تدرس المملكة المتحدة ما إذا كانت ستتبع نفس الإجراءات التي اتخذها الرئيس جو بايدن للحد من الاستثمارات الأميركية في بعض شركات التكنولوجيا المتقدمة الصينية، إذ تسعى الدول الغربية لتحقيق توازن بين حماية الأمن القومي والضرورة الاقتصادية للتجارة مع الصين.
وقّع بايدن أمراً تنفيذياً أمس الأربعاء لتنظيم الاستثمارات الأميركية في بعض الشركات الصينية العاملة في مجالات أشباه الموصلات والحوسبة الكمية والذكاء الاصطناعي، وسط مخاوف من أن نقل المعرفة عبر المشاريع المشتركة وترتيبات التمويل الأخرى التي تشارك فيها الشركات الأميركية بالصين "تساعد على تسريع توطين هذه التقنيات".
وفي بيان صدر بعد وقت قصير من إعلان بايدن، قالت الحكومة البريطانية إن أمر الرئيس "يقدم توضيحاً هاماً بشأن النهج الأميركي".
قال متحدث باسم حكومة رئيس الوزراء ريشي سوناك: "ستنظر المملكة المتحدة في هذه الإجراءات الجديدة باهتمام شديد، في حين نواصل تقييم المخاطر المحتمَلة على الأمن القومي المرتبطة ببعض الاستثمارات".
تحاول المملكة المتحدة ودول أوروبية أخرى معرفة كيفية مواجهة تغير العلاقات بين الولايات المتحدة والصين.
واجه بايدن ضغوطاً متعارضة، من المناهضين للصين الذين يطالبون باتخاذ إجراءات أسرع وأكثر صرامة، فيما يسعى آخرون، منهم وزارة الخزانة، لاتخاذ تدابير أقل من شأنها أن تستغرق وقتاً أطول لتدخل حيز التنفيذ.
بعد قرار الولايات المتحدة حظر استثمارات في الصين.. بكين: إكراه اقتصادي
على أرض الواقع، تشير لهجة الأمر الذي أصدره بايدن إلى انتصار فريق وزارة الخزانة الذين يدافعون عن تبنّي نهج أكثر حذراً.
من المرجح أن ينسجم هذا النطاق الضيّق مع نهج سوناك الخاص تجاه الصين، الذي يسعى لإقامة علاقات تجارية ودية قدر الإمكان دون تعريض الأمن القومي للخطر.
"إعلان الأطلسي"
رداً على سؤال عما إذا كان سوناك يفكر في اتخاذ إجراء مماثل على غرار تحرك الولايات المتحدة، أشار مسؤول حكومي بريطاني إلى نص ما يسمى "إعلان الأطلسي" الذي وقّعه الجانبان في يونيو.
تعهد الإعلان بـ"الرد بفاعلية" إزاء مخاطر أن يساعد الاستثمار والمعرفة البريطانية الدول المنافسة على تطوير التهديدات الأمنية.
قال المسؤول إن المملكة المتحدة عليها فحص الأمر والتشاور مع الشركات البريطانية وأصحاب المصلحة الآخرين قبل تحديد خطواتها التالية.
مع ذلك فإن عمل التوازن السياسي ليس أمراً سهلاً لسوناك، الذي اختار نهجاً أكثر دقة تجاه الصين مما قد يرغّب عديداً من الأعضاء الصقور في حزبه السياسي.
في الشهر الماضي حذرت لجنة المخابرات والأمن بالبرلمان البريطاني من أن بريطانيا "تعاني عقبة شديدة" في مواجهة الهيمنة الاقتصادية وقدرات التجسس لدى بكين.
مع ذلك يدعو آخرون إلى تعزيز العلاقات. وقد تَعرَّض بنك "إتش إس بي سي هولدينغز" لانتقادات من جانب المشرعين البريطانيين بعد أن انتقد رئيس الشؤون العامة لديه الولايات المتحدة لإجبارها المملكة المتحدة على تقليص التعاملات التجارية مع الصين. واتهم الحكومة البريطانية بأنها "ضعيفة" بسبب الموافقة على ذلك.
التوترات في العلاقة بين المملكة المتحدة والصين تظهر بطرق أخرى. اتهمت بكين الحكومة البريطانية بالفشل في الوفاء بالتزاماتها الدبلوماسية بشأن خطتها لنقل سفارتها إلى مبنى تاريخي في شرقيّ لندن. رفض المخططون المحليون ذلك، ويشعر المسؤولون الصينيون بالإحباط لعدم تدخل إدارة سوناك.
المفوضية الأوروبية تحلّل أمر بايدن
مع ذلك، ليست المملكة المتحدة وحدها من يدرس كيفية التعامل مع الصين. قالت المفوضية الأوروبية أيضاً إنها ستحلّل الأمر الذي أصدره بايدن، وتخطط لاقتراح مبادرتها الخاصة نيابة عن أعضاء الاتحاد الأوروبي بحلول نهاية العام.
أوضحت المفوضية في بيان: "نريد أن نتأكد من أننا نحدد المخاطر ونصوغ ردّاً متناسباً ودقيقاً لمواجهة تلك المخاطر، بلا أي آثار سلبية غير مقصودة على الاقتصاد الأوروبي والعالمي".
أضافت أن "مصلحة مشتركة" في منع المعارف التي تملكها الشركات من تعزيز "القدرات العسكرية والاستخباراتية لجهات قد تستخدمها لتقويض السلم والأمن الدوليين".
لكن داخل التكتل وجهات نظر مختلفة. بينما لم ترد وزارة المالية الفرنسية على طلب للتعليق، قاومت حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون حتى الآن الضغط الأميركي لاتخاذ موقف متشدد مع بكين.
بعد أشهر من زيارة ماكرون للصين، التقى وزير المالية الفرنسي برونو لو مير أيضاً مسؤولين وشركات صينية لترويج جاذبية بلاده للاستثمارات الصينية.
على الجانب الآخر يحقّق المدعون الفرنسيون مع بعض المواطنين الفرنسيين والصينيين المتهمين بمشاركة تقنيات أشباه الموصلات الرئيسية مع قوى أجنبية بما في ذلك الصين وروسيا.
البرلمان الإيطالي يمنح الحكومة "السهم الذهبي"
صوّت مجلس الوزراء الإيطالي في وقت سابق من هذا الأسبوع لصالح منح الحكومة صلاحيات "السهم الذهبي" لمنع نقل التكنولوجيا إلى الخارج في القطاعات الاستراتيجية بما في ذلك الذكاء الاصطناعي وإنتاج أشباه الموصلات والأمن السيبراني والفضاء والطاقة.
مع عدم ذكر الصين، يُنظَر إلى الإجراء على أنه من المرجح أن يؤثر في العلاقات التجارية لإيطاليا مع بكين من خلال إبعادها عن مبادرة الحزام والطريق الصينية.
يتماشى تحرك إيطاليا مع استراتيجية الأمن الأوروبي للاتحاد الأوروبي، وهي أداة جديدة تمنع أيضا التفاعل مع دول مثل الصين في قًطاعات معينة، على الرغم من عدم الإشارة أيضاً إلى أي دولة بالاسم.
وردّاً على الأمر التنفيذي الذي أصدره بايدن، قالت الصين إنها "محبطة للغاية" وحذرت من أنها ستحمي مصالحها الخاصة.