يبدو أن ارتفاع خام الحديد خلال الشهرين الماضيين بدأ يهتز بصورة متزايدة حيث تتلاشى الآمال في تحفيز من النوع القوي المرتبط بمشروعات البنية التحتية الذي اعتادت الصين تطبيقها.
خفف المسؤولون السياسة النقدية وطرحوا أو تحدثوا عن مجموعة تدابير لدعم القطاع العقاري وأجزاء أخرى من الاقتصاد منذ أوائل يونيو الماضي. تعهد اجتماع المكتب السياسي الأسبوع الجاري بدعم إضافي للعقارات وتخفيف أعباء ديون الحكومات المحلية، ما أبطأ نمو الإنفاق للسنة الحالية.
تعهدات صينية
ستُطرح تفاصيل الإجراءات الفعلية على الأرجح تدريجياً خلال الأسابيع المقبلة. رغم ذلك، لم يكشف نص الاجتماع عن حوافز مالية أو نقدية كبيرة، ولا يوجد أحد يتوقع العودة إلى هذا النوع من النفقات الضخمة التي نشّطت بكين بها اقتصادها بها بعد الأزمة المالية العالمية.
أوضح أتيلا ويدنيل، مدير عام شركة "نافيغيت كوميديتس" (Navigate Commodities): "تراجعت ثقة المستهلكين الصينيين جرّاء عمليات إغلاق على مدى أعوام وتأخيرات تسليم العقارات المبنية حديثاً، ورد فعلنا الأولي على تعهدات المكتب السياسي الأخيرة هو التساؤل حول ما سيترتب عليها؟"
أضاف: "سيتأخر التأثير الفعلي لأي صورة من صور التدابير التحفيزية لفترة تتراوح ما بين ربعين إلى ثلاثة أرباع سنوية قبل أن يتحول عبر النظام إلى طلب حقيقي على الصلب وخام الحديد المهم ". مشيراً إلى أن المسؤولين قد يحتاجون أيضاً إلى "تشجيع" مطوري العقارات بقوة على تخصيص الأموال لأغراض محددة الهدف عوضاً عن استخدامها لإعادة التوازن إلى الميزانيات العمومية مرتفعة الاستدانة.
حركة الأسعار
يتعرض خام الحديد لمخاطر تكرار دورة الصعود والهبوط الأخيرة. ارتفع منذ أوائل نوفمبر في ظل تفاؤل إزاء اقتراب انتعاش اقتصادي بعد وباء كورونا، لكنه خسر أكثر من نصف تلك المكاسب مع تعثر التعافي. عاود الخام بعد ذلك الصعود في أواخر مايو الماضي بفضل آمال طرح برامج تحفيز اقتصادي.
تراجع الخام 0.4% مسجلاً 112.80 دولار للطن في سنغافورة عند الساعة 11:09 صباحاً بالتوقيت المحلي اليوم الخميس، بعد هبوطه 1.4% خلال جلسة التداول السابقة.
توقع مصرف "مورغان ستانلي" في وقت سابق من الشهر الجاري انخفاض أسعار خام الحديد إلى 90 دولاراً للطن خلال الربع الأخير، بينما وضع مصرف "غولدمان ساكس غروب" هدفاً على مدى 3 شهور عند 80 دولاراً للمعدن في تقرير صدر يوم 13 يوليو الجاري. أعاد المصرفان تأكيد توقعاتهما لبلومبرغ بعد اجتماع المكتب السياسي.
"ضغوط هبوطية"
قد تشكل أيضاً شحنات التصدير القوية من شركات التعدين ظروفاً غير مواتية. تركت شركة "ريو تينتو غروب"، أكبر منتج لخام الحديد، الدليل التوجيهي للتصدير خلال 2023 دون تغيير حتى عندما حذّرت من أن تعافي الصين المتعثر كان له تأثير سلبي على الطلب. كذلك لم تغير "فالي" وهي ثاني أكبر شركة تعدين تقديراتها لإنتاج السنة بأكملها بعد قفزة الإنتاج الربع الماضي.
أكدت أميليا فو شياو، رئيسة وحدة استراتيجية السلع في "بي أو سي آي غلوبال كوميديتس" (BOCI Global Commodities)، أن المكتب السياسي أطلق "إشارة جلية" بأن تقديم التدابير الداعمة سيتواصل. أضافت أن الأمر قد يحتاج رغم ذلك بعضاً من الوقت لتحديد مدى فاعلية السياسات عملياً بالنسبة للطلب، ويميل إنتاج الصلب إلى أن يكون "أقل بصورة طفيفة" خلال الربعين الأخيرين من السنة الجارية، على حد قولها.
قطاع العقارات
يستمر قطاع العقارات الصيني، الذي يشكل 40% تقريباً من الطلب على الصلب بالبلاد، في إعاقة تقدم أسعار خام الحديد. انكمش قطاع العقارات مرة أخرى خلال الربع الماضي، بعد توسع لفترة وجيزة خلال الـ3 شهور السابقة، ما يخاطر بعدم تحقيق هدف النمو الاقتصادي السنوي الرسمي للصين الذي يبلغ 5%.
قال ريتشارد لو، كبير محللي شركة "سي آر يو إنترناشيونال" (CRU International): "توجه بكين جهودها التحفيزية صوب الاستهلاك، بينما تتفادى الإنفاق على البنية التحتية الأكثر كثافة لاستخدام للصلب".
تابع: "قطاع العقارات مبني فعلاً على الثقة، لكننا لم نشهد بعد أي تعافٍ بقدر مناسب، لذلك بالنصف الثاني من السنة الحالية، لن يكون من المرجح حدوث تعافٍ ملموس، في ظل ضغوط هبوطية على أسعار خام الحديد، لكن ستوجد مقاومة أقوى لهبوط الأسعار دون نطاق يتراوح من 90 دولاراً إلى 95 دولاراً للطن".