على أنشطة التمويل عبر الإنترنت من خلال هذه العملية. كما ظهرت هذه القيود عشية الاحتفال بـ"يوم العزاب"، وهو الاحتفال الذي اخترعه "ما" قبل عقد من الزمان ثم تطور ليصبح ذروة الإقبال السنوي الأكبر للتسوق في البلاد.
وقال "زان هاو"، الشريك الإداري في شركة المحاماة" أنجيي لو فيرم Anjie Law Firm" في بكين: "سيتعين على شركات التكنولوجية الكبرى في الصين إعادة التفكير في نماذج أعمالها".
وأضاف "فلسفة شركات الإنترنت هي أن الفائز يأخذ كل شيء، وخاصة بالنسبة لشركات تشغيل المنصات، فهم يكتنزون (معلومات) حركة مرور المستخدمين ويبنون من خلالها أنظمة بيئية (شبكة التعاملات الخاصة بها) متشابهةً بعضها مع بعض".
امبراطوريات مترامية الأطراف
تعمل حكومة الرئيس الصيني "شي جين بينغ" بشكل متزايد على تقليص نفوذ الشركات الخاصة التي أصبحت المحرك الرئيسي للنمو في البلاد. وعلى الرغم من الحملات القمعية المتفرقة على المجالات الضيقة من ألعاب أجهزة الهواتف المحمولة إلى الغش عبر الإنترنت؛ فإن أمثال شركتي "علي بابا Alibaba" و "تينسيت Tencent" كانتا في الغالب أكثر حرية في الاستحواذ على أعمال جديدة والاستثمار فيها، ليصبحوا داعمين رئيسيين للشركات الناشئة البارزة أثناء بناء امبراطوريات مترامية الأطراف تغطي الآن التجارة الإلكترونية، والتمويل الرقمي، ووسائل التواصل الاجتماعي، والترفيه.
وقال "جون دونغ"، محامي الأوراق المالية في شركة "جوينت وين بارترنرز Joint-Win Partners" في شنغهاي: "لقد شعرت بأنفاسي تتسارع عندما قرأت هذه الإرشادات أول مرة، وجاء التوقيت عشية الاحتفال بيوم العزاب، إنه أمر مذهل مع مشاهدة القوة والعزم على إعادة تشكيل عمالقة التكنولوجية".
وتسعى هيئة مكافحة الاحتكار في الصين إلى الحصول على ردود أفعال بشأن القواعد التي تضع إطاراً للحد من السلوكيات المناهضة للمنافسة مثل التواطؤ على مشاركة بيانات المستهلكين الحساسة، والتحالفات التي تضغط على المنافسين الأصغر حجماً، ودعم الخدمات لخفض التكلفة من أجل القضاء على المنافسين.
كيان الفائدة المتغيرة
وقد يطلبون أيضاً من الشركات التي تدير ما يسمى بكيان "الفائدة المتغيرة" - وهي وسيلة تجذب من خلالها كل شركة إنترنت صينية كبرى تقريباً الاستثمار الأجنبي لكنها تدرج في بورصة بالخارج - التقدم بطلب للحصول على موافقة تشغيل محددة.
قال "شين مينغ"، مدير بنك "تشانسون وشركاه Chanson & Co" للاستثمار المحدود ومقره في بكين: "لقد وسعت شركات الإنترنت العملاقة من قدرات وصولها إلى قطاعات مختلفة مثل التمويل والرعاية الصحية التي تعدُ حيوية للاقتصاد، وتهم الجهات التنظيمية فعلاً. وهذا التحرك يثبط مساعي شركات قطاع التكنولوجية في الإدراج بالبورصة على المدى القريب؛ لأن الشركات التي تتأثر بهذه القيود ستحتاج إلى فترة زمنية لتوفيق أوضاع أعمالهم وفقاً لها."
ضربة إضافية لأسهم التكنولوجية
وفي الثالث من نوفمبر، صدم صانعو السياسة عالم الاستثمار بتعليق طرح عام أولي لشركة "آنت غروب Ant Group"، وهي شركة تكنولوجية مالية يسيطر عليها الملياردير "جاك ما". وجاء القرار قبل يومين فقط من بدء تداول أسهمها بالبورصة في عملية طرح جذبت ما لا يقل عن 3 تريليونات دولار من طلبات المستثمرين الأفراد. ثم ضاعفت أكبر هيئة مراقبة مصرفية في الصين من الضغط لكبح جماح شركات التكنولوجية المالية، ووعدت يوم الأربعاء بالقضاء على الممارسات الاحتكارية وتعزيز ضوابط المخاطر.
وقد جاء ذلك على رأس سلسلة من التصريحات الصادرة عن الجهات التنظيمية هذا الأسبوع التي استهدفت صناعة التكنولوجية. وتشير اللوائح الجديدة لقطاع الإنترنت إلى "مزيد من التشديد" للقيود على أنشطة الاقتصاد عبر الإنترنت، على الرغم من أن التأثير الحقيقي سيعتمد على كيفية تطبيق القواعد بحسب رسالة كتبها محللو مؤسسة "جيه بي مورغان تشيس اند كو JPMorgan Chase & Co" بقيادة "أليكس ياو".
وتأتي اللوائح المقترحة في وقت غير ملائم بالنسبة لأسهم قطاع التكنولوجية، التي تتعرض بالفعل لضغوط من تناوب المستثمرين في البورصات العالمية الذي أدى إلى انخفاض مؤشر "ناسداك المجمع" بحوالي 3 بالمئة هذا الأسبوع.
وقال "دانيال سو"، المحلل الاستراتيجي في شركة" سي إم بي أنترناشونال لميتد CMB International Securities Ltd": "إنها ضربة إضافية للأسهم التكنولوجية، عندما يتتابع خروج المستثمرين من القطاع إلى أسهم الاقتصاد القديم بسبب ظهور اللقاح (المضاد لفيروس كورونا)"، مضيفاً أن شركات مثل " تينسنت Tencent" و"علي بابا Alibaba" ستستمر في مواجهة ضغوط سلبية.