تدخلت الصين بأكبر قوة على الإطلاق لانتشال عملتها المتراجعة من خلال نظام السعر الاسترشادي اليومي للعملة المُدارة، إذ تسعى إلى استعادة الثقة في السوق التي أصابها الفزع من البيانات المخيبة للآمال ومخاطر الائتمان المتزايدة.
بنك الشعب الصيني حدد سعر اليوان عند 7.2006 مقابل الدولار مقارنة بمتوسط تقديرات عند 7.3047 في استطلاع أجرته بلومبرغ للمتداولين والمحللين. وتُعد هذه أكبر فجوة مع التقديرات منذ بدء الاستطلاع في عام 2018.
عزّزت السلطات دعمها لليوان الذي عانى خلال الأسبوع الماضي، لكنه واصل انخفاضه في كل من الأسواق الداخلية والخارجية نحو أدنى مستوياته في سنوات عدة. طلبت السلطات خلال الأسبوع الجاري من البنوك المملوكة للدولة، تكثيف تدخلها في السوق، وفقاً لأشخاص مطلعين، فيما قال البنك المركزي يوم أمس الخميس إنه سيمنع بحزم التحركات المفرطة للعملة.
لسنوات عديدة، كان لدى صناع السياسة حساسية بالغة تجاه أي تقلبات حادة في سعر صرف اليوان، والتي يمكن أن تعيد إشعال المضاربات التي رافقت الانخفاض المفاجئ في قيمة العملة قبل ثماني سنوات.
عندما تكون المعنويات عند أدنى مستوياتها، وهو ما تتجه نحوها السوق الآن، فإن الصين معرضة لخطر الدخول في حلقة مفرغة من خروج رأس المال، أو حتى انخفاض حاد في قيمة العملة.
وللقضاء على مثل هذه الأزمة في مهدها، يميل بنك الشعب الصيني إلى البدء في إدارة اليوان بإحكام عبر سياسة الضبط (fixing)، مما يقيّد التحركات اليومية للعملة صعوداً وهبوطاً حول 2%. وإذا رفض المضاربون على انخفاض العملة التوقف، يمكن حينها للبنك المركزي أن يختار استخدام أدوات أكثر قوة.
تشمل هذه الإجراءات ضخ السيولة بالدولار، ورفع تكلفة عمليات بيع اليوان في العقود الآجلة، أو حتى إدارة نقص العملة الصينية في هونغ كونغ.
يقول تشياوجيا زي رئيس الأبحاث في كريدي أجريكول": "نظراً لأن الدولار يُتداول أمام اليوان بالقرب من مستوى مرتفع تاريخياً حالياً، بينما تتراجع الثقة وخصوصاً مع تزايد مخاوف الديون، فمن المهم أن يقوم بنك الشعب الصيني بتكثيف إجراءاته لتحقيق الاستقرار لليوان".
أضاف تشياوجيا: "يمكن أن يؤدي الانخفاض السريع في قيمة اليوان أيضاً إلى إضعاف الثقة والتأثير على معنويات المخاطرة".
بعد عملية ضبط العملة التي جرت اليوم، ارتفع اليوان في التداولات الداخلية بنحو 0.1%، بينما ارتفعت العملة بالمقدار ذاته في الخارج إلى 7.30 مقابل الدولار. كما جرى تحديد السعر الاسترشادي عند مستوى أقوى من اليوم السابق للمرة الأولى في 6 جلسات.
أُجري استطلاع بلومبرغ اليومي حول سعر ضبط العملة، والذي يراقبه المستثمرون عن كثب كمؤشر لتوقعات السوق للعملة، مع 9 متداولين ومحللين صباح اليوم الجمعة. وجاءت قراءة بنك الشعب الصيني أقوى من كل التوقعات في الاستطلاع باستثناء توقع واحد.
المزيد من الإجراءات
علاوة على مطالبة السلطات الصينية هذا الأسبوع البنوك بالمزيد من التدخل، طالبت السلطات أيضاً البنوك بالتحقق مما إذا كانت الشركات المحلية تضارب في اتجاه واحد لسعر اليوان، حسبما قال أشخاص مطلعون على الأمر.
جاءت هذه المطالبة في الوقت الذي انخفض فيه اليوان في التداولات الخارجية إلى 7.35، وهو المستوى الذي تراقبه القيادة العليا باهتمام كبير، بحسب تعبيرهم.
يقول كين تشيونغ، كبير محللي العملات الآسيوية في بنك "ميزوهو" في هونغ كونغ: "المزيد من الإجراءات مثل التخفيض المحتمل لنسبة متطلبات احتياطي النقد الأجنبي عقب تعهد بنك الشعب الصيني بمنع الإفراط في المضاربات، قد يدفع المراهنين على تراجع اليوان إلى تقليص مراكزهم المكشوفة في الفترة المقبلة".
وبينما ارتفع اليوان عن أدنى مستوياته، يقول المحللون إنه سيظل يواجه ضغوطاً على المدى الطويل مع تباطؤ النمو الاقتصادي في البلاد واختلاف السياسة النقدية عن الولايات المتحدة. ظلت الفجوة بين العائد على سندات الصين لأجل 10 سنوات ونظيراتها الأميركية عند أعلى مستوى منذ عام 2007، مع تفضيل المستثمرين للأصول الأميركية.
البيانات الاقتصادية المخيبة للآمال لمبيعات التجزئة وأسعار المساكن، إلى جانب الأزمة المتسعة في قطاع العقارات، تبعد المستثمرين عن اليوان، حيث أضاف تخفيض بنك الشعب الصيني لمعدل الفائدة وإجراءات التحفيز، المزيد من التوتر.
قال بنك الشعب الصيني في أحدث تقرير له بشأن السياسة النقدية، إن سوق الصرف الأجنبي تتماشى حالياً مع الأساسيات.
يقول خون جوه، رئيس أبحاث آسيا في المجموعة المصرفية الأسترالية والنيوزيلندية في سنغافورة: "تستعد السلطات لرسم خط في الرمال وحماية العملة من مزيد من الضعف، ولكن من أجل انتعاشة مستدامة لليوان، نحتاج حقاً إلى رؤية عوائد السندات الأميركية لأجل 10 سنوات تنخفض من المستويات المرتفعة الحالية".