تقول بعض صناديق التحوّط إن موجة ارتفاع الدولار الأميركي لم تنته بعد، في وقت أربكت الزيادة الأخيرة في قوته المشككين.
سيستمر الدولار في الارتفاع مع بقاء أسعار الفائدة الأميركية عند مستويات عالية، وفقاً لما أفادت به "كي 2" لإدارة الأصول في حين توقعت "آي في أم كابيتال" أن يؤدي ارتفاع عائدات سندات الخزانة إلى تعزيز العملة. أما مجموعة "كلوكتاور" لإدارة الأصول البديلة، فاعتبرت أن الدولار سيزيد من مكاسبه، إذا استمرت حوافز الصين الهادفة لإنعاش الاقتصاد، في تخييب الآمال.
ويرى جورج بوبوراس، رئيس الأبحاث في "كي 2" أن الدولار الأميركي يتقدم مقابل الدولار الأسترالي والعملات الأخرى الحساسة للمخاطرة، مشيراً إلى أن الرهان على هبوط الدولار يبدو محفوفاً بالمخاطر.
يضيف بوبوراس أن "موضوع أسعار الفائدة المرتفعة سيواصل هيمنته، وستبدأ الأسواق في تسعير توقعات خفض أسعار الفائدة في عام 2024 عدة مرات، من دون جدوى كما نعتقد".
إعادة تقييم الرهانات
أجبر مسلسل ارتفاع العملة الأميركية المستمر منذ سبعة أسابيع، المراهنين على هبوط الدولار على إعادة تقييم رهاناتهم، مع سلسلة من البيانات الاقتصادية الأميركية الإيجابية التي تقوّض مبررات التيسير النقدي.
صناديق التحوط من بين من تأثروا بقوة الدولار، إذ راهنت ضد العملة منذ يونيو، في وقت يتجه مؤشر بلومبرغ الفوري للدولار، لتحقيق مكاسب للأسبوع الثامن على التوالي، ما سيكون أطول سلسلة ارتفاع على الإطلاق منذ عام 2005.
وتعزز الدلائل التي تشير إلى أن الاقتصاد الأميركي يتجه نحو الهبوط الناعم، الرهانات على أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيبقي تكاليف الإقراض عند مستويات عالية لفترة أطول، ما من شأنه زيادة جاذبية العملة الأميركية.
اقرأ أيضاً: توقعات الفائدة الأميركية تضغط على أسهم آسيا وتدعم الدولار
هذا قد يسبب مشكلة للمراهنين على انخفاض الدولار. وتوقع "بنك بي إن بي باريبا" لإدارة الأصول في يوليو أن تظل العملة ضعيفة في الأشهر المقبلة، بينما توقع "بنك ستاندرد" أن تدخل في "اتجاه هبوطي لسنوات" مع بدء بنك الاحتياطي الفيدرالي في تخفيف سياسته النقدية.
يرجّح متداولو عقود المقايضة خفضاً بـ75 نقطة أساس لأسعار الفائدة الأميركية، خلال الفترة من يناير حتى نهاية الربع الثالث. لم يتغير مقياس بلومبرغ للدولار إلا قليلاً في التعاملات الآسيوية المبكرة يوم الخميس.
الرهانات القصيرة
هناك عوامل أخرى قد تستمر في دفع الدولار نحو الارتفاع، إذ من المرجح أن يؤدي ضعف الزخم في الاقتصاد الصيني إلى تحفيز الطلب على الملاذات الآمنة، بينما يُتوقع أن تظل العملات الرئيسية الأخرى مثل اليورو تحت الضغط بسبب ضعف النمو.
انخفض اليورو بنسبة 5% منذ الذروة التي بلغها في يوليو، في حين انخفض اليوان في المعاملات الخارجية إلى أضعف مستوى منذ نوفمبر الشهر الماضي. وانخفض الين، الذي كان ضحية الفارق الكبير في أسعار الفائدة بين اليابان والولايات المتحدة، بأكثر من 5% في الربع الماضي.
يعتبر ماركو بابيتش، كبير الاستراتيجيين في "كلوكتاور"، نفسه من المراهنين على هبوط الدولار على المدى الطويل، لكنه يرى مجالاً لمزيد من الارتفاعات التكتيكية في العملة الأميركية.
يقول أودري تشايلد فريمان، كبير استراتيجيي العملات الأجنبية لمجموعة العشرة في "بلومبرغ إنتليجنس": شهد هذا الصيف عودة محركات الدولار الصعودية الدورية التي سيطرت في عام 2022، مع تناقض المرونة الاقتصادية النسبية للولايات المتحدة، وضعف أداء اليورو والمخاوف الاقتصادية الصينية. رواية ذروة سعر الفائدة الفيدرالية التي تلوح في الأفق لا تزال قائمة، وتعني أن الاتجاه الصعودي للدولار المدفوع بالعائد قد يكون شيئاً من الماضي.
ماذا يقول استراتيجيو بلومبرغ؟
وقال بابيتش: "إذا استمر صنّاع السياسة الصينيون في التسبب بالإحباط، وأدى هوس الذكاء الاصطناعي إلى مواصلة رؤية تدفقات إلى أسواق الأسهم الأميركية، فمن الممكن أن يرتفع الدولار".
يعتقد أن البنك المركزي الأميركي "سيتخلف بالتأكيد عن المنحنى الذي يُضرب به المثل في عام 2024"، مضيفاً أن "الفكرة القائلة إن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيتطلع إلى الوصول لهدف التضخم بنسبة 2% قبل الانتخابات هي، بالنسبة لي، قصة خيالية".
وعلى المدى الطويل، يتوقع بابيتش أن تضعف العملة الأميركية، إذ يؤدي تراكم مدخرات المستهلكين الأميركيين إلى تصدير الدولارات إلى الخارج.
اقرأ أيضاً: قفزة الدولار تدفع الصين واليابان نحو دعم عملتيهما
يرى البعض خلاف ذلك. إذ تقوم شركة "غرايت هيل كابيتال" بشراء الأسهم التي ستستفيد من انخفاض العملة الأميركية، بما في ذلك أسهم الأسواق الناشئة الأكثر خطورة.
وتراهن هذه الشركات على أن انتعاش العملة الأميركية يقترب من نهايته، لأن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيخفف من دورة تشديد السياسة النقدية في الأشهر المقبلة.
وقال توماس هايز، رئيس مجلس إدارة "غرايت هيل" في نيويورك إن "استمرار إعادة الفتح والتحفيز وضعف الدولار، سيحفز ارتفاعاً لعدة سنوات في الأسواق الناشئة، والصين. وعلى هذا النحو لدينا جزء من مخصصاتنا يركز على هذا الموضوع".
وبالمثل، يعتقد جون باي ليو، مدير محفظة في شركة "تريبيكا إنفستمنت بارتنرز" في سيدني، أن ارتفاع الدولار ربما وصل إلى نهايته في الوقت الحالي. وأضاف: "لقد بلغت أسعار الفائدة الأميركية ذروتها إلى حد كبير"، وتابع: "يبدو من الآن فصاعداً أن الدولار الأميركي أصبح إلى حد كبير بمثابة عملة ملاذ آمن، بالإضافة إلى كونه رافعة لارتفاع أسعار الفائدة".
دعم العائد
لكن في الوقت الحالي، فإن ارتفاع عائدات السندات الأميركية يعطي الدولار دفعة، خاصة بعد أن ارتفعت أسعار الفائدة القياسية لأجل 10 سنوات إلى أعلى مستوى لها منذ 16 عاماً الشهر الماضي.
قد تظل عائدات سندات الخزانة مرتفعة، إذ يلمح بعض مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى إحجامهم عن الدعوة إلى إنهاء دورة رفع أسعار الفائدة، كما يؤثر طوفان الإصدارات على السوق.
وقال أشفين مورثي، كبير مسؤولي الاستثمار في صندوق التحوط "آي في أم كابيتال" في سنغافورة: "نتوقع ارتفاعاً واسع النطاق في الدولار الأميركي خلال الشهرين المقبلين، مع استمرار الظروف المالية المتشددة على خلفية ارتفاع عوائد السندات".