تعمل الصين على تعزيز جهودها للدفاع عن اليوان، إذ ترفع تكاليف التمويل في السوق الخارجية لكبح عمليات البيع على المكشوف، وتحدّد سعر صرف مرجعيّاً أعلى من المتوقع للعملة المدارة.
هذه الخطوات، حسب محللين، تهدف إلى إبطاء وتيرة انخفاض قيمة اليوان بدلاً من هندسة ارتفاع مستدام. يتوقع محلّلو "جيه بي مورغان تشيس آند كو"، و"نومورا هولدينغز" و"يو بي إس ويلث مانجمنت"، مزيداً من ضَعف العملة الصينية خلال العام الجاري. وقد انخفض اليوان في التعاملات الخارجية اليوم الثلاثاء، مقترباً من أدنى مستوى له في 2023 الذي كان سجله الأسبوع الماضي.
وضع بنك الشعب الصيني سعر صرف مرجعيّاً يوميّاً لليوان عند 7.1992 مقابل الدولار الأميركي، مقارنة بمتوسط التقديرات البالغ 7.3103 في استطلاع بلومبرغ اليوم الثلاثاء، في أكبر فجوة منذ بدء الاستطلاع خلال 2018.
يأتي ذلك بعد يوم من تسجيل نقاط التداول الآجل للشهر التالي -هو مقياس لتكلفة اقتراض اليوان مقابل الدولار الأميركي- أكبر قفزة في التداول الخارجي منذ 2017. زادت تكاليف التمويل باطّراد في الأيام الأخيرة، إذ امتنعت المصارف الصينية الكبرى عن توفير عملة أكثر لسوق المقايضة، حسب متداولين، مع الإشارة إلى أن ارتفاع تكاليف التمويل يجعل المراهنة ضد اليوان أكثر تكلفة للمضاربين.
ضغوط التداول
يواجه سعر صرف اليوان ضغوطاً منذ أشهُر في ظلّ الصعوبات التي تواجه الاقتصاد الصيني، وقد تسبّب خفض بنك الشعب الصيني أسعار الفائدة في توسيع الفارق في عائد أدوات الدخل الثابت بين الصين والولايات المتحدة. وفي حين ييسّر البنك المركزي الصيني سياسته النقدية، فإنه يسعى أيضاً لإبطاء هبوط اليوان عن طريق سعر صرف مرجعي أعلى من المتوقع، وعبر عمليات بيع للدولار الأميركي عبر المصارف التابعة للدولة، إلى جانب فرض تدابير أخرى على غرار تعديل القواعد المتعلقة بتدفقات رأس المال.
اليوان يلامس أدنى مستوياته في 2023 مع تعثر نمو الصين
كتب الخبيران الاستراتيجيان في "سيتي غروب"، فيليب يين وغوراف غارغ، في مذكرة للعملاء: "قد تكون زيادة ضغوط تمويل اليوان الخارجي أداة تكتيكية وبمثابة جهاز إرسال إشارات للمضاربين في السوق، لكنها على الأرجح ليست هي الأداة المفضلة التي يعتمد عليها بمعزل عن الأدوات الأخرى. سيتعيّن عليها العمل بجانب أدوات سوق صرف العملات الأجنبية الأخرى. عموماً، يدل الجمع بين خفض سعر الفائدة وأدوات العملات الأجنبية الأخرى، على السماح بتراجع اليوان بسبب العوامل الأساسية، ولكن بوتيرة مُدارة".
السندات الحكومية
باع بنك الشعب الصيني ما قيمته 35 مليار يوان من السندات في بورصة هونغ كونغ اليوم الثلاثاء، متجاوزاً القيمة البالغة 25 مليار يوان من الأوراق المالية التي تستحقّ السداد خلال الشهر الجاري. وهذه هي المرة الأولى التي يمتنع فيها البنك المركزي عن ترحيل أجل الاستحقاق كما كان يفعل منذ سنتين، ما قد يزيد أيضاً الطلب على العملة، وفق بيانات "بلومبرغ" المجمعة. وسجل العائد على السندات لأجل 3 أشهر أعلى مستوياته منذ عام 2018.
صعدت أيضاً أجزاء أخرى من منحنى العقود الآجلة، إذ لامست نقاط العقود الآجلة لليوم التالي أعلى مستوى لها منذ مايو 2022 يوم أمس الاثنين، بينما ارتفعت العقود لأجل 12 شهراً إلى أعلى مستوى لها تقريباً في 3 أشهر. وقفزت أسعار الفائدة بين البنوك باليوان الخارجي لمدة شهر واحد في هونغ كونغ بأكثر من 2% اليوم الثلاثاء مسجلة أعلى مستوى لها منذ عام 2018.
يأتي ارتفاع نقاط العقود الآجلة، بعد تراجع هذه العقود إلى مستويات قياسية في الأشهر الأخيرة، متأثرة باختلاف أسعار الفائدة عن الولايات المتحدة. تفوق عائدات سندات الخزانة الأميركية لأجل سنتين حالياً السندات الحكومية الصينية لنفس آجال الاستحقاق بمقدار 290 نقطة أساس تقريباً، وهو مستوى لم تبلغه منذ منتصف 2006.
قالت شياوجيا تشي، كبيرة خبراء الاقتصاد الصينيين في مصرف "كريدي أجريكول سي آي بي" (Credit Agricole CIB) في هونغ كونغ، إن استنزاف السيولة في الخارج قد يضغط على المراكز البيعية، لكنه سيقوّض أيضاً السياسة طويلة الأجل الرامية إلى تدويل اليوان. وأضافت أن هذا التحرك الأخير يُظهِر أن "بنك الشعب الصيني لا يتسامح مع التحركات السريعة في اتجاه واحد، وسيدرس أدوات السياسية المالية المختلفة لكبح تدفقات المضاربة المرتبطة بتراجع سعر صرف اليوان وتوقعات إدارته".