من المرجّح أن يتسارع ارتفاع معدل التضخم في مصر بعد تسجيله مستوى قياسياً جديداً عند 36.5% على أساس سنوي في يوليو، حسب توقعات وكالة "اس آند بي غلوبال ماركت انتليجينس" (S&P Global Market Intelligence)، التي أشارت في تقرير حديث إلى أن العملة المصرية قد تتقهقر أيضاً لتصل إلى 37 جنيهاً للدولار بنهاية 2023، ارتفاعاً من 30.9 جنيه.
عوامل عديدة لا تزال تضغط في اتجاه زيادات قوية في الأسعار خلال الفترة المقبلة، أهمها، حسب الوكالة، زيادة تعريفة الكهرباء التي كان من المفترض أن تُقَرّ في أوائل يوليو، والتعديل الموسمي لتكلفة التعليم في أكتوبر، واختناقات العرض مع استمرار السلطات في العمل على حلّ أزمة تراكم الواردات، فضلاً عن ضعف العملة المحلية الذي يُرجَّح أن يتزايد مستقبلاً.
بالإضافة إلى ذلك، توقعت "اس آند بي" أن يستمرّ الضغط التصاعدي على أسعار القمح والأرز نتيجة انسحاب روسيا من "مبادرة حبوب البحر الأسود"، وقرار الهند حظر صادرات الأرز، ما يعني بقاء تضخُّم أسعار الغذاء مرتفعاً.
كل هذه العوامل ستدفع السلطات المصرية على الأرجح إلى تأخير بعض الزيادات في أسعار السلع والخدمات، مثل الوقود والاتصالات السلكية واللا سلكية، حتى أوائل عام 2024 للاستفادة من التأثيرات الأساسية المواتية لأي زيادة في الأسعار. بذلك يُتوقع أن يبلغ معدل التضخم الأساسي ذروته قرب 39% على أساس سنوي في أكتوبر، حسب الوكالة، قبل أن يبدأ التراجع إلى حدود 35% بنهاية عام 2023، و20% في 2024.
أسعار الفائدة
إذا أرادت مصر أن تمضي قُدُماً في سياسة احتواء التضخم تدريجياً عبر أدوات السياسة النقدية وفي التحول إلى نظام صرف مرن للعملات الأجنبية، فستكون لرفع جديد في أسعار الفائدة مبررات، بعدما رفعها البنك المركزي المصري بمقدار 11 نقطة مئوية (1100 نقطة أساس) على مدار الأشهر الـ17 الماضية، كما تقول "اس آند بي". في هذا السياق تتوقع الوكالة زيادة بمقدار 100 نقطة أساس في اجتماع البنك في سبتمبر، ومثلها في اجتماع نوفمبر، ليصل معدل الفائدة الأساسي إلى 21.25%، بالتزامن مع تعديل جديد مرجَّح في سعر صرف العملة المحلية، في الوقت ذاته الذي تنتهي فيه مراجعة صندوق النقد الدولي لبرنامج مصر للإصلاحات الاقتصادية.
هذا هو السيناريو الأساسي الذي ترجّح "اس آند بي" أن يتحقق إذا ما حدث تحسن كبير في صافي احتياطيات البنك المركزي بدعم من موسم سياحة قوي ومزيد من التقدم في برنامج الطروحات الحكومية (الذي جمع 1.65 مليار دولار من العملات الأجنبية من طروحات جرت في أوائل يوليو، والمستهدف المعلن لجمع مليار دولار إضافية).
على الجانب السلبي للتوقعات بشأن العملة والتضخم، قالت الوكالة إنه يمكن للسلطات أن تحافظ بشكل مصطنع على سعر الصرف ثابتاً حتى نهاية 2023. وقد يحدث هذا الأمر إن لم يتوافق التقدم في مبيعات الأصول (غير تدفق الديون) مع توقعات السلطات بالإبقاء نظام سعر الصرف المُدار. في هذه الحالة ستكون العملة أقوى مما تفترضه التوقعات، ما سيقلّل الضغوط التضخمية، ويسمح للبنك المركزي بتأخير رفع أسعار الفائدة حتى أواخر 2023، أو قد يُبقي أسعار الفائدة بلا تغيير لبقية عام 2023.
وللتوقعات جانب آخر حسب "اس آند بي"، إذ يمكن أن يكون ضعف العملة المصرية أكثر حدة مما هو متوقع، خصوصاً إذا عوّم البنك المركزي الجنيه بالكامل. في مثل هذا السيناريو يُرجَّح أن يتخطى سعر الصرف الجنيه مستوى 37 جنيهاً للدولار متجاوزاً بذلك التوقعات لنهاية عام 2023، الأمر الذي سيؤدي إلى ضغوط تضخمية أقوى، يُضطرّ معها البنك المركزي إلى رفع أسعار الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس، كما فعل في ديسمبر 2022.