رسائل متضاربة من العواصم الغربية حول مدى إمكانية تعامل الشركات مع السلع الروسية

مصارف وشركات عالمية تسارع إلى صفقات المعادن الروسية رغم العقوبات

عامل يتفحص جودة ألمنيوم منصهر داخل أحد المصاهر في سايانوغورسك، روسيا - المصدر: بلومبرغ
عامل يتفحص جودة ألمنيوم منصهر داخل أحد المصاهر في سايانوغورسك، روسيا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

بعد ما يقرب من عامين، من غزو روسيا لأوكرانيا تُبدي مجموعة محدودة من البنوك الغربية والتجار استعداداً متزايداً لإبرام صفقات معادن روسية جديدة، بدءاً من "سيتي غروب" إلى "ترافيغورا غروب" (Trafigura Group)، وتسعى لاغتنام فرص تحقق لها الربحية فيما يتراجع المنافسون عن ذلك.

تعكس الصفقات تتمكن بعض الشركات التجارية من تجاوز زخم العقوبات على روسيا، وغيرها من القيود المفروضة عليها من أجل الحفاظ على تدفق مواردها الطبيعية، وسط رسائل متضاربة من العواصم الغربية حول ما إذا كانت تريد من الشركات التعامل مع السلع من روسيا.

وفيما يكافح الكثيرون لجني أرباح من تجارة المعادن، تعد الصفقات التي تنطوي على إمدادات روسية واحدة من المجالات المحدودة التي تحقق ربحاً قوياً، وفقاً لرئيس إحدى شركات التداول الذي طلب عدم الكشف عن هويته.

لا تفرض الحكومات الغربية قيوداً شاملة على تجارة المعادن الروسية. ولا تشمل الصفقات تلك الشركات التي تخضع لعقوبات أميركية أو أوروبية. مع ذلك، كان وضع المواد الروسية محفوفاً بالمخاطر في عالم المعادن، حيث تراجع العديد من المشترين الغربيين، مما أدى إلى زيادة حادة في الشحنات المتجهة إلى آسيا، بينما ضغط المنتجون المنافسون دون جدوى حتى من أجل إمدادات غير مشمولة بالعقوبات تحظرها بورصة لندن للمعادن (LME).

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

عدم اليقين بشأن صفقات المعادن الروسية

أما الآن، فإن فترة عدم اليقين بشأن الوضع القانوني والأخلاقي فيما يتعلق بصفقات المعادن الروسية تفسح المجال لمزيد من الاستقرار بعد 20 شهراً من غزو أوكرانيا.

وقال أشخاص مطلعون على الأمر إنه من بين الشركات التجارية في هذا المجال، سعت "ترافيغورا" بشكل حثيث إلى عقد صفقات جديدة لشراء وبيع المعادن الروسية، بينما تبذل جهوداً لاستباق خطوات منافستها شركة "غلينكور" (.Glencore Plc)—التي لا تزال مشترياً رئيسياً للألمنيوم الروسي، لكنها قالت إنها لن تقوم بأعمال تجارية جديدة في البلاد.

في بورصة لندن للمعادن، تشتري الشركات المالية بما في ذلك "سيتي" و"سكويربوينت كابيتال" كميات كبيرة من الألمنيوم الروسي الذي يشكّل الغالبية العظمى من مخزونات البورصة حالياً.

وتباينت مواقف كبريات شركات تجارة المعادن. فقد قالت "غلينكور" في مارس 2022 إنها لن تمارس أعمالاً تجارية جديدة فيما يتعلق بالسلع روسية المنشأ، على الرغم من أنها تحتفظ بعقد كبير وطويل الأجل لشراء الألمنيوم من شركة "يونايتد كو روسال إنترناشونال" (United Co Rusal International PJSCUnited Co). كذلك واصلت الشركة شراء النحاس من روسيا وتوريد الألومينا إليها منذ اندلاع الحرب، وفقاً لبيانات تجارية.

عقود سارية قبل الحرب

قال متحدث: "تشمل هذه المعاملات جزءاً من عقود كانت نافذة قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، وتتماشى مع سياستنا فيما يتعلق بالأنشطة التجارية الروسية التي وُضعت بنهاية مارس 2022. لم تمارس (غلينكور) أي أنشطة تجارية جديدة مع الشركات الروسية منذ اندلاع الحرب".

من ناحية أخرى، سعت "ترافيغورا" بشكل حثيث إلى عقد صفقات جديدة في صناعة المعادن الروسية، وفقاً للعديد من الأشخاص المطلعين على الأمر، والذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم لحساسية المناقشات. قالوا إن الشركة أبرمت صفقة محددة لشراء أكثر من 100 ألف طن من النحاس من شركة "إم إم سي نوريلسك نيكل" (MMC Norilsk Nickel PJSC)، كما أنها تشتري كميات كبيرة من النيكل من الشركة الروسية، مما يجعلها واحدة من أكبر عملاء شركة التعدين العملاقة.

قال أشخاص آخرون مطلعون على الأمر إن "ترافيغورا" أبرمت اتفاقاً لشراء ما يقرب من 200 ألف طن من الألمنيوم من شركة "روسال" خلال العام الجاري، فيما يشكّل تحدياً مباشراً لشركة "غلينكور".

