تواجه الهيئات التنظيمية في الصين معركة خاسرة لإقناع الصناديق العالمية بالاستثمار في أسهم العملاق الآسيوي، من دون أن تكون جهود تعزيز السوق مصحوبة بحوافز أقوى لدعم النمو.
اتخذ المسؤولون سلسلة إجراءات في الأيام القليلة الماضية لتحسين المعنويات المتدهورة في ثاني أكبر سوق للأوراق المالية في العالم. فقد حثوا المؤسسات المالية على اقتناص الأسهم، وشجعوا الشركات على تعزيز عمليات إعادة الشراء، وطلبوا من صناديق الاستثمار المشتركة التوقف عن البيع. لكن كل ذلك كان بلا جدوى، فقد تراجع المؤشر "إم إس سي آي تشاينا" 1.3% عند إغلاق الأسواق المحلية أمس الجمعة.
أداء سيئ للأسهم
قالت كارين هيرن، الشريكة في "إيست كابيتال أسيت مانجمنت" (East Capital Asset Management): "يشعر المستثمرون بخيبة أمل بسبب عدم وجود إجراءات ملموسة لتعزيز الاقتصاد. قد تستمر السوق في الاتجاه النزولي من دون اتخاذ الحكومة إجراءات أقوى، ومع استمرار التوتر السياسي بين الصين والغرب".
هوى المؤشر "إم إس سي آي تشاينا" 11% هذا الشهر، مسجلاً أسوأ أداء له منذ أكتوبر مما يضعه في "المنطقة الحمراء" (على مسار التراجع) للعام الثالث على التوالي.
قادت "كانتري غاردنز هولدينغز"، أكبر شركة تطوير عقاري في الصين سابقاً، الخسائر في أغسطس مع انخفاض بأسهمها 49% وسط مخاوف من تخلف الشركة عن سداد ديونها بالدولار.
في غضون ذلك، تخارجت صناديق عالمية من سوق البر الرئيسي، إذ سحبت نحو 11 مليار دولار موجة استمرت في 13 يوماً حتى يوم الأربعاء، وهي الأطول منذ أن بدأت "بلومبرغ" في تتبُّع البيانات في 2016.
كما أصبح محللو وول ستريت أكثر تشاؤماً حيالها، إذ خفّض "مورغان ستانلي" و"غولدمان ساكس" أهدافهما بشأن الأسهم الصينية في الأسبوع الماضي بعد توقعاتهما الإيجابية لها في بداية العام.
وعود بلا مضمون
على الرغم من وعود كبار قادة الصين بسياسات داعمة للنمو في اجتماع المكتب السياسي للحزب الشيوعي في 24 يوليو؛ فإنَّهم لم يفعلوا شيئاً يُذكر لمواجهة التباطؤ. ولفت ذلك الانتباه إلى تصميم الرئيس شي جين بينغ على التحول بعيداً عن نموذج النمو القائم على الاقتراض الذي اتّبعه أسلافه.
قال مات ميلي، كبير استراتيجيي السوق في "ميلر تاباك" ( Miller Tabak): "إن الحكومة الصينية تغيّر مرة أخرى التوقعات المُجمَع عليها مثلما فعلت في 2021 عندما اتخذت السلطات إجراءات صارمة ضد المؤسسات الخاصة".
أضاف ميلي: "الشيء نفسه يحدث هذا العام، إذ يستجيب المسؤولون الصينيون بطريقة أقل قوة للضعف في اقتصادهم مما كان متوقعاً. و يظهر أن الصين لا تهتم على الإطلاق بما يعتقد الآخرون أنه ينبغي لهم فعله. ستفعل الصين ما تعتقد قيادتها أنه الأفضل بالنسبة لها".
تشير أحدث الأرقام الاقتصادية إلى قراءة قاتمة. فقد انخفضت القروض المصرفية إلى أدنى مستوى لها في 14 عاماً في يوليو، وبدأ انكماش الأسعار، وتقلّصت الصادرات.
تقترب الأسهم والعملة الصينية من أضعف مستوياتها مقارنة بنظيراتها في الولايات المتحدة منذ 2007 على الأقل. وكان الهروب إلى الأمان والسياسة النقدية الأيسر سبباً في تعزيز المكاسب في سندات الحكومة الصينية، مما زاد خصم العائد على الديون لأجل عامين في مقابل سندات الخزانة الأميركية إلى أعلى مستوياته منذ 2006.
قال شيادونغ باو، مدير الصناديق في "إدموند دي روتشيلد أسيت مانجمنت" ( Edmond de Rothschild Asset Management) في باريس: "إن البيانات تؤدي جميعها إلى قناعة أضعف لدى المستثمرين الدوليين لتبرير المخاطر التي يتحمّلونها من حيازة الأسهم الصينية مقابل الأصول في أماكن أخرى، التي تتميز بمكافأة مخاطرة أفضل".
مساع لاستعادة المستثمرين
ما يزال المسؤولون يأملون في إقناع المستثمرين الأجانب. فقد ذكرت "بلومبرغ نيوز" أمس الجمعة أن هيئة تنظيم الأوراق المالية تخطط لعقد اجتماع مع بعض من أكبر مديري الأصول في العالم في هونغ كونغ، بما في ذلك شركة "فيديليتي إنترناشيونال" (Fidelity International)، و"غولدمان ساكس".
قال ماثيو بوتربا، كبير المحللين في "ريتشارد بيرنشتاين أدفيزورز" (Richard Bernstein Advisors) إن مديري الصناديق العالمية لا يبحثون إلا عن دليل على تحسن الاقتصاد.
أضاف: "المستثمرون الأجانب متشائمون بشكل لا يصدق إزاء الأسهم الصينية في الوقت الحالي. ما يزال العديد من المديرين لا يستثمرون في الأسهم الصينية، وسيحتاجون إلى رؤية المزيد من العلامات الملموسة على التعافي الدائم قبل العودة مرة أخرى".