اعتمد لبنان قبل أيام منصة إلكترونية مدارة من "بلومبرغ" لضبط سعر صرف العملة، متخلياً بذلك عن "صيرفة" التي لاقت الكثير من الانتقادات بسبب قلّة شفافيتها وفشلها بتوحيد الأسعار.
الأمر الواضح من خلال اعتماد المنصة الجديدة هو أنها تستهدف الإمساك بزمام سوق صرف الدولار مقابل الليرة. لكن بحسب ما كشف نائب رئيس حكومة تصريف الأعمال سعادة الشامي في تصريح لـ"اقتصاد الشرق"؛ فإن القرار يحمل في طياته أسباباً إضافية، في مقدمتها ضبط التعاملات النقدية، في ما بات يُعرف بـ"اقتصاد الكاش".
"اقتصاد الكاش"
نتج "اقتصاد الكاش" عملياً بسبب الانهيار المالي الذي شهده البلد على مدى السنوات الثلاث الماضية، ودفع المصارف إلى الامتناع عن إعطاء المودعين أموالهم بالدولار، وتنفيذ سقف متشدد للسحوبات، بالتزامن مع انهيار قيمة الليرة.
وفي دليل واضح على حجم "اقتصاد الكاش" في البلاد؛ فإن فصل صيف 2022، شهد دخول أكثر من 6 مليارات دولار إلى لبنان، معظمها لم يطأ النظام المصرفي بسبب "غياب الثقة" في القطاع، بحسب تصريحات سابقة للخبير الاقتصادي وليد بو سليمان لـ"اقتصاد الشرق". وتشير تقارير إلى أن الأمر عينه ينطبق على إيرادات السياحة المليارية هذا الصيف.
شبهات الإرهاب وغسل الأموال
مع تفاقم اقتصاد "الكاش" في البلاد؛ زادت المخاوف من عمليات التهرب الضريبي أو غسل الأموال أو تمويل الإرهاب، خصوصاً في بلد فُرض على حاكم مصرفه المركزي المنتهية ولايته رياض سلامة عقوبات مرتبطة بشبهات غسيل أموال.
الشامي المكلف بملف الإصلاح بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي، اعتبر أن اعتماد المنصة الجديدة يلبي متطلبات المجتمع الدولي، وخصوصاً "مؤسسة العمل المالية"، بشأن تخفيف التعاملات النقدية في البلاد.
ونبّه إلى أن التعامل النقدي له تداعيات سلبية سواء من ناحية "التهرب الضريبي، أو غسل الأموال، وغيرها من الأمور التي قد تفضي الى وضع لبنان على اللائحة الرمادية" لـ"مؤسسة العمل المالية"، مشيراً إلى أنه في حال عدم "معالجة الثغرات؛ فإن لبنان قد يصبح على اللائحة السوداء"، وهو ما يزيد من فظاعة الأزمة.
من جهته، اعتبر مدير "المعهد اللبناني لدراسات السوق" باتريك مارديني أن اعتماد المنصة يعني توحيد أسعار الصرف، والعودة إلى سوق طبيعية.
وأضاف في تصريح لـ"اقتصاد الشرق" أن إشراك المصارف في المنصة سيسمح بتخفيف الاقتصاد النقدي وعمليات التداول من خلال "الكاش"، مما يساهم في "تخفيض وليس إلغاء"، شبهات تبييض الأموال والإرهاب. ولكنه لفت إلى أن السوق الموازية باقية، ولكن المنصة ستساهم في تقلصها.
أما الأكاديمي والخبير الاقتصادي جاسم عجاقة؛ فاعتبر أن عدم تحسين "صيرفة" أو الاعتماد على "بورصة بيروت" التي تتعامل مع نظام "يورونيكست"، يدل على أن الاختيار "خارجي وسياسي بامتياز"، واتُخذ ضمن محاولة "لضبط الحركة النقدية الموجودة في لبنان، والمتفشية بشكل كبير".
ولكنه نبّه إلى أن السؤال الجوهري يتمثل في مصدر الأموال. فالتعامل على هذه المنصة يتطلب تبرير مصادر الأموال، مما يعني بقاء كمية كبيرة من الأموال التي لا يمكن لأصحابها تبرير مصادرها في السوق الموازية.
اتفاق على الشفافية
أشار الشامي إلى أن هدف المنصة الجديدة يتمثل في "توحيد سعر الصرف وتحريره"، وتخفيف التعاملات النقدية في الأسواق، نظراً لأن العمليات من خلال المنصة ستكون إلكترونية بالكامل.
يتم تحديد سعر الصرف على المنصة وفقاً لعمليات البيع والشراء التي تتم عبرها، التي ستكون مرتبطة بالبنوك ومؤسسات الصيرفة المرخصة.
وأشار الشامي إلى أن إيجاد منصة إلكترونية هو أحد أهداف برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي التي وردت في خطة الحكومة، وتمّ الاتفاق عليها مع "صندوق النقد الدولي" في إطار خطة إنقاذ.
التأثير على سعر الصرف
فيما يخص تأثيرها على سعر الصرف؛ أشار نائب رئيس حكومة تصريف الأعمال إلى أن هذا الأمر مرتبط "بالدرجة الأولى بمدى القيام بالإصلاحات التي وردت في خطة الحكومة. فسعر الصرف يعكس الأوضاع المالية والنقدية والاقتصادية بشكل عام"، معتبراً أن المنصة "وسيلة وليست غاية".
وعند سؤاله عن كلفة العقد مع شركة "بلومبرغ"؛ لفت الشامي إلى أنه لا يملك هذه المعلومات، وذلك لأن العملية بيد البنك المركزي.
كما هاجم الشامي أيضاً "صيرفة" التي أُنشئت في مايو 2021 بهدف "تحقيق الاستقرار في سعر الصرف"، معتبراً أنها "سُميت خطأً بالمنصة"، فالمنصة عموماً تشترط وجود عرض وطلب، في حين أن "صيرفة" اقتصرت على العرض من قِبل البنك المركزي.
عجاقة توقع أن يتدهور سعر الصرف بغض النظر عن المنصة المستخدمة، مشيراً إلى أن وضع سعر الليرة على المنصة، يعني "تحريرها"، مما يجعلها أكثر حساسية لبعض العوامل الاقتصادية والمالية والنقدية، وعلى رأسها حاجة الدولة للتمويل "التي هي في ازدياد، مع وجود نقص في المعروض من الدولارات وخاصة من المصرف المركزي الذي رفض تمويل الحكومة اللبنانية".