ثالث أكبر منجم زنك

قال أشخاص آخرون إن شركة تجارة المعادن تسعى أيضاً للفوز بعقد طويل الأجل لشراء خام الزنك الذي سينتجه منجم "أوزيرنوي" (Ozernoye) الضخم في سيبيريا، والذي من المقرر أن يبدأ الإنتاج في الأشهر القليلة المقبلة ومن المقرر أن يكون أحد أكبر مناجم الزنك في العالم بمجرد الإنتاج بكامل طاقته. قال أحد الأشخاص إن الشركات الأخرى التي تسعى للشراء من المنجم تشمل شركة تجارة المعادن السويسرية "أوبن مينيرال" (Open Mineral)، بالإضافة إلى شركتين صينيتين.

إلى ذلك، صرح كيني آيفز الرئيس التنفيذي لشركة "آي إكس إم" (IXM) خلال مقابلة أُجريت معه مؤخراً إن الشركة، وهي ثالث أكبر شركة تجارة معادن بعد "غلينكور" و"ترافيغورا"، لا تمارس أي أعمال داخل روسيا. أضاف متسائلاً هل نشتري المعدن الروسي من خارج روسيا؟ الإجابة نعم. وأخطط لمواصلة شراء المعادن الروسية خارج روسيا شريطة أن نكون قادرين على ذلك، وأن يقوم منافسونا بالشيء نفسه.

النحاس الروسي

في الوقت نفسه، فإن شركة "ريد ميتال" (Red Metal AG) لتجارة المعادن السويسرية كانت مشترياً مهماً للنحاس الروسي، تراجعت الآن عن ذلك، وفقاً للمدير الإداري ميلان بوبوفيتش، الذي قال: "أنهت ريد ميتال جميع العقود مع الموردين الروس، وكانت آخر عملية تسليم تلقيناها في 6 سبتمبر 2023"، مضيفاً أن الشركة ستركّز الآن على دول أخرى بما في ذلك صربيا وأوزبكستان ومنغوليا والصين وكازاخستان.

هناك تباين مماثل في السياسات على امتداد الصناعة المصرفية. أبدت مجموعة محدود للغاية من البنوك استعدادها لتمويل شراء المعادن الروسية مباشرة من شركة روسية، وفقاً لتجار ومصرفيين، بسبب مخاوف تتراوح من التعرض المحتمل للعقوبات إلى الصعوبات اللوجستية والقضايا الأخلاقية والسمعة.

لكن بمجرد تسليم المعدن الروسي إلى بورصة لندن للمعادن، كانت بعض البنوك في الأشهر الأخيرة على استعداد متزايد لشرائه بحجة أن هناك فارقاً بين تمويل تجارة تشمل كياناً روسياً، وشراء المعدن عبر البورصة الرئيسية في العالم.

انفراجة الألمنيوم

كان مصرف "سيتي غروب" واحداً من أكثر المشترين نشاطاً للألمنيوم الروسي في بورصة لندن للمعادن خلال الأشهر الأخيرة. حتى وقت قريب كان المصرف يتجنب صفقات المعادن التي تنتجها "روسال"، حسبما ذكرت "بلومبرغ" في أغسطس الماضي، لكنه يرحب الآن بمشاركته الفاعلة في بورصة لندن للمعادن واستلام المعدن الروسي في حال تم تداوله عبر البورصة.

أما المصارف الكبرى الأخرى في أسواق المعادن التي تبنّت موقفاً مماثلاً فمنها "آي سي بي سي ستاندرد بنك" (ICBC Standard Bank Plc) و"ماكواري غروب" (.Macquarie Group Ltd)، وكلاهما على استعداد لتمويل مشتريات المعدن الروسي في حال تم تسليمه إلى بورصة لندن للمعادن، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر.

ولا يقتصر الأمر على البنوك التي تشتري المعادن الروسية عبر بورصة لندن للمعادن، فقد اشترى صندوق التحوط "سكويربوينت" حوالي 50 ألف طن من الألمنيوم، حيث شكّلت الشحنات الروسية الغالبية العظمى من المعدن، فيما يعد رهاناً على انتعاش السوق، حسبما ذكرت "بلومبرغ" في وقت سابق من الشهر الجاري.

بنوك ترفض تمويل المعادن الروسية

تعزز المشتريات سوق الألمنيوم الروسي في وقت حذر فيه بعض منافسي "روسال" من أن بورصة لندن للمعادن تواجه مخاطر إغراقها بالمعادن الروسية التي لن يشتريها أحد. في استشارة قبل عام، درست البورصة هذه الحجة واستبعدتها، حيث قررت في نهاية المطاف الاستمرار في قبول تداول المعدن الروسي.

ومع ذلك، تتخذ بعض البنوك موقفاً أكثر حذراً. بالنسبة إلى بنك مونتريال، على سبيل المثال، يرفض تماماً تمويل المعدن الروسي، وفقاً لشخص مطلع على الأمر، والذي قال إنه إذا تم تخصيص أوامر لتجار البنك لشراء المعادن الروسية في نظام تسوية بورصة لندن للمعادن، يبادر البنك بإعادة بيعها على الفور.

لم تستجب الخدمات الصحفية لكلٍ من "روسال" و"نوريلسك نيكل" و"أوزيرنايا ماينينغ (Ozernaya Mining Company) لطلبات التعليق على الأمر، فيما رفض متحدثون باسم "ترافيغورا" و"سيتي غروب" و"آي سي بي سي ستاندرد بنك" و"ماكواري" وبنك مونتريال التعليق أيضاً.

تمارس شركة "أوبن ميتال"، المدعومة من شركة "مبادلة" الإماراتية أعمالها الروسية من خلال كيان في الإمارات، وفقاً لشخص مطلع على الأمر.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك