بدءاً من دور التداولات في جنيف وصولاً إلى بنوك وول ستريت، يتفق معظم العاملين في عالم النفط على أن الأسواق العالمية جاهزة لاستهلاك المزيد من البراميل؛ والسؤال الكبير حالياً، هو ما إذا كانت "أوبك+" ستوفر ما يكفي منها.
وفي الواقع، إن تخمة النفط الخام الذي تراكم أثناء الجائحة تتلاشى بسرعة، فوفقاً لـِ"مورغان ستانلي"، تنخفض المخزونات العالمية بأعلى معدل لها منذ عقدين.
وارتفعت الأسعار إلى مستويات ما قبل الفيروس، في حين تضرر الإنتاج الأمريكي من العواصف الجليدية. كما يدور الحديث حول دورات السوق الفائقة وحتى عودة برميل النفط إلى سعر 100 دولار.
ومع ظهور الحاجة إلى مزيد من الإمدادات، يتوقع التجار أن يوافق تحالف "أوبك+"، بقيادة السعودية وروسيا، على زيادة الإنتاج خلال اجتماعه هذا الأسبوع، مما يعكس مسار بعض تخفيضات الإنتاج التي تم إجراؤها العام الماضي.
"كورونا" يهدد الطلب على الخام
ولكن من غير الواضح ما إذا كانت المجموعة ستتصرف بقوة كافية؛ وبوصفه حذراً من استمرار تهديد الفيروس للطلب، حثّ وزير الطاقة السعودي الأمير "عبد العزيز بن سلمان" زملاءه المنتجين على "توخي الحذر الشديد".
وفي حال وافق التحالف على زيادة الإنتاج بكمية لا تفي بالمتطلبات، فقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع إضافي في الأسعار - وستضطر المجموعة للتعامل مع عواقبها غير المرغوب فيها.
وفي هذا السياق، قال بيل فارين برايس، المدير في شركة الأبحاث "إنفيروس" (Enverus) والمراقب المخضرم للتحالف: "هناك خطر حقيقي من أنهم سيقومون بالإفراط في تشديد السوق الذي يُعدّ متشدّداً للغاية بالفعل؛ وفي حال ركزت "أوبك" فقط على إبقاء الأسعار مرتفعة، فسيؤدي ذلك في النهاية إلى استفزاز الإمدادات من منافسيها".
وفي الواقع، فقد أنقذت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها صناعة النفط العالمية من ركود غير مسبوق العام الماضي من خلال خفض الإنتاج عندما تسببت أزمة فيروس كورونا في تراجع الطلب. وأعادت الاستراتيجية إحياء خام برنت القياسي الدولي إلى 67 دولاراً للبرميل، مما أدى إلى تعزيز عائدات اقتصادات المنتجين المتضررة.
هذا ويواصل التحالف الذي يضم 23 دولة إنتاجه البطيء بما يزيد قليلاً عن 7 ملايين برميل من الإنتاج اليومي - حوالي 7%من الإمدادات العالمية – وسيُقرّر يوم الخميس ما إذا سيقوم بإحياء شريحة 500 ألف برميل في أبريل. بالإضافة إلى ذلك، سيؤكد السعوديون ما إذا كان المليون برميل الإضافي الذي وضعوه خارج الخدمة مؤخراً سيعود كما هو مقرر.
تعافي الطلب
تشير أسواق النفط العالمية إلى أنها يمكن أن تمتص بشكل مريح الكمية الكاملة البالغة 1.5 مليون برميل، فالطلب في الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، عاد إلى ما فوق مستويات ما قبل الفيروس، حيث أتاح احتواؤها للمرض استئناف الحياة الطبيعية والنشاط الاقتصادي.
وتُحذر الهند، وهي عميل رئيسي آخر، من أن الأسعار المرتفعة تهدد انتعاش الاقتصاد العالمي. أما في اليابان، التي تُعد رابع أكبر مستهلك للنفط، فقد سجل استخدامها للوقود في يناير أول زيادة على أساس سنوي منذ منتصف عام 2019، مدفوعاً بالطقس البارد.
وفي الولايات المتحدة، عادت مخزونات النفط الخام والمنتجات المكررة إلى الاقتراب من المستويات التي شوهدت لآخر مرة قبل عام. وعلى الرغم من أن الطلب على وقود الطائرات ما يزال منخفضاً، إلا أن مشتريات المنتجات التي تلبي احتياجات العمل والاستهلاك في المنزل - مثل الديزل للشاحنات والمواد البلاستيكية - قد ازدهرت.
وتُظهر بيانات "أوبك" أنه بوسعها المضي قدماً في زيادات الإنتاج المقررة لهذا العام، وأنها ما زالت قادرة على استنفاد مخزونات النفط العالمية، وتقليصها إلى متوسط الخمس سنوات - الهدف المنشود للمجموعة - بحلول أغسطس.
وتجدر الإشارة إلى أن أسواق العقود الآجلة تشهد أن الإمدادات تتقلص بشكل حاد، كما تفرض عقود برنت على المدى القريب علاوة كبيرة على الأشهر اللاحقة المعروفة فيما يعرف باسم "التراجع" (Backwardation)، حيث يبلغ فارق السعر لمدة ستة أشهر 3.22 دولار للبرميل.
ويعكس ذلك "عجزاً مستداماً وقوياً قصير الأجل" يتراوح بين مليونين وثلاثة ملايين برميل يومياً، وفقاً لـ "جيوفاني سيريو"، الرئيس العالمي لتحليل السوق في "فيتول غروب" (Vitol Group)، أكبر متداول للنفط في العالم.
التوقعات الصاعدة
أدى التحول إلى سوق متشددة إلى موجة من التوقعات الصعودية، حيث تتوقع مجموعة "غولدمان ساكس غروب" أن يصل سعر خام برنت إلى 75 دولاراً للبرميل في الربع الثالث مع ظهور دورة جديدة للسلع الفائقة، في حين تقول مجموعة "ترافيغورا" (Trafigura Group) العملاقة التجارية إنها "صعودية للغاية" في الأشهر المقبلة. كما تتوقع شركة "سوكار ترادينغ إس إيه" (Socar Trading SA)، وهي وحدة تابعة لشركة النفط الحكومية الأذربيجانية، الوصول إلى 80 دولاراً هذا الصيف وإلى رقم مؤلف من ثلاث خانات في غضون عامين.
وفي هذا الصدد، قال "هيال أحمد زاده"، رئيس التجارة في "سوكار": "الخوف هو أنه في غضون 12 شهراً سيكون هناك نقص، وحتى إذا أحيت "أوبك+" الإنتاج، فسيؤدي ذلك إلى رفع السعر بسرعة كبيرة جداً".
وما يزال من غير الواضح ما الذي ستقرره "أوبك+" بالضبط.
من جانبه، أشار نائب رئيس الوزراء الروسي "ألكسندر نوفاك" إلى أن البلاد تريد مرة أخرى المضي قدماً في الزيادة، مشيراً في 14 فبراير إلى أن "السوق متوازنة" بالفعل. في حين تبدو المملكة العربية السعودية أكثر تحفظاً، حيث تحث نظراءها على تذكر "ندوب" انهيار العام الماضي.
وما تزال الأسعار أقل بكثير من المستويات التي تحتاجها معظم دول "أوبك" لتغطية الإنفاق الحكومي، وتتوقع وكالة الطاقة الدولية - إحدى رواد التنبؤات - حدوث انتكاسة في السوق في الربع الثاني حيث يتسبب الهدوء الموسمي لفترة وجيزة في تراكم المخزونات مرة أخرى.
وإذا كانت الرياض تريد الحد من الحجم الإجمالي لزيادة المجموعة، فإن لديها ورقة مساومة قوية، وهي السرعة التي تختارها لإعادة التخفيض الإضافي البالغ مليون برميل والذي من المفترض أن ينتهي في نهاية الشهر المقبل.
لكن بالنسبة للبعض في السوق، يتعيّن على المملكة بدلاً من ذلك أن تفتح الصنابير على مصراعيها، مؤكدين أن إبقاء الأسعار مرتفعة لن يؤدي إلا إلى تنشيط الاستثمار من قبل شركات استخراج النفط الصخري في الولايات المتحدة، وسيؤدي إلى تدفق إمدادات جديدة تتجاهل العمل الشاق لـ "أوبك".
ويقول "جان ستيوارت"، خبير اقتصاد الطاقة العالمية في "كورنرستون ماركو إل إل سي" (Cornerstone Macro LLC)، إن كمية 1.5 مليون برميل الكاملة هي ليست كافية حتى لتلبية الطلب.
وأضاف "ستيوارت": "السوق بحاجة إلى المزيد - لكن لا يسمع أي شخص يتحدث عن المزيد. فهناك حاجة ماسة للنفط، والخطر الأكثر وضوحاً هو أنهم يحتفظون بالكثير من النفط".