تراجعت سندات مصر الدولارية بعد أن خفضت وكالة "موديز انفستورز سرفيس" (Moody’s Investors Service) تصنيف البلاد إلى واحدة من أدنى درجات المضاربة، وفي أعقاب مطالبة مديرة صندوق النقد الدولي بإجراء تخفيض آخر لقيمة العملة.
هبطت السندات لتصبح بين أكبر الخاسرين في الأسواق الناشئة، اليوم الجمعة، لتتراجع بشكل أعمق في منطقة الإعسار بعد أن خفضت وكالة موديز تقييمها للديون السيادية المصرية بدرجة واحدة إلى "Caa1"، وبنظرة مستقبلية مستقرة. وهوت بعض الأوراق المالية إلى مستويات منخفضة قياسية بلغت حوالي 50 سنتاً للدولار أو أقل، قبل تقليص الخسائر.
تأتي الضجة التي تشهدها السوق وخفض التصنيف من قبل "موديز" في نهاية أسبوع من الاضطرابات بأكبر دولة في الشرق الأوسط من حيث عدد السكان، والتي يعد اقتصادها البالغ حجمه 470 مليار دولار محوراً إقليمياً حيوياً لطرق الطاقة والتجارة.
رغبت الحكومة في تجنّب خفض التصنيف الائتماني، إذ ينصرف بعض المستثمرين، بما في ذلك صناديق التقاعد والإدارات المالية في الشركات، عن الديون الحاصلة على تصنيف "CCC".
وفي ظل بلوغ التضخم مستويات قياسية- وتعرّض الاقتصاد لأسوأ أزماته منذ سنوات- قال الرئيس عبد الفتاح السيسي في وقت متأخر من يوم الاثنين إنه سيترشح من جديد لخوض الانتخابات المرتقبة في ديسمبر، والتي من المتوقع على نطاق واسع أن يفوز بها. وتسابق الحكومة الزمن للحصول على مزيد من التمويل من خلال حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي -البالغة قيمتها ثلاثة مليارات دولار-، وعبر بيع أصول الدولة إلى دول الخليج الغنية بالطاقة، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة.
نتائج عكسية
رغم ذلك، باءت الجهود الرامية إلى حل الأزمة بنتائج عكسية، إذ أنه حتى بعد أن سمحت مصر لعملتها بالهبوط بحدة ثلاث مرات منذ أوائل العام الماضي-ورغم أن تخفيضات قيمة العملة ساعدتها في تأمين اتفاق صندوق النقد الدولي- يبدو أن الحكومة فشلت حتى الآن في الوفاء بوعودها بتطبيق نظام سعر صرف أكثر مرونة.
ومما زاد من حدة التوتر، تصريح مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، لـ"بلومبرغ"إن مصر "ستستنزف" احتياطياتها الثمينة ما لم تخفض قيمة عملتها مرة أخرى.
وبينما أشادت غورغييفا بالخطوات الأخرى التي اتخذها ثاني أكبر مقترض من مؤسستها لتصحيح اقتصاده، قالت إن (الحكومة) تؤخر أمراً لا مفر منه. وقالت -قبيل إلقاء كلمة في أبيدجان بساحل العاج- إنه كلما طال انتظار مصر لتخفيف القيود على العملة، أصبح الوضع أسوأ.
تحتاج مصر -التي تأثرت بشدة بالتداعيات الاقتصادية الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا- الآن إلى بناء احتياطيات كافية من العملات الأجنبية لإدارة جولة أخرى محتملة من خفض قيمة العملة، والتي رغم استقرارها لعدة أشهر، يتعين على الشركات والأسر دفع المزيد للحصول على الدولارات من السوق الموازية المحلية.
"ضغوط التعويم"
قالت "موديز" في بيان أمس: "لا تزال الضغوط الضمنية لخفض قيمة العملة مستمرة في السوق.. كما أن عدم القدرة على تأمين التدفقات الداخلة والحد من ضغوط خفض قيمة العملة يحوي تأثيرات على التضخم وتكاليف الاقتراض المحلي من مستوياتها المرتفعة بالفعل".
أدت خطوة "موديز" إلى وصول تصنيف مصر الائتماني من قبل المؤسسة إلى أدنى مستوى له منذ عقد، لتتساوى في الدرجة الائتمانية مع بلاد مثل بوليفيا ونيجيريا، وفقاً للبيانات التي جمعتها بلومبرغ.
قال عبدالقادر حسين، رئيس إدارة أصول الدخل الثابت لدى "أرقام كابيتال": "ربما هناك بعض المستثمرين الذين لا يستطيعون حيازة أوراق تحمل تصنيف (CCC)، ولهذا السبب تتراجع السندات.. كما أنه ربما تفاجأ بعض الأشخاص من توقيت الخفض، على الرغم من أن التخفيض في حد ذاته لم يكن مستبعداً تماماً".
يختتم قرار "موديز" مراجعة خفض التصنيف التي حذرت منها في مايو. وقالت مؤسسة التصنيف الائتماني إن ذلك "يعكس تدهور اتجاه قدرة الحكومة المصرية على تحمّل الديون، واستمرار نقص العملات الأجنبية، في مواجهة زيادة مدفوعات خدمة الدين الخارجي على مدى العامين المقبلين".
علاوة المخاطر
يسلط هذا التخفيض الضوء على الوضع الخطير الذي يواجه بلداً شبه مستبعد من أسواق رأس المال العالمية، ويكافح من أجل اجتياز مراجعة قروض صندوق النقد الدولي.
قفزت علاوة المخاطر التي يطلبها المستثمرون للاحتفاظ بسندات مصر الدولارية، يوم الخميس، بمقدار 480 نقطة أساس هذا العام إلى 1,277 نقطة أساس فوق سندات الخزانة.
انخفضت السندات المصرية المستحقة في 2031 بما يصل إلى 2.6 سنت إلى مستوى قياسي منخفض عند 50.3 سنت للدولار، قبل أن تقلص الخسائر. وهوت الأوراق المالية المستحقة في 2033 إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق عند 50.5 سنت أي ما يعادل عائداً يبلغ حوالي 18%، في حين تراجعت السندات المستحقة في 2061 إلى 46.1 سنت ببداية التعاملات.
مع ذلك، ربما الأسوأ لم يأت بعد.
وقال تود شوبيرت، كبير استراتيجيي الدخل الثابت في بنك سنغافورة: "بينما كانت السندات المصرية تُتداول بالفعل عند مستويات متعثرة قبل قرار (موديز)، فإن خفض التصنيف إلى Caa1 يبرز التحديات المالية الكبيرة التي تواجهها الحكومة.. هذا الخفض سيفرض المزيد من الضغوط الهبوطية على سندات مصر الدولارية".
من جهة أخرى، يترقب المستثمرون بتوتر وضع مراجعة صندوق النقد الدولي -المؤجلة منذ شهر مارس- والتقييم الذي كان من المقرر إجراؤه في سبتمبر. يعني هذا المأزق أن مصر غير قادرة على صرف شرائح قرض بقيمة 700 مليون دولار، أو الوصول إلى تمويل من "تسهيل المرونة والاستدامة" بقيمة 1.3 مليار دولار، وهو المبلغ الذي يمكن أن يحفز استثمارات خليجية كبيرة.
صندوق النقد الدولي والاستثمارات الخليجية
أوضحت "موديز" أن نظرتها المستقبلية "المستقرة" جاءت مدعومة بسجل الحكومة في تنفيذ الإصلاحات المالية وإطلاق استراتيجية بيع الأصول. وقالت مؤسسة التصنيف إنها تتوقع استمرار الدعم المالي من صندوق النقد الدولي إذا امتثلت الدولة للشروط المقررة، بالإضافة إلى الدعم من دول مجلس التعاون الخليجي.
تصنيف مصر الحالي من قبل وكالة "موديز" ينخفض درجتين عن التقييم الذي حصلت عليه البلاد من "ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنغز" و"فيتش ريتنغز". وتجدر الإشارة إلى أن السندات الحاصلة على تصنيف "Caa" يُنظر إليها على أنها "ذات طابع مضاربي، وذات موقف ضعيف، وتخضع لمخاطر ائتمانية عالية للغاية"، وفقاً لوكالة "موديز".
يثير التحرك الأخير أيضاً مخاوف من أن تجري "فيتش" و"ستاندرد أند بورز" مزيداً من الخفض، وفقاً لبنك سنغافورة. وقال شوبيرت: "تميل التصنيفات بين الوكالات إلى التقارب بمرور الوقت، كما لدى (فيتش) و(ستاندرد آند بورز) بالفعل نظرة مستقبلية سلبية حيال سندات مصر الحكومية".