صناع السياسة النقدية العالمية تعهدوا بمواصلة رفع أسعار الفائدة لحين ترويض التضخم الجامح

تحديات ما بعد التضخم تؤرق محافظي البنوك المركزية في جاكسون هول

كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، وكازو أويدا، محافظ بنك اليابان، وجيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، في ندوة جاكسون هول الاقتصادية، وايمونغ في الولايات المتحدة - المصدر: بلومبرغ
كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، وكازو أويدا، محافظ بنك اليابان، وجيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، في ندوة جاكسون هول الاقتصادية، وايمونغ في الولايات المتحدة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

شدد كبار محافظي البنوك المركزية في العالم على الحاجة إلى إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة لحين احتواء التضخم، وتطرقوا لتحولات اقتصادية أعمق ستجعل مهمتهم أكثر صعوبة.

في اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي السنوي في جاكسون هول بولاية وايومنغ، أظهرت الكلمات الرئيسية لرئيس المجلس جيروم باول ورئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد يوم الجمعة، التحديات التي يواجهها كل منهما في اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان ينبغي عليهما تمديد السلسلة التاريخية من زيادات أسعار الفائدة التي بدأت العام الماضي. في الوقت نفسه، لم يقدما للمستثمرين دلائل تُذكر على ما إذا كانا سيفعلان ذلك بالفعل في الأشهر المقبلة.

صعوبات في التكيف

قال بن برودبنت نائب محافظ بنك إنجلترا، في حلقة نقاشية يوم السبت خلال المؤتمر، الذي استضافه بنك الاحتياطي الفيدرالي في كانساس سيتي في قلب منتزه جراند تيتون الوطني، إنه ربما يتعين رفع أسعار الفائدة البريطانية أكثر، في حين أكد محافظ بنك اليابان كازو أويدا مجدداً على استمرار الحاجة إلى معدلات منخفضة في بلاده.

كان الموضوع الرئيسي الذي برز من وقائع المؤتمر الرسمية والمحادثات التي جرت على هامشه هو الصعوبات في التكيف مع القوى الخارجة عن سيطرة السلطات النقدية. ناقش الحاضرون موضوعات تشمل الإنتاجية والابتكار، وهيكل سوق السندات، وسلاسل التوريد العالمية، وارتفاع مستويات الدين العام.

جيروم باول: مسار التشديد النقدي مستمر ولكن بحذر

قالت كريستين فوربس، أستاذة الاقتصاد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وعضو لجنة السياسة النقدية في بنك إنجلترا سابقاً: "نعلم جميعاً بأهمية هذه التحولات الهيكلية التي سمعنا عنها. نعلم جميعاً أنها كبيرة. لا يسع البنوك المركزية فعل الكثير إزاء الكثير منها"، مضيفة أنها تغير معايير وضع السياسة النقدية، مما يجعل من الصعب للغاية أن تؤتي ثمارها.

يجري البنكان المركزيان الأميركي والأوروبي مناقشات مماثلة بشأن ما إذا كان من الواجب عليهما رفع تكاليف الاقتراض في اجتماع السياسة لكل منهما والمقرر انعقاده الشهر المقبل، حتى مع مفاجأة الاقتصاد الأميركي الجميع بما يتمتع به من متانة بينما يتجه الاقتصاد الأوروبي نحو التباطؤ على ما يبدو.

يشكل التضخم المستمر في كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدم اليقين بشأن مدى سرعة انحساره التحدي المشترك.

غموض قرارت الفائدة

التزم باول في خطابه الغموض بشأن ما إذا كان الاحتياطي الفيدرالي سيرفع سعر الفائدة القياسي مرة أخرى، رغم تحذيره من أن الدلائل الإضافية على استمرار النمو أعلى من المعتاد بما يمكن أن يعرض للخطر المزيد من التقدم المحرز على طريق الحد من التضخم ويمكن أن يستدعي زيادة تشديد السياسة النقدية.

أما لاغارد، فكانت في خطابها وفي مقابلة لاحقة مع تلفزيون "بلومبرغ"، أكثر إسهاباً في مناقشة المشهد الجديد الذي يواجه صناع السياسة في البنك المركزي الأوروبي، وهو مشهد يتسم بالتحديات الجديدة الناشئة عن التغيرات التاريخية، بما في ذلك تحول الطاقة وتجزئة التجارة العالمية إلى تكتلات جيوسياسية متنافسة. مع ذلك، فقد ابتعدت هي أيضاً عن الحديث عن قرارات الفائدة في الأشهر المقبلة.

التحفظ يهيمن على تصريحات لاغارد بشأن مسار الفائدة المستقبلي

مع ذلك، لم يتردد زملاء باول ولاغارد في إبداء رأيهم في زيادة أسعار الفائدة مجدداً، سواء بالقبول أو الرفض. وفي المقابلات، ذهب البعض -مثل رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند لوريتا ميستر ومحافظ بنك لاتفيا مارتينز كازاكس- إلى أنه من الأفضل أن نخطئ فيما يتعلق برفع أسعار الفائدة، والتي يمكن التراجع عنها إذا لزم الأمر.

واتخذ آخرون، بمن فيهم رئيس الاحتياطي الفيدرالي في فيلادلفيا باتريك هاركر ومحافظ بنك البرتغال ماريو سينتينو، الجانب المعاكس، مطالبين باتباع نهج حذر ريثما يقيّمون تأثير الزيادات السابقة.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

نقاط بارزة أخرى

دفعت متانة الاقتصاد الأميركي المستثمرين والاقتصاديين إلى مناقشة ما إذا كان سعر الفائدة المحايد -حيث لا تؤدي السياسة النقدية إلى إبطاء الاقتصاد أو تسريعه- قد تحول لأعلى. وهذا يعني أن صناع السياسة بحاجة إلى رفع أسعار الفائدة بشكل أكبر للحد من التضخم.

لكن رغم التكهنات بأن باول كان سيستخدم خطابه المرتقب لإبداء رأيه في هذه المسألة، فإنها لم تُثر في الندوة، باستثناء تأكيده على أن صناع السياسات لا يمكنهم تحديد السعر على وجه اليقين، وكان هذا خروجاً عما حدث في ندوة العام الماضي، عندما قال بعض الاقتصاديين إن الاقتصادات المتقدمة تدخل واقعاً جديداً، وبالتالي يجب رفع سعر الفائدة المستهدف لمراعاة ذلك.

شبح الانكماش يُخيم على التجارة العالمية

التجارة كانت من القضايا التي تخللت المناقشات يومي الجمعة والسبت. فقد تسببت مجموعة متنوعة من العوامل في تحول التجارة في العديد من الأسواق المتقدمة عن الشركاء التقليديين مثل الصين، إلى دول مثل فيتنام أو المكسيك. ويعتقد بعض الاقتصاديين أن هذا التقريب في المسافات، كاستثمار الولايات المتحدة في المكسيك، أو ضخ دولة استثمارات في دولة حليفة سياسياً أو اقتصادياً، يمكن أن يزيد من الضغوط التضخمية.

قالت كاثرين روس، أستاذة الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا في ديفيس، التي أدارت نقاشاً عن ورقة بحثية حول سلاسل الإمداد: "عندما تبدأ في إدخال هذا النوع من التوتر في العلاقات، فإنها ستجعل قطاعات كبيرة من الاقتصاد أقل حساسية للسياسة النقدية".

أضافت أن هذه الاتجاهات الناشئة في التجارة تجعل الاقتصادات أقل مرونة في مواجهة الصدمات غير الجيوسياسية وتزيد من الحاجة إلى الاستقرار من خلال السياسة النقدية، موضحة"أعتقد أن هناك تحديات كبيرة حقاً أمام السياسة النقدية إذا واصلنا نحن والدول الأخرى ذلك النهج".

عجز الميزانيات

كما يواجه صناع السياسات عجزاً متضخماً في الميزانيات، بما في ذلك تأثيره على أداء سوق الخزانة. وقد أدت اضطرابات السوق خلال الأيام الأولى لجائحة كورونا إلى زيادة دعوات صناع السياسات والاقتصاديين لإصلاح البنية التحتية واللوائح التنظيمية.

المشاعر السائدة في المحادثات والأسئلة في ندوة هذا العام هي: الحاجة إلى التواضع وسط حالة عدم اليقين التي تحيط بالمشهد الراهن.

قالت لاغارد: "بينما نحتاج إلى مواصلة السعي لتحسين صورتنا على المدى المتوسط، يجب أن نكون واضحين أيضاً بشأن حدود ما نعرفه حالياً وما يمكن أن تحققه سياستنا. إذا أردنا الحفاظ على مصداقيتنا أمام الجمهور، فسنحتاج إلى التحدث عن المستقبل بطريقة تعكس بشكل أفضل حالة عدم اليقين التي نواجهها".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك