لماذا يُعدَّ الدولار أقوى مما يبدو عليه؟

الدولار الأمريكي - المصدر: بلومبرغ
الدولار الأمريكي - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

من الصعب في الوقت الحالي أن تجد شخصاً يقول كلمات طيبة عن العملة الخضراء، كما من الصعب إيجاد من يقول كلمة سيئة عن الأسهم، وهناك الكثير من الحديث بشأن اتساع العجوزات في الموازنة والحساب الجاري، وتم إضافة السياسة المالية المتطرفة إلى السياسة النقدية المتطرفة.

ومن الطبيعي أن يتعجَّب الأشخاص العاقلون من التضخم وأسعار الأصول المتقلبة، ولكن يبدو أن العقلانية ليس عليها طلبٌ كبيرٌ حالياً في واشنطن، ويبدو أن وزارة الخزانة والفيدرالي يريدان طبع دولارات قدر المستطاع.

ويرتفع التضخم حالياً ويتراجع الدولار، وازداد الهبوط في العائدات الحقيقية - كما يظهر في عائدات أوراق الخزانة المالية المحمية من التضخم - على مدار العام الماضي في ظل ارتفاع توقعات التضخم، ووصل العائد على السندات المحمية من التضخم لأجل خمس سنوات مؤخراً إلى أقل من سالب 3%، وهو مستوى منخفض قياسي، وكذلك تراجع الدولار المرجح بالتجارة بحوالي 12% منذ أعلى مستوى وصل إليه في ربيع العام الماضي، ويعتقد كثيرون أنه سيتراجع أكثر بكثير.

توقعات بمزيد من التراجع

ورغم أنني أعتقد أيضاً أنه سيواصل التراجع، فلا ألقي باللوم في ذلك على العجوزات في الموازنة والحساب الجاري والتي أصبحت حقيقة مترسخة في الحياة الأمريكية منذ سنوات، وكان الدولار أحياناً يرتفع وأحياناً ينخفض، ولكن من الصعب للغاية إيجاد علاقة بين تحركات العملة وتحركات هذه العجوزات.

ومع ذلك، عادة ما أندهش عندما ينظر الناس لجانبٍ واحدة من المعادلة - أي الولايات المتحدة - دون النظر إلى ما يحدث في الأماكن الأخرى، وبعد كل شيء، تُعدُّ أسعار العملات نسبية وليست مطلقة.

وتراجعت العائدات الحقيقية في بريطانيا ومنطقة اليورو أيضاً، وتبلغ العائدات الحقيقية للسندات البريطانية لأجل خمس سنوات أقل قليلاً من سالب 3%، ورغم أنهم تراجعوا بقدرٍ أقل من الولايات المتحدة ينبغي أن نأخذ في اعتبارنا أن الأسواق الأوروبية أقل سيولة وأكثر تلاعباً عما هي على الجانب الآخر من المحيط الأطلنطي، وتعاني بريطانيا من عجوزات ضخمة في الموازنة والحساب الجاري، ومع ذلك لم يتوقف الجنيه الإسترليني عن الصعود.

وأود أن أضع مشكلة الدولار في إطار مختلف، فقد وصلت العملة الأمريكية إلى ذروتها في مارس من العام الماضي في الوقت الذي تراجعت فيه شهية المخاطر، ثم هبطت العملة الخضراء بحدة جزئياً نتيجة نقص حاد في الدولارات سابقاً، ثم حرص الفيدرالي - من خلال طبع الأموال وخلق المزيد من خطوط المقايضات مع البنوك المركزية الأخرى - على تحول النقص إلى فائض، وفي هذه الأثناء ارتفعت العملات الآسيوية مع تحسن النشاط الاقتصادي في المنطقة وارتفاع أسعار السلع.

وعلاوة على ذلك، تراجعت بحدة العام الماضي تكلفة بيع الدولار أمام عملات الدول والمناطق ذات أسعار الفائدة السلبية نظراً لأن الفيدرالي خفض الفائدة قصيرة الأجل أكثر بكثير من بنوك مركزية مثل البنك المركزي الياباني أو البنك المركزي الأوروبي، وتقف تكلفة تملُّك اليورو لأجل طويل وبيع الدولار على المكشوف لمدة ثلاثة أشهر حالياً عند حوالي 0.25%، أما بالنسبة للين، لا يكلِّف الأمر شيئاً تقريباً.

وتنتشر تجارة الفائدة في أي عملة تَحمِلُ سعر فائدة حيث يقترض المستثمرون بالدولار وغيرها من العملات الرخيصة لاقتناص أسعار الفائدة الأعلى. وارتفع الراند الجنوب أفريقي بحدة على سبيل المثال، حتى أن الليرة التركية عوَّضت خسائرها، ومع ذلك، فإن العملة الأكثر شعبية للمستثمرين في الدولار هي اليوان الصيني الذي يدفع للمستثمرين - خاصة أولئك الذين يستثمرون بأموالٍ مقترضة - أكثر من الدولار حالياً بحوالي 4.5% خلال 3 شهور.

ومن هذا المنظور، يبدو الدولار أكثر قوةً بالنسبة لي، وكما يَعرفُ أي شخص يدير محفظة عملات، فإن أكثر ما يقلق حقاً ليس التحركات في التضخم، وإنما التحركات في أسعار الفائدة، وقد تكون الأمور على وشك التحرك لأعلى فيما يخص الفائدة على الدولار، ورغم أن التحرك النسبي الأعلى في الفائدة القصيرة الأمريكية كان هزيلاً حتى الآن العام الجاري، فإن التوقعات بارتفاع الفائدة على الدولار قد بثّ بالفعل الاستقرار في العملة الخضراء.

هل يغيّر الفيدرالي الأمريكي موقفه؟

وإذا حصلنا على المزيد من الأرقام القوية مثل مبيعات التجزئة الأمريكية وأسعار المنتجين الأسبوع الماضي، وكلاهما كانا أعلى من التوقعات، فستراهن الأسواق على أن الفيدرالي الذي يتبنى موقفاً مطمئناً باستمرار سيضطر لتغيير موقفه.

وأعتقد أن الولايات المتحدة ستنمو بوتيرة أسرع من بقية العالم المتقدم العام الجاري وستظل توقعات الفائدة تتحرك لصالح الدولار.

والأمر الثاني الحتمي هو شهية المخاطر، ولدى عملات الأسواق الناشئة علاقة قوية بأحوال المخاطر الكلية، وعندما تنتعش تلك المعنويات، ترتفع عملات الأسواق الناشئة بشكلٍ عام، ولكن بعض هذه التداولات مزدحمة للغاية والعديد منها سيكون أداؤه سيئاً عندما تتحول شهية المخاطر.

وأصبحت تجارة الفائدة أقل بكثير مما كانت عندما انغمس المستثمرون في العائدات المتاحة في الأسواق الناشئة، ما أدى إلى انخفاضها، وتشيع أغلب الاستثمارات الطويلة في العملات التي يصعب تعريفها بأنها سائلة، وربما يكون الاستثناء الوحيد هو الفرنك السويسري، والذي يعد عملة البيع على المكشوف المفضلة للجميع وهي عملة تميل إلى الأداء الجيد في الأوقات السيئة، ولكن لديها تاريخ من التسبب في خسائر كبيرة لهؤلاء الذين يبيعونها على المكشوف.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك