تشهد أسواق السلع حالياً حالة من الازدهار، فقد ارتفع النفط بنحو 30% هذا العام، وسجل النحاس أعلى مستوى له في تسع سنوات، وتعاني أسواق الحبوب من النقص، ولكن هناك عامل أكثر دقة يساعد على دفع قيمة المواد الخام في العالم إلى أعلى من أي وقت مضى؛ ألا وهو العائد.
ففي الوقت الذي تكون فيه أسعار الفائدة ضعيفة، وتظل عائدات السندات منخفضة تاريخياً، فإنَّ مركز المرور على طول منحنى العقود الآجلة للسلع يقدِّم للمستثمرين السلبيين عوائد مغرية.
إنَّه طرح جعل بعض أكبر أقسام الأبحاث في "وول ستريت"، من "غولدمان ساكس" إلى "سيتي غروب" تتحدَّث عن عوائد السلع هذا العام.
إنَّ المنطق وراء هذا الموقف بسيط، فعندما تكون الأسواق ضيقة، تكون العقود الآجلة القريبة أكثر تكلفة من العقود اللاحقة.
ويعني هذا أنَّ المستثمرين يمكنهم شراء العقود اليوم، وعندما يتعيَّن عليهم تحويلها إلى أشهر لاحقة، فإنَّهم يحصلون على حالة التعرض للمخاطر نفسها عند الشراء بسعر أرخص.
كما يستحوذ الربح من هذه الفجوات على ما يسميه المستثمرون "لفة العائد".
إنَّها تجارة تجذب أموال المضاربة إلى السلع، مما يؤدي إلى زيادة مكاسب الأسعار.
تأثير الارتفاع المتوقع في الطلب
وعلى مدار 12 شهراً، تحقق هذه العملية - المعروفة باسم الاقتراض الإيجابي – عوائد حالياً بنسبة 9% في النفط، وحوالي 3% في النحاس، مما يوفِّر عائداً جيداً حتى قبل أي زيادات أخرى في الأسعار. ومع انخفاض العائدات من العديد من فئات الأصول التقليدية، يعدُّ هذا أحد أسباب تدفُّق الأموال إلى منطقة السلع.
وفي هذا الصدد قال "غريغ شارينو"، مدير محفظةٍ تُركِّز على الطاقة والسلع في شركة "باسيفيك انفستمنت مانجمنت" (Pacific Investment Management)، "إذا كنت في سوق الاقتراض إيجابياً، فهذا أمر جيد حقاً، لأنَّه من الممكن أن تكون محرِّكاً مهماً حقاً للعائدات، ومكوِّناً مهماً لكيفية أداء المستثمر في العام المقبل".
وتختلف الأسباب الأساسية وراء الارتفاع في أسواق السلع، ففي أسواق النفط والنحاس، هناك توقُّع أن يبدأ الطلب في تجاوز العرض وسط طرح اللقاحات، وتخفيف قيود الحركة المرتبطة بالوباء، إلى جانب إجراءات التحفيز الاقتصادي.
أما الأسواق الأخرى، فإنَّها تشهد المزيد من العوامل الخاصة. فيستفيد السكر، على سبيل المثال، من تأخيرات في الموانئ، ونقص حاويات شحن التحلية، وكذلك المحاصيل الأصغر في بعض المناطق.
وبعبارات شاملة، على الرغم من أنَّ هناك خيطاً واحداً يربط أسواق المواد الخام بمليارات الدولارات، فهناك رغبة لدى المستثمرين في الاستفادة من انتعاش الاقتصاد العالمي والتضخم.
وحول ذلك، قال "جيف كوري"، رئيس أبحاث السلع الأساسية في "غولدمان ساكس" في مقابلة مع تلفزيون بلومبرغ: "جزء مما تراه يدفع هذه الأسواق إلى الأعلى في الوقت الحالي، هو طلب التحوُّط للتعامل مع التضخم، الطلب على التحوُّط من هذه المخاطر من خلال السلع، هو طلب مرتفع للغاية."
العائدات المغرية
وهنا يأتي دور العائدات المغرية، في سلة من 20 سلعة، فقد ارتفع صافي المراكز الصاعدة بنسبة 16% هذا العام وحده، لقد تضاعفوا أكثر من ستة أضعاف منذ منتصف العام الماضي.
وبالرغم من ذلك لا يخلو الأمر من المخاطر، إذ يمكن أن يفوق التراجع الحاد في الأسعار المكاسب من الاقتراض الايجابي، إذا تحرَّكت الأسواق في الاتجاه الخاطئ.
وقد يكون هناك المزيد من التدفُّقات القادمة، بيد أنَّ شركة "سيتي غروب" تقول، إنَّ الطلب المتزايد سيجعل أسعار النحاس ترتفع إلى 10 آلاف دولار للطن المتري في الأشهر المقبلة.
وفي الأسبوع الماضي، عزَّزت "دير آند كو" (Deere & Co) توقُّعاتها للأرباح، فقد شهدت شركة الجرارات العملاقة الأيام الأولى لارتفاع الطلب في الاقتصاد الزراعي.
وعلى مدى السنوات العشر الماضية، عندما كان عائد النفط بهذا القدر، كانت الأسعار أعلى بمقدار 10 دولارات على الأقل، وأحياناً اقتربت من 100 دولار للبرميل.
وهكذا تستمر الدورة. مع ارتفاع الأسعار، يتمُّ تضخيم ما يسمى بالـ (Backwardation)- ويعني أنَّ سعر الأصل الفوري في الوقت الحالي أعلى من سعره في العقود الآجلة- بشكل مطَّرد. وهذا بدوره يساعد في جذب استثمارات جديدة، ويعني استمرار ارتفاع الأسعار.
وفي هذا السياق قال "بن لوكوك"، الرئيس المشارك لتداول النفط في مجموعة "ترافيجورا غروب" (Trafigura Group) في مقابلة تلفزيونية مع بلومبرغ، في إشارة حول أسواق النفط الخام: "أظن أنَّ الـ" Backwardation" يمكن أن يرتفع، نحن متفائلون للغاية بالشكل الذي تبدو فيه السوق ماضيةً قدماً، وهذا يعني أنَّ هذه الظاهرة ستكون موجودة في المستقبل المنظور".